باسكال أبو نادر
خميس السكارى هو من العادات اللبنانية، التي ترجع الى بدايات الإنتشار المسيحي في منطقتنا، حيث اندمجت العادات الوثنيّة وتسللت الى الطقوس الدينية وإختلطت وأصبحت من التقاليد، وتلوّنت بالدين مع انها اجتماعيّة ولا علاقة لها به… يأتي خميس السكارى في الأسبوع الأخير الذي يسبق الصوم الكبير لدى الطوائف التي تتبع التقويم الغربي أي تحديدا في أسبوع المرفع حيث تجتمع العائلة حول المائدة لتشرب النبيذ والكحول وتتناول اللحوم وأطيب المأكولات قبل الدخول الى الصوم.
دائماً ما يحدث اللغط حول هذه المناسبة التي يحتفل بها المسيحيون قبل الصوم، والبعض رأى في التسمية ما يزعجه ويؤرق حياته فزعم أنّ التسمية خميس “الذكارى” غير الموجودة نسبة الى عدّة مؤرّخين وأدباء لبنانيين ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر ما ورد في كتاب “وجوه وحكايات” للكاتب مارون عبّود من خلال قصّة قصيرة عن عادات خميس السكارى، ولن يكون لتغيير التقليد أهميّة حتّى ولو أراد من أشاعه أن يسقطه على أسبوع “الموتى المؤمنين” حسب تسمية الكنيسة المارونية له وفيه يستذكر المؤمنون أمواتهم بالصلوات عشيّة البدء بالصوم الكبير. ولكن لا لـ”ذكارى” التائهين والضائعين ومستحضري كلمة تحمل ايحاءات… إن الخميس الذي يسبق مرفع الزفر هو “خميس السكارى” إذ لا توجد كلمة ذكارى ولكننا نذكر موتانا طوال هذا الاسبوع واليوم نذكرهم ونصلي من أجلهم.
بالعودة الى العادة المتّبعة فإن المسيحيين الموارنة يُعدّون خروفاً من ماشيتهم ليذبحوه في “أحد الدبيح” أيّ الأحد الأخير قبل أحد مدخل الصوم (المعروف بأحد الموتى) ليكون طعامهم طيلة الأسبوع وصولا الى أحد المرفع الذي فيه يرفعون الزفر، ويبدأون مع بداية الصوم رفع اللحوم عن موائدهم وجميع مشتقّاته، حتى صباح أحد القيامة المجيدة، وحتى لا يبقى من اللحوم ما يستوجب تلفه مع بدء الصوم فتقام الولائم خلال اسبوع كامل.
مع امتناع المسيحيين بشكل قاطع عن أكل “الزفر” خلال الصوم الكبير، جرت العادة أن تجتمع العائلة منذ ليلة الخميس وحتى الأحد على المائدة، بغية استنفاد ما لديهم من مأكولات إفطارية من اللحم والبياض من الأجبان والالبان، وذلك لأن القدماء منهم لم يكن لديهم من وسائل لحفظها خلال اربعين يوماً، كما هي الحال في يومنا هذا، ومعظمهم كان يقطع عن الزفر كلياً خلال الصوم، لذلك فإن الأكل والمشروب ليس للسكر بل كعربون للفرح والشركة بين الأهل المجتمعين في هذا اليوم.
إذاً، خميس السكارى هو خميس لقاء الفرح قبل الدخول في زمن الصوم، ويجتمع أفراد العائلة لآخر مرة قبل الصوم حيث يتذكّر أفرادها أمواتهم ويفرحون ويأكلون.
يعتبر أسبوع المرفع المدخل الى الصوم الكبير وفي مرّة يحاول البعض تشويه هذه الصورة عبر التأكيد على أن ما نحتفل به هو خميس “ذكارى” بينما الحقيقة أنه “خميس سكارى” او خميس الفرح لا أكثر ولا أقلّ، كما حصل ويحصل مع عيد “الهالوين” المستحضر من الغرب لتشويه معاني عيد القديسة بربارة وغيره من الأعياد.