اَلْأَبُ أَنْطُونْيُوسْ مَقَارَّ إِبْرَاهِيمْ رَاعِيَ اَلْأَقْبَاطِ اَلْكَاثُولِيكِ فِي لُبْنَانَ
يُسَمَّى زَمَنُ اَلصَّوْمِ اَلْمَوْسِمِ اَلْمُقَدَّسِ اَلَّذِي يَلْتَقِي فِيهِ اَلْإِنْسَانُ رَبَّهُ بِالصَّلَاةِ وَالتَّوْبَةِ وَيَلْتَقِي فِيهِ أَخَاهُ بِالْمَحَبَّةِ وَالرَّحْمَةِ . شَمِلَتْ اَلْكَنِيسَةُ اَلْمُسْتَنِيرَةُ بِالرُّوحِ اَلْقُدْسِ فِي صِيَامِهَا اَلْأَرْبَعِينِيِّ عَلَى مِثَالِ مُوسَى اَلنَّبِيِّ وَإِيلِيَا اَلنَّبِيِّ وَرَبِّنَا يَسُوعْ اَلْمَسِيحْ ، أُسْبُوعُ اَلْآلَامِ كَيْ تُظْهِرَ لَنَا أَنَّ اَلْمَسِيحَ اِفْتَتَحَ زَمَنُ اَلنِّعْمَةِ بِالْأَرْبَعِينَ فِي حَيَاتِهِ اَلْيَوْمِيَّةِ مِنْ خِلَالِ كُلِّ مَا قَامَ بِهِ مِنْ دَعْوَةِ اَلنَّاسِ إِلَى اَلتَّوْبَةِ وَشِفَائِهِمْ مِنْ كُلِّ اَلْأَمْرَاضِ وَالْعَاهَاتِ وَأَعْطَاهُمْ اَلنُّورُ وَالْمُثُلُ اَلصَّالِحُ لِعَيْشِ اَلْمَحَبَّةِ اَلْحَقِيقِيَّةِ وَالْوَصِيَّةِ لِتَنْفِيذِهَا ” وَصِيَّتِي لَكُمْ هِيَ أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَنَا اَحَبَبَتَكَمْ ” . تَوَّجَ زَمَنُ اَلنِّعْمَةِ هَذِهِ بِالْمَوْتِ عَنَّا جَمِيعًا لِيُقَيَّمِنَا مَعَهُ إِلَى اَلْحَيَاةِ اَلْأَبَدِيَّةِ . بِالتَّالِي يَعُدْ زَمَنُ اَلصَّوْمِ اَلْمُقَدَّسِ مِنْ أَهَمَّ وَأَجْمَلِ اَلْأَيَّامِ اَلَّتِي فِيهَا يَكْتَشِفُ اَلْإِنْسَانُ سُمُوّ عَظَمَةِ حُبِّ اَللَّهِ مِنْ جِهَةٍ وَيَكْتَشِفُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى كَمْ هُوَ فِي حَاجَةٍ إِلَى أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ حُبِّهِ لِأَخِيهِ اَلْإِنْسَانَ . يَعِيشَ كَثِيرُونَ مِنَّا فِي هَذِهِ اَلْفَتْرَةِ صِرَاعًا مَرِيرًا حَوْلَ كَيْفِيَّةِ اَلِالْتِزَامِ بِالصَّوْمِ وَلَكِنْ لَا نَنْسَى أَنَّ يَسُوعْ صَارَعَ اَلشَّيْطَانُ وَانْتَصَرَ عَلَيْهِ وَهَذَا يَتَّضِحُ فِي نِهَايَةِ اَلْأَرْبَعِينَ ” أَنَّهُ جَاعَ ” وَظَنَّ اَلشَّيْطَانُ أَنَّهُ سَيَنْتَصِرُ عَلَى يَسُوعْ فِي اِسْتِخْدَامِ سِلَاحِ اَلْجُوعِ أَوْ اَلتَّعَالِي حِينَمَا طَلَبَ مِنْهُ قَائِلاً لَوْ كُنْتُ اِبْن اَللَّهِ قَلَّ لِهَذِهِ اَلْحِجَارَةِ تَصِيرُ خُبْزًا ، جَاوَبَهُ يَسُوعْ لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدِهِ يَحْيَا اَلْإِنْسَانُ ” جُوعَ اَلْجَسَدِ إِلَى اَلْخُبْزِ ” وَإِنَّمَا اَلْإِنْسَانُ يَحْيَا بِكَلِمَةِ اَللَّهِ . أَخَلَّا اَلْمَسِيحُ ذَاتُهُ مُعْلِنًا أَنَّهُ كَلِمَةُ اَللَّهِ كَمَصْدَرٍ أَسَاسِيٍّ لِلتَّغْذِيَةِ مِنْهُ كَوْنُهُ هُوَ خُبْزُ اَلْحَيَاةِ وَمِنْ هُنَا تَكُونُ أُولَى اَلْخُطُوَاتِ لَا بَلْ أَبْرَزَهَا اَلَّتِي يَتَّخِذُهَا اَلْمُؤَمَّنُ اَلْحَقِيقِيُّ لِشَرِكَةِ اَلْحَيَاةِ اَلْأَبَدِيَّةِ وَالْبُنُوَّةِ لِلَّهِ وَالْأَسَاسِ اَلَّذِي تَبَنَّى عَلَيْهِ هَذِهِ اَلشَّرِكَةِ هُوَ : 1-اَلتَّغَلُّبُ عَلَى شَهَوَاتِ اَلْجَسَدِ : لِلْإِنْسَانِ اَلْعَدِيدَ مِنْ اَلشَّهَوَاتِ وَالْمُتَطَلَّبَاتِ مُعْظَمُهَا نَاتِجٌ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ حَسَدٍ أَوْ حِقْدٍ ، فَالشَّهْوَاتُ مَثَّلَا هِيَ اَلِامْتِلَاكُ وَالِاقْتِنَاءُ . اَلتَّغَلُّبُ عَلَى هَذَا يَكْمُنُ فِي أَنَّ ، عِنْدَمَا تَدْخُلُ إِلَى قَلْبِكَ أَوْ فِكْرِكَ شَهْوَةً مُعَيَّنَةً حَاوَلَ أَنْ تَتَخَلَّصَ مِنْهَا وَتَذَكَّرَ مَا أَجْمَلُ اَلْإِنْسَانِ اَلَّذِي يُذِلُّ اَلشَّهْوَةَ وَيَنْتَصِرُ عَلَيْهَا بَدَلاً مِنْ أَنْ تُذِلَّهُ اَلشَّهْوَةُ وَتَكَسُّرُهُ . اَلِانْتِصَارُ هُوَ مَبْعَثُ فَرَحِ وَسُرُورْ لِلْإِنْسَانِ ، فَلِذَلِكَ لَا نَيْأَسُ مِنْ اَلشَّهْوَةِ مَا دَامَ هُنَاكَ بَابٌ لِلِانْتِصَارِ وَالتَّغَلُّبِ عَلَيْهَا أَكِيدٌ بِعَمَلِ اَلْمَسِيحِ اَلَّذِي حَوْلِ اَلْمَوْتِ إِلَى حَيَاةٍ ، وَالْيَأْسُ إِلَى رَجَاءٍ ، كَمَا أَنَّهُ عَمَلٌ فِي نُفُوسِ أَشْخَاصٍ لَعِبَتْ بِهُمْ اَلشَّهْوَةُ بِمَلَذَّاتِ اَلْعَالَمِ وَمُتَطَلَّبَاتِهِ كَمَثَلِ أُغُسْطِينُوسْ اَلَّذِي صَارَ مِنْ أَكْبَرِ آبَاءِ اَلْكَنِيسَةِ ، حَتَّى مَارْ بُولُسْ تَبَدَّلَ عِنْدَمَا نَادَاهُ يَسُوعْ تَبَدُّلاً جَذْرِيًّا ، مِنْ مُضْطَهَدٍ لِلْمَسِيحِ إِلَى أَكْبَرَ مُبَشِّرٍ بِهِ قَائِلاً ” اَلْوَيْلَ لِي إِلَّمْ أَبْشِرْ ، لِي اِشْتِهَاءُ أَنْ اِنْطَلَقَ وَأَكُون مَعَ اَلْمَسِيحِ ” . 2 – حَيَاةُ اَلْجِهَادِ اَلْمُتَوَاصِلِ : يَجِبَ عَلَيْنَا أَنْ لَا نَنْسَى أَبَدًا أَنَّنَا بَشَرٌ وَلَسْنَا مَلَائِكَةٌ ، وَأَنَّنَا نَلْبَسُ جَسَدًا تُرَابِيًّا فَانِيًا وَمَهْزُومًا وَمَعَ ذَلِكَ نَمْلِكُ فِي اَلْمَسِيحِ مُكَوِّنَاتِ اَلْجَسَدِ اَلنُّورَانِيِّ ، لِذَا نَتَذَكَّرُ أَنَّنَا بِالْمَسِيحِ نَنْتَصِرُ وَأَنَّهُ هُوَ يُحِبُّنَا وَلَا سِيَّمَا فِي أَوْقَاتِ اَلضَّعْفِ وَالْهَزِيمَةِ . 3 – اَلصَّلَاةُ اَلْمُسْتَمِرَّةُ : اَلصَّلَاةُ هِيَ اَلصِّلَةُ اَلْوَحِيدَةُ اَلَّتِي تَرْبُطُنَا بِاَللَّهِ مِنْ جِهَةِ وَبِالْإِنْسَانِ اَلْآخَر مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهِيَ اَلْمِفْتَاحُ اَلذَّهَبِيُّ لِكُلِّ عَمَلٍ نُرِيدُ اَلْقِيَامُ بِهِ ، يَمْتَنِعَ كَثِيرُونَ مِنْ اَلنَّاسِ عَنْ اَلصَّلَاةِ بِحُجَّةِ أَنَّهُمْ خَطَأَهُ أَوْ هُمْ فِي فِعْلِ اَلْخَطِيئَةِ ، مُؤَكَّد أَنَّ اِرْتِكَابَ اَلْإِنْسَانِ لِلْخَطِيئَةِ وَإِهْمَالِهِ اَلصَّلَاةَ وَبَعْدَهُ عَنْ نَبْعِ اَلْحَيَاةِ سَيَجْعَلُهُ يَرْتَكِبُ اَلْمَزِيدُ مِنْ اَلْخَطَايَا . لِنَتَذَكَّرْ صَرْخَةَ دَاوُدْ اَلنَّبِيِّ إِلَى اَلرَّبِّ ” يَارْبْ لَا تَتْرُكُنِي وَحْدِي ” و ” اِرْحَمْنِي كَعَظِيمِ كَرْحَمْتَكْ ، وَكَمِثْلٍ كَثْرَة رَأْفَتَكَ تَمْحُو كُلَّ مَعَاصِي ” . يَتَمَسَّكَ دَاوُدْ هُنَا بِاَللَّهِ وَيَطْلُبُ مِنْهُ اَلْقُوَّةُ لِلِانْتِصَارِ عَلَى اَلْخَطِيئَةِ ، وَمَنْحُهُ اَلْقَلْبُ اَلْجَدِيدُ ” قَلْبًا نَقِيًّا أَخْلُقُ فِي يَالِلَهْ وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدَّدَهُ فِي أَحْشَائِي ” . ف « اَلْمَوْلُودُ مِنْ اَلْجَسَدِ جَسَد هُوَ ، وَالْمَوْلُودَ مِنْ اَلرُّوحِ ( اَلْقُدْسُ ) هُوَ رُوحٌ » ( يُو 6 : 3 ) وَبِهَذِهِ اَلْغَلَبَةِ يَنْمُو فِينَا اَلْإِيمَانُ بِأَنَّ لَا شَيْءً يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْصِلَنِيَ عَنْ مَحَبَّةِ اَلْمَسِيحِ لَا جُوع وَلَا عَطَش وَلَا عُرْي . 4 – بَذْلُ اَلذَّاتِ : اَلْمَقْصُودُ بِبَذْلِ اَلذَّاتِ تَسْلِيمَ اَلْإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِالْكَامِلِ بِكُلِّ طَاعَةٍ وَوَدَاعَةٍ وَثِقَةٍ وَمِنْ دُونِ خَوْفٍ ، وَاَللَّهُ يَقُودُ اَلْإِنْسَانُ لِتَحْقِيقِ مَشِيئَتِهِ اَلصَّالِحَةِ ، فَاَللَّهُ هُوَ مَبْدَأُ كُلِّ شَيْءِ وَهُوَ غَايَتُهُ ، وَهُوَ اَلْمُعْتَنِي بِكُلِّ خَلِيقَتِهِ : بَشَرًا وَحَيَوَانًا وَنَبَاتًا . وَنَحْنُ فِي حَاجَةٍ إِلَى أَنَّ نَسْتَوْدِعَ حَيَاتُنَا عِنْدَ مِنْ يُقَدِّرُ أَنْ يَحْفَظَهَا وَيَعْتَنِي بِهَا وَيَحْمِيهَا ، وَيَنْزِعَ مِنْهَا اَلْخَوْفُ ، وَيَخْتَارَ مَعَهَا وَلَهَا ، خُصُوصًا فِي أُمُورِ اَلْمَصِيرِ فَهُوَ يَدْعُونَا : ” تَعَالَوْا إِلَى يَا جَمِيع اَلْمُتْعَبِينَ وَالْمُثْقَلِينَ بِالْأَحْمَالِ وَأَنَا أُرِيحُكُمْ وَمِنْ هُنَا يَنْمُو اَلْإِيمَانُ وَالشَّرِكَةُ وَالتَّوْبَةُ وَنُلْقِي بِذَاتِنَا فِي أَحْضَانِ اَلْقَادِرِ أَنْ يَحْمِلَ أَثْقَالَهَا وَذَاتِهَا وَهُمُومهَا وَاهْتِمَامَاتُهَا . 5 – اَلشَّرِكَةُ فِي اَلْكَأْسِ اَلْوَاحِدِ : « كَأْسُ اَلْبَرَكَةِ اَلَّتِي نُبَارِكُهَا ، أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةُ دَمِ اَلْمَسِيحِ ؟ اَلْخُبْزُ اَلَّذِي نَكْسِرهُ ، أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةُ جَسَدِ اَلْمَسِيحِ ؟ فَإِنَّنَا نَحْنُ اَلْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٍ ، جَسَدٌ وَاحِدٌ ، لِأَنَّنَا جَمِيعُنَا نَشْتَرِكُ فِي اَلْخُبْزِ اَلْوَاحِدِ » ( 1 كُو 10 : 17،16 ) هَذِهِ اَلشَّرِكَةِ تَمْنَحُنَا نِعْمَةُ اَلتَّبَنِّي اَلْإِلَهِيِّ وَعَيْشِ اَلْمَحَبَّةِ اَلَّتِي بِدُونِهَا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَعْمَلَ شَيْئًا ، بِدُونِ مَحَبَّةٍ ، لَا قِيمَةً لَنَا وَلَا نُصْلِحُ لِمِيرَاثِ اَلْحَيَاةِ اَلْأَبَدِيَّةِ : « إِنَّ كُنْتَ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ اَلنَّاسِ وَالْمَلَائِكَةِ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ ، فَقَدْ صِرْتُ نُحَاسًا يَطِنُّ أَوْ صَنْجًا يَرِنُّ . وَإِنْ كَانَتْ لِي نُبُوَّةٌ ، وَأَعْلَمَ جَمِيعُ اَلْأَسْرَارِ وَكُلِّ عِلْمٍ ، وَإِنْ كَانَ لِي كُلِّ اَلْإِيمَانِ حَتَّى أَنْقُلَ اَلْجِبَالُ ، وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ ، فَلَسْتُ شَيْئًا . وَإِنْ أُطْعِمَتْ كُلُّ أَمْوَالِي ، وَإِنْ سَلَّمَتْ جَسَدِيٍّ حَتَّى اِحْتَرَقَ ، وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ ، فَلَا أَنْتَفِعُ شَيْئًا » ( 1 كُو 1 : 13 – 3 ) . « اَلْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرَفُّق . اَلْمَحَبَّةُ لَا تُحْسَدُ . اَلْمَحَبَّةُ لَا تَتَفَاخَرُ ، وَلَا تَنْتَفِخُ ، وَلَا تَقْبُحُ ( اَلنُّزُولُ بِالْمَحَبَّةِ إِلَى مُسْتَوَى اَلشَّهْوَةِ اَلْقَبِيحَةِ ) ، وَلَا تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا ( مَحَبَّةٌ مِنْ أَجْلِ اَلْمَنْفَعَةِ اَلذَّاتِيَّةِ ) ، وَلَا تَحْتَدُّ ( أَيْ لَا تَظَلُّم وَتَضْطَهِدُ وَتُسِيءُ بِدَعْوَى اَلتَّأْدِيبِ ) ، وَلَا تَظُنُّ اَلسُّوءَ ( كُلُّ بُغْضِهِ وَكَرَاهِيَةِ سَبَبِهَا اَلظَّنِّ بِالسُّوءِ ) ، وَلَا تَفْرَحُ بِالْإِثْمِ ( اَلشَّمَاتَةُ ) بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ ( فَرَحٌ إِلَهِيٌّ ) ، وَتَحْتَمِلَ كُلُّ شَيْءٍ ( اَلصَّبْرُ اَلطَّوِيلُ ) ، وَتُصَدِّقَ كُلُّ شَيْءٍ ( فِي بَسَاطَةٍ إِلَهِيَّةٍ ) ، وَتَرْجُو كُلُّ شَيْءٍ ( فِي اَلْمَسِيحِ ) ، وَتَصْبِرَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ . ( وَأَخِيرًا ) اَلْمَحَبَّةَ لَا تَسْقُطُ أَبَدًا ( عَنْ مُسْتَوَى اَلصَّلِيبِ ) » ( 1 كُو 4 : 13 – 8 ) 6 – اَلْمُسَامَحَةُ وَالْغُفْرَانُ يَفْتَحُان أَمَامَنَا أَبْوَابُ اَلتَّوْبَةِ وَالْمُسَامَحَةِ وَالْغُفْرَانِ وَالطَّرِيقِ اَلَّذِي يُؤَدِّي إِلَى هَذَا اَلْبَابِ هُوَ اَلتَّوَاضُعُ لِأَنَّ مَعَهُ سَتَتِمُّ أَعْمَالُ اَلْمَحَبَّةِ ، فِي اَلْغُفْرَانِ نَتَبَادَلُ مَعًا قُبْلَةَ اَلسَّلَامِ وَالْمُصَالَحَةِ مَعَ اَللَّهِ وَمِنْ اَلْقَرِيبِ . نَحْنُ لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَهَبَ اَلْغُفْرَانُ لِلْقَرِيبِ مَا لَمْ نَسْتَمِدْهُ مِنْ اَللَّهِ وَكَيْ نَسْتَمِدُّهُ مِنْهُ عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَعِدَّ بِأَنَّ نَفْغَر بَعْضَنَا لِبَعْضِ ” اِغْفِرُوا بَعْضَكُمْ لِبَعْضِ فَيَغْفِر لَكُمْ أَبُوكُمْ اَلسَّمَاوِيُّ زَلَّاتِكُمْ ” . لَيْسَ اَلصَّوْمُ زَمَنًا لِتَعْذِيبِ اَلْجَسَدِ أَوْ لِمُعَاقَبَةِ اَلذَّاتِ أَوْ لِإِيفَاءِ دُيُونٍ لِلَّهِ . اَلصَّوْمُ هُوَ زَمَنٌ يَسُودُهُ اَلشُّعُورُ بِالْمَحَبَّةِ اَلْأَخَوِيَّةِ وَالشُّعُورِ بِمَحَبَّةِ اَللَّهِ وَالدُّخُولِ فِي غَمْرَةِ أَنْوَارِهِ اَلسَّمَاوِيَّةِ اَلصَّوْمَ هُوَ اَلْفَتْرَةُ اَلَّتِي تَمْلَؤُنَا فِيهَا اَلنِّعْمَةُ اَلسَّمَاوِيَّةُ مِنْ اِنْسِكَابهَا فِي قُلُوبِنَا وَحَضْرَتِهَا فِي حَيَاتِنَا ” فَنَسْهُ و عَنْ أَكْلِ خُبْزِنَا ” . اَلصَّوْمُ هُوَ اَلْفَتْرَةُ اَلَّتِي لَا نَحْيَا فِيهَا مُتَصَارِعَيْنِ مِنْ أَجْلٍ ” لِقِمَّةِ ” خُبْزٍ ، بَلْ هُوَ اَلْفَتْرَةُ اَلَّتِي يُصْبِحُ فِيهَا خُبْزَنَا اَلْجَوْهَرِيَّ طَعَامُ اَلْمَلَائِكَةِ ، أَيْ اَلتَّسْبِيحِ ، وَإِطْعَامَ اَلْأُخُوَّةِ أَيْ اَلْمَحَبَّةِ . 7 – اَلْمَحَبَّةُ اَلْأَخَوِيَّةُ وَالْأُخُوَّةُ اَلْمُشْتَرَكَةُ : اَلْمَحَبَّةُ هِيَ هِبَة اَللَّهْ لِلْإِنْسَانِ وَهِيَ سِرٌّ فِي دَاخِلِ اَلْإِنْسَانِ مِنْ خِلَالِهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ حُبِّ اَلْآخَرِ . أَعْطَانَا يَسُوعْ نَهْجُ اَلْمَحَبَّةِ اَلْحَقِيقِيَّةِ بِمَثَلِ حَيَاتِهِ وَدَعْوَتِهِ لَنَا لِحُبِّ اَلْقَرِيبِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ حُبُّ اَلْعَدُوِّ . جَوْهَرُ حَيَاةِ يَسُوعْ اَلْمَحَبَّةِ وَقَدْ تَمَرْكَزَ تَعْلِيمُهُ حَوْلَ وَصِيَّةِ اَلْمَحَبَّةِ ” وَصِيَّتِي هِيَ أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا ” مِنْ لَا يُحِبُّ أَخَاهُ يَبْقَى فِي اَلْمَوْتِ ” عَلَيْكَ أَنْ تُحِبَّ اَلْآخَرُ مُهِمًّا فِعْل ، لِأَنَّ اَلْمَحَبَّةَ هِيَ اَلْعَلَّامَةُ اَلْوَحِيدَةُ اَلَّتِي تَمَيَّزَ أَوْلَادُ اَللَّهِ ” ( أُغُسْطِينُوسْ ) . فَصَارَتْ اَلْمَحَبَّةُ اَلْأَخَوِيَّةُ مِقْيَاسًا لِشَكْلِ عِبَادَتِنَا وَعَنْ ذَلِكَ تَحَدَّثَ يَسُوعْ عَنْ أَسَاسِيَّاتِ اَلْعِبَادَةِ وَهِيَ اَلصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ ( اِرْتِبَاطٌ رُوحِيٌّ بِاَللَّهِ ) وَالصَّدَقَةِ ( اِرْتِبَاطٌ مَلْمُوسٌ بِالْقَرِيبِ ) ، فِي تَعْبِيرِهَا اَلظَّاهِرِيِّ أَيَّ مُشَارَكَةِ اَلْآخَرِ وَالشُّعُورِ بِهِ لَيْسَ فَقَطْ بِالْمَالِ إِنَّمَا بِصِدْقِ اَلْمَشَاعِرِ فِي كُلِّ ظُرُوفِ حَيَاتِهِ لِذَا فَالْمَحَبَّةُ هِيَ أَيْضًا مِعْيَارَ دِينُونْتَنَا أَمَامَ اَللَّهِ وَكَيْفَ تَعَامَلْنَا مَعَ اَلْقَرِيبِ ” كُلَّ مَا فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هَؤُلَاءِ اَلْأَصَاغِرَ فَبِي فَعَلْتُمُوهُ يَجِب أَنْ نَعْرِفَ أَنَّ مَحَبَّةَ اَلْمَسِيحِ لِلْبَشَرِ هِيَ اَلَّتِي جَعَلَتْنَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُحِبَّ اَلْبَشَرُ وَهَذِهِ اَلْمَحَبَّةُ ظَهَرَتْ فِي عَمَلِ اَلْمَسِيحِ اَلْفِدَائِيِّ مِنْ خِلَالِ اَلصَّلِيبِ وَالْقِيَامَةِ . عَلَامَات اَلْمَحَبَّةِ اَلْأَخَوِيَّةِ : 1 – اَلْعَمَلُ اَلتَّطَوُّعِيُّ : يَقُومَ هَذَا اَلْعَمَلِ فِي اَلْخِدْمَةِ اَلتَّطَوُّعِيَّةِ لِلْمُتَأَلِّمِينَ وَالْمُحْتَاجِينَ مِنْ اَلْفُقَرَاءِ وَالْأَيْتَامِ وَالَارْمَالْ ” أَحَدَ إِخْوَتِي اَلصِّغَارِ ” . كَذَلِكَ فِي خِدْمَةِ بَيْتِ اَللَّهِ وَالسَّهَرِ اَلدَّؤُوبِ عَلَى اِحْتِيَاجَاتِ اَلْبَيْتِ مِنْ تَرْتِيبٍ وَتَنْسِيقٍ . 2 – الْمِثْلِ اَلصَّالِح : ” يَرَوْا أَعْمَالُكُمْ اَلصَّالِحَةُ فَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمْ اَلَّذِي فِي اَلسَّمَوَاتِ ” عِنْدَمَا تَقَدَّمَ عَمَلاً مَا لِأَيِّ شَخْصٍ يَجِبُ أَنْ يَأْتِيَ نَابِعًا عَنْ مَحَبَّةٍ تَجْعَلُ اَلْآخَرُ مُعْجَبًا بِمَثَلِكَ لِيَقْتَدِيَ بِكَ فَتَكُون جَذْبَتُهُ إِلَى اَلْأَبِ اَلسَّمَاوِيِّ . 3 – اَللُّطْفْ وَطُولُ اَلْأَنَاةِ : كَلِمَاتٌ مِنْ صَمِيمِ أُنْشُودَةِ اَلْمَحَبَّةِ لِبُولُسْ اَلرَّسُولِ ، بِاللُّطْفِ وَالْأَنَاةِ يُمْكِنُنَا تَحَمُّلُ اَلصَّلِيبِ وَالْمُضَايَقَاتِ ، وَاحْتِمَالَ اَلْأَشْخَاصِ كَمَا هُمْ لِأَنَّ فِي اَلِاحْتِمَالِ نَعِمَ وَبَرَكَاتْ لَا تُحْصَى وَلَا تَعُدْ . ” مُحْتَمَلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي اَلْمَحَبَّةِ ” . 4 – اَلْوَدَاعَةُ وَالْبَشَاشَةُ : هُمَا سَبِيلُ اَلْفَرَحِ وَالْبَهْجَةِ فِي نُفُوسِ اَلنَّاسِ وَقَدْ خَاطَبَنَا يَسُوعْ بِقَوْلِهِ أَرَاكُمْ فَتَفْرَحُونَ وَدَعَانَا بُولُسْ اَلرَّسُولْ إِلَى أَنْ نَفْرَحَ فِي اَلرَّبِّ كُلَّ حِينِ فَيَسُوع لَنَا هُوَ رُوحُ اَلْوَدَاعَةِ وَالْفَرَحِ وَالْبَشَاشَةِ يَقُولُ ذَهَبِيٌّ اَلْفَمِ ” لَا تَنْتَظِرُ أَنْ يَحْبُكَ اَلْآخَرُ بَلْ اِقْفِزْ بِمَحَبَّتِكَ نَحْوَ اَلْآخَرِ ” . فِي اَلْخِتَامِ نَقُولُ : عَلَيْنَا اَلتَّنَبُّهُ مِنْ اَلْحَسَدِ وَالْفِتَنِ وَالْمُخَاصِمَاتِ فَكَثِيرُونَ هُمْ اَلَّذِينَ خَانُوا عَهْدُ اَلْأَمَانَةِ مَعَ اَلرَّبِّ بِرَفْضِهِمْ اَلْمَحَبَّةَ اَلْأَخَوِيَّةَ . يَقُولَ مَارْ أَفْرَامْ ” اَلْحَسَدِ يُوَلِّدُ اَلتَّذَمُّرُ “ . عَلَيْنَا أَنْ نَحْفَظَ قُلُوبُنَا لِلْمَزِيدِ مِنْ اَلْحُبِّ وَالْعَطَاءِ وَالتَّفَانِي وَفِي قَلْبِ هَذَا اَلْفِعْلِ اَلْمَزِيدَ مِنْ اَلنِّعَمِ ، وَالْقُوَّةُ وَالْمَقْدِرَةُ عَلَى اَلِانْتِصَارِ وَالْهُرُوبِ مِنْ اَلْحَسَدِ وَالشَّرِّ وَالْأَشْرَارِ وَالْحِفْظُ مِنْ اَلْمَهَانَةِ لِلْمَهَابَةِ وَالْخُرُوج مِنْ اَلْهَوَانِ لِلْمَجْدِ وَمِنْ اَلْفَرَاغِ إِلَى اَلْمَلَأِ وَمِنْ اَلْحِقْدِ إِلَى اَلْحُبِّ وَالْمَوَدَّةِ فَالصَّوْمُ وَالزُّهْدُ وَالْمَحَبَّةُ اَلْأَخَوِيَّةُ هِيَ اَلدَّوَاءُ اَلشَّافِي لِأَمْرَاضِ اَلنَّفْسِ وَالْجَسَدِ كَافَّةً . لِنَحْفَظْ قُلُوبَنَا وَنُنَظَّفَهَا وَنَطْلُبُ مِنْ يَسُوعْ أَنْ يُقَدِّسَ أَجْسَادَنَا وَيُطَهِّرُ نُفُوسَنَا كَيْ نَحْظَى بِالنَّصِيبِ اَلصَّالِحِ لِمَحَبَّةِ كُبْرَى فَعَّالَةٍ وَكَيْ نَعْمَلَ كُلُّ عَمَلِ صَالِحٍ يُرْضِي مَشِيئَتَهُ وَلْتَبْقَ فِي قُلُوبِنَا عَلَى اَلدَّوَامِ اَلْمَحَبَّةِ وَالسَّلَامِ . صَلَاةُ اَلْقِسْمَةِ لِلصَّوْمِ اَلْأَرْبَعِينِيِّ حَسَبَ اَلطَّقْسِ اَلْقِبْطِيِّ : أَيُّهَا اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ اَلْإِلَهُ ضَابِطَ اَلْكُلِّ اَلَّذِي أَرْسَلَ اِبْنُهُ اَلْوَحِيدُ إِلَى اَلْعَالَمِ ، عِلْمُنَا اَلنَّامُوسُ وَالْوَصَايَا اَلْمَكْتُوبَةُ فِي اَلْإِنْجِيلِ اَلْمُقَدَّسِ ، وَعَلِمْنَا أَنَّ اَلصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ هُمَا اَللَّذَانِ يَخْرُجَانِ اَلشَّيَاطِينُ إِذْ قَالَ إِنَّ هَذَا اَلْجِنْسِ لَا يَخْرُجُ بِشَيْءٍ إِلَّا بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ . اَلصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ هُمَا اَللَّذَانِ رَفَعَا إِيلِيَا إِلَى اَلسَّمَاءِ وَخَلَصَا دَانْيَالْ مِنْ جُبْ اَلْأَسْوَدِ اَلصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ هُمَا اَللَّذَانِ عَمِلَ بِهُمَا مُوسَى حَتَّى أَخْذِ اَلنَّامُوسِ وَالْوَصَايَا اَلْمَكْتُوبَةِ بِإِصْبَعِ اَللَّهِ . اَلصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ هُمَا اَللَّذَانِ عَمِلَ بِهُمَا أَهْلُ نِينَوِي فَرَحِمَهُمْ اَللَّهُ وَغَفَرَ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ وَرَفْعِ غَضَبِهِ عَنْهُمْ اَلصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ هُمَا اَللَّذَانِ عَمِلَ بِهُمَا اَلْأَنْبِيَاءُ وَتَنَبَّؤُوا مِنْ أَجْلِ مَجِيءِ اَلْمَسِيحِ قَبْلَ مَجِيئِهِ بِأَجْيَالِ كَثِيرَةٍ اَلصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ هُمَا اَللَّذَانِ عَمِلَ بِهُمَا اَلرُّسُلُ وَبَشَّرُوا فِي جَمِيعِ اَلْأُمَمِ وَصَيَّرُوهُمْ مَسِيحِيِّينَ ، وَعُمِّدُوهُمْ بِاسْمِ اَلْأَبِ وَالِابْنُ وَالرُّوحِ اَلْقُدْسَ اَلصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ هُمَا اَللَّذَانِ عَمِلَ بِهُمَا اَلشُّهَدَاءُ حَتَّى سَفَكُوا دِمَائِهِمْ مِنْ أَجْلِ اِسْمِ اَلْمَسِيحِ اَلَّذِي اِعْتَرَفَ اَلِاعْتِرَافُ اَلْحَسَنْ أَمَام بِيلَاطِسْ اَلْبُنْطِي اَلصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ هُمَا اَللَّذَانِ عَمِلَ بِهُمَا اَلْأَبْرَارُ وَالصِّدِّيقُونَ وَلِبَاسُ اَلصَّلِيبِ وَسَكَنُوا فِي اَلْجِبَالِ وَالْبَرَارِي وَشُقُوقِ اَلْأَرْضِ مِنْ أَجْلِ عِظَمِ مَحَبَّتِهِمْ فِي اَلْمَلِكِ اَلْمَسِيحِ وَنَحْنُ أَيْضًا فَلْنَصُمْ عَنْ كُلِّ سِرٍّ بِطَهَارَةٍ وَبَرٍّ ، وَنَتَقَدَّمُ إِلَى هَذِهِ اَلذَّبِيحَةِ اَلْمُقَدَّسَةِ وَنَتَنَاوَلُ مِنْهَا بِشُكْرٍ لِكَيْ بِقَلْبٍ طَاهِرٍ ، وَنَفْس مُسْتَنِيرَةٍ وَوَجَّهَ غَيْرُ مُخْزِي وَإِيمَانِ بِلَا رِيَاءِ وَمَحَبَّةِ كَامِلَةٍ وَرَجَاءِ ثَابِتٍ نَجْسُرُ بَدَّالَةُ بِغَيْرِ خَوْفِ أَنْ نَدْعُوكُ يَا اَللَّهُ اَلْأَبُ اَلْقُدُّوسُ اَلَّذِي فِي اَلسَّمَوَاتِ .