إرث البابا بندكتس السادس عشر كمعلم وشاهد للإيمان، هذا هو محور مقال للأب اليسوعي فيديريكو لومباردي في الذكرى الأولى لوفاة يوزيف راتزنغر.
في صباح آخر أيام سنة ٢٠٢٢ توفي البابا بندكتس السادس عشر، ومع مرور الذكرى الأولى لوفاته كتب الأب فيديريكو لومباردي رئيس مؤسسة راتزنغر مقالا تحدث فيه عن شخصية هذا البابا وفي المقام الأول عما خلّف من إرث. وتساءل في بداية مقاله إن كان بندكتس السادس عشر شخصية تُصنَّف في المقام الأول من بين معلمي الماضي أم هو شخصية تستمر وتسائلنا اليوم في هذا الزمن المأساوي. وتابع الأب اليسوعي مؤكدا أنه ما من شك في كون يوزيف راتزنغر معلم إيمان، وذكَّر بأعمال هامة لهذا البابا مثل الثلاثية حول يسوع الناصري أو التقديم للمسيحية مضيفا أن اللاهوتيين سيمكنهم لفترة طويلة التنقيب في أعماله مستنبطين منها لتأملاتهم ودراساتهم الأفكار والتوجيهات.
وإلى جانب كونه معلما للإيمان هو شاهد للعيش في الإيمان، وللإيمان المسيحي في الحياة الأرضية، تابع الأب لومباردي مؤكدا أن هذا أمر واضح لمن أصغى إلى عظات البابا بندكتس السادس عشر وتعليمه الروحي، وأيضا لمن تَمَكن من معرفته عن قرب ومتابعة مسيرته الداخلية حتى اللقاء مع الله.
وتابع رئيس المؤسسة مشيرا إلى رغبته في التشديد على أن يوزيف راتزنغر يواصل كونه رفيقا ثمينا لمن يعيش، بمشاركة وشغف، قضايا الحياة وتاريخ البشرية على الأرض وكل ما يتضن هذا من تساؤلات مأساوية. وواصل الأب لومباردي متحدثا عما وصفه بسير خارج عن الرقابة لعالمنا من وجهات نظر عديدة، وأشار هنا إلى الأزمة الإيكولوجية والمخاطر المتواصلة والتطورات المأساوية لاستخدام التقنيات والاتصالات والذكاء الاصطناعي، هذا إلى جانب المطالبة بحقوق تتناقض فيما بينها والخلل في التعايش الدولي حيث هناك انتشار متواصل للحروب وما يحمل هذا من تهديدات. وذكَّر الأب اليسوعي في هذا السياق بما ذكر أحد الفائزين بجائزة راتزنغر في ٣٠ تشرين الثاني نوفمبر الماضي حين أوضح أن بندكتس السادس عشر قد واجه بعمق أسباب أزمة زمننا واقترح على الثقافة المعاصرة لا رفض المفاهيم الحديثة، بل إعادة صياغة آفاقها من خلال توفير فسحة للمنطق الأخلاقي وعقلانية الإيمان. وتابع رئيس المؤسسة أن يوزيف راتزنغر وأمام إخفاقات المنطق البشري لم ينطلق من إنكار هذا المنطق أو تحديده بل من توسيعه ودعوته إلى أن يحاول، بشجاعة، أن يفهم لا فقط كيف يعمل العالم ولكن أيضا لماذا هو موجود وما هو مكان الإنسان في الكون وما هو معنى كينونته.
وواصل الأب فيديركو لومباردي أن وجهة النظر هذه، والتي هي اقتراح حوار مع الثقافة المعاصرة، قد قوبلت غالبا ببرود بل ورُفضت في بعض الأحيان. وتابع الأب اليسوعي معربا عن قناعته بأن يوزيف راتزنغر لم يكن من السذاجة للاعتقاد أن انفتاحه هذا على الحوار سيلقى استجابة إيجابية سريعة، بل لقد كان اقتراح بندكتس السادس عشر بعيد النظر، اقتراح تستمر صلاحيته ويشكل للمستقبل أيضا طريقا رئيسيا للحوار بين العلم والإيمان وبشكل عام بين الثقافة الحديثة والإيمان، وذلك على أساس ثقة عميقة في المنطق البشري. وأضاف الأب لومباردي أنه يرى في دعوة البابا بندكتس السادس عشر الطريق الرئيسي من أجل التزام مسيحي في العالم المعاصر، الاتزام لا يمكنه التهرب من التأمل في أسباب المشاكل والبحث عن توافق قوامه الحقيقة لا اتفاق هزيل يقوم على المصالح والمنافع.
ومن بين ما أشار إليه الأب فيديريكو لومباردي في حديثه عن رؤية البابا بندكتس السادس عشر أن هذه الرؤية تصل في النداء من أجل توسيع المنطق البشري إلى فهم منطق المحبة الذي يتم التعبير عنه بمفهوم المجانية ويترجَم في الأخوّة والتضامن المصالحة، وأضاف رئيس المؤسسة أن الحقيقة والمحبة تبرزان بأكثر الأشكال كمالا في تجسد كلمة الله. ثم ختم رئيس المؤسسة مشيرا إلى ما نجد من تواصل بين حبريتي البابوين بندكتس السادس عشر وفرنسيس، وهو ما نلمسه فيما اصدر كلاهما من وثائق هامة.