مداخلة لرئيس الأساقفة كاتشا حول آثار الإشعاع النووي في عالم اليوم

ألقى رئيس الأساقفة غابرييلي كاتشا، المراقب الدائم للكرسي الرسولي لدى الأمم المتحدة، كلمة أمام اللجنة الرابعة للجمعية العامة الثمانين للأمم المتحدة حول موضوع آثار الإشعاع الذري يوم الأربعاء، متوقفاً عند المخاطر الناجمة عن الصراعات المسلحة الدائرة في مناطق توجد فيها منشآت نووية.
استهل سيادته كلمته بالتعبير عن تقديره العميق للجنة العلمية التابعة للأمم المتحدة المعنية بآثار الإشعاع الذري، مشيدا بالدور الذي تلعبه من أجل تعزيز الفهم العلمي للإشعاع المؤيَّن وآثاره على صحة الإنسان والبيئة. وأكد أن الأبحاث الدقيقة والشفافة التي تقوم بها اللجنة وفرت للمجتمع الدولي قاعدة علمية ضرورية لاتخاذ قرارات تخدم الخير العام وتحفظ كرامة الإنسان.
هذا ثم أشار رئيس الأساقفة إلى أن تقرير اللجنة لعام ٢٠٢٤ يبيّن أن التعرض الطبي يمثل قرابة ثمانين بالمائة من إجمالي التعرض العالمي للمصادر الصناعية للإشعاع المؤيّن. ومع إقراره بأهمية التقنيات الطبية في التشخيص والعلاج، شدد كاتشا على ضرورة استخدامها بمسؤولية وبأعلى درجات الحذر لتقليل المخاطر المحتملة على المرضى والعاملين في القطاع الصحي، كما حذر من الآثار طويلة الأمد للتلوث البيئي الناتج عن تجارب الأسلحة النووية والحوادث النووية وسوء إدارة النفايات النووية، مشيرا إلى أن هذه الأضرار تمس بشكل غير متناسب الفئات الضعيفة، مثل النساء والأطفال والشعوب الأصلية والفقراء والمهمشين.
بعدها رحب الدبلوماسي الفاتيكاني بالأبحاث الحديثة التي تجريها اللجنة حول تأثير الإشعاع في الأنظمة الحيوية الأساسية، مثل الجهازين الدوري والعصبي، وكذلك الجهاز المناعي، كما أشاد بدراساتها المتعلقة بظهور السرطانات الثانوية بعد العلاج الإشعاعي، مؤكدا أن هذه النتائج تُبرز تعقيد آثار الإشعاع والحاجة إلى تعاون علمي متواصل لتقليل المخاطر وضمان أن تكون التدخلات الطبية أكثر فائدة وأقل ضررا.
تابع رئيس الأساقفة كاتشا كلمته معرباً عن قلق الكرسي الرسولي البالغ إزاء المخاطر التي تشكلها المنشآت النووية في مناطق النزاع، مستشهدا بمحطة زابوروجيا للطاقة النووية في أوكرانيا كمثال مقلق. وحذر من أن النزاعات الجارية حولها تظهر مدى الخطر الكبير عندما تصبح المنشآت النووية المدنية جزءا من الصراع. وأكد مجددا تحذيرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن أي تسرب إشعاعي قد يؤدي إلى عواقب إنسانية وبيئية كارثية تمتد إلى خارج حدود أوكرانيا.
في سياق آخر دعا مراقب الكرسي الرسولي جميع الدول إلى تعزيز الأطر القانونية الدولية التي تهدف إلى تقليل مخاطر الحوادث النووية والتعرض للإشعاع. وحث الدول الحائزة للأسلحة النووية على الوفاء بالتزاماتها بموجب المادة السادسة من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، مطالباً أيضا بالتصديق الشامل والتنفيذ الكامل لكل من معاهدة عدم الانتشار النووي ومعاهدة حظر الأسلحة النووية، ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. وأكد سيادته أن هذه المعاهدات تعبّر عن قناعة مشتركة بأن السلام والأمن لا يمكن أن يُبنيا على تهديد الدمار الشامل، بل على نزع السلاح، والشفافية، والتعاون الدولي، واحترام الكرامة الإنسانية.
في الختام، شدد رئيس الأساقفة كاتشا على أن معالجة آثار الإشعاع الذري ليست قضية علمية أو تقنية فحسب، بل هي واجب أخلاقي وإنساني، وقال إن حماية البشر من أضرار الإشعاع، وتقديم المساعدة للضحايا، ورعاية البيئة المتضررة هي مسؤوليات أخلاقية تقع على عاتق المجتمع الدولي بأسره، داعيا إلى تكثيف الجهود العالمية للوقاية من آثار الإشعاع والتخفيف منها، حفاظا على سلامة أجيال اليوم والمستقبل.