سوريا، المونسنيور مراد: *المسيحيون والمسلمون ركنٌ أساسيٌ لتحقيق السلام*

أعرب رئيس أساقفة حمص للسريان الكاثوليك، المونسنيور جاك مراد، عن سعادته وسعادة شعبه بالتكريم الذي منحته إيّاه مؤسسة يوحنا بولس الثاني الفاتيكانية، قائلاً: “هذا الأمر يزيدني مسؤوليةً تجاه الرسالة التي أوكلتها إليّ الكنيسة”، فالتعاون والحوار هما ركنان أساسيّان لإعادة إعمار الأمّة.
وعلّق المونسنيور جاك مراد: “عندما سمع شعبي في سوريا أنني مُنِحتُ هذه الجائزة، شعروا بفرح لا يوصف، فقد فهم الجميع أن الكنيسة الجامعة تبقى قريبة دائمًا”، ثم توقّف للحظة وارتسمت على وجهه ابتسامة آسرة. وتكفي عيناه البرّاقتان بشكل غير عادي لترجمة تأثّره، أكثر من ألف كلمة، بهذا التكريم الذي قدمته له رسميًا مؤسسة يوحنا بولس الثاني الفاتيكانية، بالدافع الذي خفق له قلبه، “فيه تم التعرّف على شهادة غير عادية في الإيمان والمحبة المسيحية، والتزامٌ لا يكل بالحوار بين الأديان وببناء سلام”، لأنه ليس فقط رئيس أساقفة حمص للسريان الكاثوليك هو هذا الراهب الذي يستلهم من روحانية دير مار موسى ومن الأب باولو دالوليو الذي اختُطِفَ واختفى في سوريا منذ أكثر من اثني عشر عاماً، وإنما هو أيضًا الرجل الذي مارس الجهاديون عليه في عام 2015 تعذيبًا لا يوصف على أمل جعله يتخلى عن إيمانه، والذي تم إنقاذه أيضًا بفضل تدخّل بعض المسلمين الذين ساهموا في تحريره.
ولهذا السبب، وبالنسبة للمونسنيور مراد، لن تُترك هذه الجائزة على المكتب لتجمع الغبار لأنها تمثل شيئًا له علاقة عميقة ببلاده التي ابتلعتها دوامة التغيرات السياسية والاجتماعية بعد سقوط نظام بشار الأسد. وأضاف المونسنيور مراد، “أشعر الآن بمسؤولية أكبر تجاه المهمّة التي أُوكِلَت إليّ، وخاصة في هذا الوقت الذي لا يزال شعبنا يعاني فيه من اللعبة السياسية التي، قطعاً، لا تزال تثير الانقسام”.
وللتوضيح بشكل أفضل، كشف المونسنيور مراد لوسائل إعلام الفاتيكان أن التوازن السياسي أصبح حساسًا للغاية ومحفوفاً بالمخاطر، موضّحاً، “أن مواقف الجماعات المختلفة متفاوتة ومتناقضة، وهذا لا يسمح لنا بسلوك طريق الحوار لبناء فرص السلام”. ولكن تتوافق هذه الصعوبة التي يبدو حلّها مستعصياً، مع التزامٍ كامل في التوجّه في الاتجاه المعاكس، فالهدف، كما أضاف المونسنيور، ليس هدفه الشخصي فقط، بل هو أيضًا هدف الجماعة المسيحية السورية بأكملها قائلاً، “هدفنا هو الإصرار على السعي إلى المواجهة، واليوم هو وقت المبادرات: إذا لم نشهد على مسؤوليتنا الإنسانية والسياسية والاجتماعية، فلن نتمكن من بناء الجسور”.
منذ اللحظة التي بدأ فيها التغيير، وتولّت الحكومة المؤقتة الجديدة للرئيس أحمد الشرع مهامها، أصبح المونسنيور مراد أكثر اقتناعاً بأن دور المسيحيين لا يمكن أن يكون خافتاً على الإطلاق، بل يجب أن يتحوّل إلى خميرة فعالة للأمّة والكنيسة وللمسلمين أنفسهم. وأضاف المونسنيور مراد، ” لقد قمنا بتنظيم لقاءات تنشئة في حلب ودمشق وحمص حول السياسة والتعليم الاجتماعي للكنيسة لإعداد مؤمنينا للحوار والمناقشة. لكن كل شيء شديد الصعوبة أمام انغلاق الحكومة وبعض الجماعات الإسلامية أيضاً، وهذه تباعدٌ يصعب التغلّب عليه”.
ولكن المونسنيور مراد يعلم جيداً بأن دور الأديان ضروري لتحقيق السلام، إلى درجة تجعله يذهب إلى حد القول بأن الشعب السوري مكوّن من رجال ونساء الإيمان يعتبرون أن اللّغة الدينية هي أمرٌ أساسيّ لعيش الحياة اليومية، ولذلك يقول: “يجب على القادة المسيحيين والمسلمين أن يكتسبوا الوعي بأنهم علامة رجاء حقيقية، وربما هي علامة الرجاء الوحيدة لجميع شعبنا”.