التعدديّة في سوريا تحت المجهر… تحطيم التماثيل «جرس إنذار» حضاريّ

تتواصل مؤشّرات السعي إلى ترسيخ تدريجي وغير معلن للدولة الدينية في سوريا الجديدة. وقد شهدت مدينة حلب أحدث تجليات هذا التوجه، بعد تحطيم التمثال الوحيد في ساحة سعد الله الجابري الشهيرة ما أثار موجة غضب بين السوريين.
انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع مصوّر يُظهر سحب التمثال من أعلاه بالآلية الثقيلة، ما أدى إلى تحطمه. ورغم تأكيد الجهات الرسمية أنّ الإجراء يهدف إلى نقل التمثال، شكّك كثيرون في مصداقية ذلك، وربطوا ما حصل بدوافع دينية. واللافت أنّ معظم الانتقادات المتعلقة بتحطيم التمثال لم تصدر من المسيحيين فحسب، بل من المسلمين أنفسهم، خصوصًا في المدن الكبرى التي عُرفت تاريخيًّا بتنوعها العرقي والمذهبي والثقافي.
يجسد التمثال شهداء سوريا في خلال مقاومة الاستعمار الفرنسي، وهو من أعمال النحّات عبد الرحمن موَقّت الذي أنجزه عام 1986. وبرزت سابقًا محاولات لإزالته مع بدء مشروع تجميل الساحة، لكنّ الضغوط الشعبية حالت دون ذلك.
ويرى التيار الإسلامي المعتدل أنّ المُحرّم من التماثيل هي «الأصنام» التي كانت تعبّر عن تعدّد الآلهة وتقارِع التوحيد في زمن رسول الإسلام محمد. ويُحرِّم هذا التيار أيضًا التصاوير البشرية أو الحيوانية داخل المساجد حصرًا. أما التيار المتشدد فيعتبر أنّ التماثيل كلّها، في كل زمان ومكان، محرّمة ويجب التخلص منها.
استهداف الرموز المسيحيّة أيضًا
منذ بداية العام، توالت الحوادث التي استهدفت تماثيل ومجسمات ذات طابع تاريخي أو ثقافي أو ديني. ففي مدينة معرة النعمان، دمّر مجهولون ضريح الشاعر الفيلسوف أبو العلاء المعري. وفي حلب، طالت الاعتداءات تماثيل شعراء كبار مثل خليل الهنداوي، وأبو فراس الحمداني وزهير بن أبي سلمى. وحتى المناهج الدراسية لم تسلم، إذ صدرت توجيهات من وزارة التربية تقضي بإزالة صور التماثيل والمنحوتات الأثرية من الكتب، منها كرسي أنطاكيا الرسولي التاريخي (الحجري) الموجود في كنيسة القديس بطرس-أنطاكيا.
وشمل الاستهداف أيضًا رموزًا مسيحية. ففي مارس/آذار، أبلغ مصدر كنسي «آسي مينا» باختفاء تمثال القديس شربل من داخل مزار في بلدة معلولا. وفي مايو/أيار، اقتحم مجهولون باحة كنيسة يوحنا الدمشقي للروم الملكيين الكاثوليك في درعا، وحطموا تمثال العذراء مريم. في المقابل، ظلت التماثيل الضخمة للسيد المسيح والعذراء المنتشرة في قرى وادي النصارى وبلداته سالمة.