سويف مستقبلا ذخائر الطّوباويّ كارلو أكوتيس في زغرتا: دعوة لنعود إلى نفوسنا حتّى نعيش النقاء والمحبّة والسلام

استقبلت رعيّة مار يوحنّا المعمدان، في بلدة علما في قضاء زغرتا، ذخائر الطّوباويّ كارلو أكوتيس، بحضور رئيس أساقفة أبرشيّة طرابلس المارونيّة المطران يوسف سويف، وكاهن الرعيّة الخوري يوسف المختفي، ولفيف من الكهنة وأبناء الرعيّة المؤمنين، وترأس المطران سويف قداساً في المناسبة في كنيسة مار يوحنا المعمدان في البلدة عاونه إلى خادم الرعية الخوري المختفي لفيف من كهنة الابرشية.
المطران سويف
وبعد تلاوة الإنجيل المقدّس، ألقى المطران سويف عظة قال فيها: “نحن نشكر الربّ، على نعمته، على نعمة حضوره معنا، هو المسيح، هو يسوع المسيح ابن الله الحيّ، هو يسوع المسيح القائم من بين الأموات، هو يسوع المسيح الذي دُعِيَ كلّ إنسان منّا حتّى يتعرّف عليه ويلتقيَ به، خصوصًا بعد أن نلنا كلّنا نعمة المعموديّة، يعني نعمة لقائنا بيسوع، نعمة اشتراكنا بموته وبحياته، نعمة الانتماء إلى جسده؛ هذه هي المعموديّة، نعمة حتّى بعد معموديّتنا ونموّنا بالحياة في المسيح، ننطلق إلى العالم ونُعلن أنّ المسيح قام من بين الأموات، ونُعلن ملكوت الربّ، ونعلن إنجيل المسيح. هذه هي رسالتنا، وهذه هي الطريق التي تقودنا حقيقةً إلى القداسة، لأنّ هدف المعموديّة هو أن نكون قدّيسين، كما قال لنا الربّ: كونوا قدّيسين، كونوا كاملين”.
اضاف: “لذلك، هذه الدعوة موجّهة إلى الجميع، هذه الدعوة موجّهة إلى كلّ الناس، وهنيئًا للإنسان الذي يعرف أن يدخل في جوهر دعوة الربّ وعمقها، كما حصل في حياة هذا الشابّ الذي اسمه كارلو أكوتيس، هذا الشابّ الإيطاليّ الذي كان طفلًا، ومن طفولته أعطاه الربّ هذه النعمة، وأعطاه نعمة الاختيار ونعمة التمييز، وكان يعيش في كنف عائلة: أب وأُمّ وإخوة. وفي الحقيقة لم يكونوا يصلّون كثيرًا، لا بل كانوا أحيانًا بعيدين عن الحياة الروحيّة، الحياة الكنسيّة، وبنعمة منه أراد الربّ لهذا الشابّ، الذي منحه هذه النعمة المميّزة منذ طفولته، أن يعيش فرح اللقاء بيسوع، ويُفتّش عن يسوع، ويسعى حقيقة إلى أن يتعرّف على وجه يسوع، ويتعرّف على عمق رسالة يسوع ويدخل إلى قلبه. إذًا يسوع أيضًا، وفي الوقت ذاته، دخل إلى قلب هذا الشابّ الذي بدأ من خلال حياته الروحيّة المميّزة، المبنيّة على الصلاة، المبنيّة على المسبحة، المبنيّة على القدّاس اليوميّ. تخيّلوا شابًّا صغيرًا كان يسعى، أينما ذهب أهله وتوجّهت عائلته، وحتّى خلال الفرص، كان يسعى لأن يُفتّش على أقرب كنيسة كي لا يُفوّت القدّاس اليوميّ. فما هذه العظمة؟ ما هذه النعمة؟ وما هي هذه المحبّة التي أعطاه إيّاها الربّ وملأت قلبه وكلّ كيانه؟ لذلك، أوّل رسالة قام بها وأوّل تأثير استعمله الربّ حتّى يؤثّر في المحيط، كان من؟ أباه وأُمّه، عائلته الصغيرة، وهذا بالنسبة إلينا له معنى كبير جدًّا. يا أحبّائي، نحن مدعوّون إلى أن نعيش حياتنا المسيحيّة، أي الحياة في المسيح أوّلًا، ليس في الأماكن البعيدة بل في قلب البيت وقلب العائلة، بأن نؤثّر على بعضنا البعض إيمانيًّا”.
وتابع: “مهمّ جدًّا أن نعيَ أنّه يجب، في قلب بيتنا الصغير، أن نؤثّر على بعضنا البعض إيمانيًّا ونكون حقيقةً في قلب البيت الكنيسة الصغيرة، المنزليّة، البيتيّة، العائليّة التي يفرح الربّ بأن يكون موجودًا فيها، يعني أنّ الربّ يرتاح بأن يدخل إليها، وحين يدخل الربّ إليها يجد قلوبًا بيضاء نقيّة طاهرة، بالرغم من كلّ الضعف البشريّ الذي يُغيّر أحيانًا المجرى، ويُغيّر مسار العائلة ويجعلها عائلة متلهّية بأمور كثيرة. كنّا نصلّي الآن في مسيرة حتّى نتهيّأ للقدّاس، ونتوقّف على بعض الكلمات التي يقولها هذا القديس الشابّ، يقول كارلو لنا كلّنا: لماذا يهتمّ البشر كثيرًا بجمال أجسادهم ولا يهتمّون بجمال نفوسهم؟ ما هذه الكلمة الجميلة؟”.
وقال سويف : “في الحقيقة جئنا اليوم، وفي هذا الوقت، كي نعيش هذه المحطّة الروحيّة التي تُهيّئنا من خلال تحضير الكنيسة لإعلان القداسة، ونحن نعرف تمامًا أنّ تاريخ الإعلان أُرجئ بسبب رحيل السعيد الذكر البابا فرنسيس. وها هم الكرادلة، ونحن علينا أن نرافقهم بصلاتنا، سيجتمعون بعد أيّام قليلة ويُصلّون ويستلهمون الروح القدس حتّى يدلّهم على الشخص الذي اختاره الربّ ودعاه ليكون ربّان هذه السفينة، بابا الكنيسة، راعيًا يشهد للمحبّة والإيمان. لذلك أُرجئ الاحتفال بالتقديس؛ لكن التقديس وُجد، لأنّ هذا الشابّ العظيم قد اتّحد بالله القدّوس، وهذه المسألة هي مسألة إعلان. ومن المؤكّد أنّ الاحتفالات الخارجيّة مهمّة جدًّا، لكن السؤال الذي نطرحه: لماذا نحن كلّنا، أحيانًا كثيرة، نهتمّ بأمور الجسد وبمنطق هذه الدنيا وبأخبار العالم، وننسى أن نهتمّ بنفوسنا؟”.
وأضاف سويف: “ليس بقليل، شابّ غادرنا بربيع العمر، كم كان عمر كارلو عندما فارق هذه الحياة؟ ستّ عشرة أو سبع عشرة سنة؟ ويقول لنا هذا الكلام الذي هو عمق الإنجيل، كما قال لنا الربّ يسوع: لا تهتمّوا بأمور الجسد، أنظروا زنابق الحقل وطيور السماء، إهتمّوا بملكوت الله، أُطلبوا ملكوت الله والباقي يُزاد لكم. لذلك، هذا الحجّ المقدّس الذي نعيشه في الأبرشيّة وفي رعيّتنا علما، هو الفرصة كي يعود كلّ إنسان إلى قلبه، إلى عمق أعماقه، ونعرف أنّ أجمل شيء في هذه الحياة أن نهتمّ بنفوسنا. ماذا تعني النفس؟ نفس الإنسان هي العلاقة مع الله، نفس الإنسان هي المكان الذي يجعل الإنسان يدخل بعلاقة حبّ مع أخيه الإنسان، فلا يسمح لأيّ شيء أو أيّ ظرف في هذه الحياة بأن يُشوّش على علاقته بأخيه الإنسان. لذلك، هذه دعوة لنا لنعود إلى نفوسنا، حتّى نعيش النقاء، حتّى نعيش المحبّة، حتّى نعيش المغفرة، حتّى نعيش السلام، وحتّى نعيش الأُخوّة الحقيقيّة؛ بهذه الطريقة نكون شعب الله الذي يشهد حقيقةً لملكوت الله في حياتنا”.
واردف: “أحبّائي، أتمنّى لكم قدّاسًا مباركًا ومشوارًا روحيًّا نعيشه ليس فقط في هذه الليلة، ولكن من بعد هذه الليلة. وأمامنا ذخائر الطوباويّ القدّيس كارلو أكوتيس، نطلب من الربّ أن يحمي شبيبتنا ويُباركها ويُبعدها عن كلّ ما يُسمّى شرًّا. كارلو أكوتيس كان يقول: أشكرك يا ربّ لأنّك أعطيتني النعمة ألّا أُضيّع الوقت بأمور تافهة، بأمور هذه الدنيا، وأعطيتني النعمة حتّى أكون معك بكلّ هذا العمر. وهذا العمر، بشريًّا، كان قصيرًا جدًّا، لكنّه كان مليئًا جدًّا، يعني هذا العمر القصير كان أبديّة من الصلاة، من الروحانيّة، من الحبّ، من الفرح، ومن العطاء. وأمر مهمّ جدًّا للشبيبة، أكيد أبونا يوسف ذكره وأنا أعود وأُشدّد عليه: كارلو أكوتيس لم يكن بعيدًا عن العالم، كان يستخدم وسائل التواصل، كان مميّزًا بالكومبيوتر، بالبرمجة، وكلّ هذا استخدمه حتّى يُظهر مجد الله، محبّة الله، إنجيل يسوع المسيح. لذلك نحن لسنا ضدّ التكنولوجيا، نحن مع التكنولوجيا، نحن مع التطوّر، ونريد من شبيبتنا أن تدخل في كلّ هذا العالم الحديث، ولكن ليس لهدم ذواتها ونفوسها بل لبناء الخير، لبناء السلام، لبناء المحبّة”.
وختم: “إن شاء الله يكون عيدًا مباركًا، وإن شاء الله تكون أمسية مثمرة وقدّاسًا نخرج منه بفرح، نخرج منه باستعدادات جديدة، نخرج منه بتوجّه أنّنا بمجتمعنا، بمنطقتنا، بضيعنا، وببيوتنا لن نسمح لأيّ نوع من الشّرّ أن يدخل. وحيث يكون شرّ، فبقوّة المسيح وبقوّة الصليب وبقوّة القيامة ننزع ونمحو كلّ هذه الشرور، حتّى نكون شعب الله الذي يحبّه الربّ، والربّ يفرح أن نكون جماعة واحدة كما نُعلن بإيماننا: ونؤمن بكنيسة واحدة جامعة مقدّسة ورسوليّة. هذا الإيمان الذي عاشه في قلبه هذا الشابّ العظيم، هذا الطوباويّ القديس، كان يسعى لأن يُحقّقه، وكان حقيقةً يشهد ليسوع المسيح الذي يُوحّدنا، ويُقدّسنا، ويُعطينا النعمة لنكون له شهودًا صادقين”.