الكاردينال أرتيمي: الصلاة من أجل الموتى هي شهادة إيمان بالحياة الأبدية

المكرّسون والمكرّسات يحيطون بذكرى البابا فرنسيس في اليوم الثامن من التساعية. الكاردينال أرتيمي: بحكم المعمودية والنذور، نحن مدعوّون لكي نشهد بأن الله وحده هو الذي يُضفي المعنى والملء على حياة الإنسان. ولهذا ينبغي أن تكون حياتنا علامة بليغة على حضور ملكوت الله وسط عالم اليوم
في أجواء من التأمل والصلاة، ترأس الكاردينال أنخيل فرنانديز أرتيمي، مساء السبت، القداس الإلهي في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان، في اليوم الثامن من تساعية القداسات عن راحة نفس البابا فرنسيس. وخلال العظة، دعا الكاردينال أرتيمي المؤمنين إلى التعمّق في الرجاء الفصحي، مذكّرًا بأن الصلاة من أجل الموتى ليست فقط عمل محبة، بل شهادة إيمان بالحياة الأبدية، وسلّط الضوء في هذا السياق على المكانة الخاصة التي كان يشغلها البابا فرنسيس في قلب شعب الله، لا سيما لدى المكرّسين والمكرّسات الذين أحاطوه بمحبتهم وصلواتهم طوال فترة خدمته.
قال الكاردينال أنخيل فرنانديز أرتيمي يعلّمنا القديس ألفونسو ماريا دي ليغوري أن الصلاة من أجل الموتى هي أعظم أعمال المحبة. فعندما نعين القريب ماديًا، نحن نتقاسم معه خيرات زائلة، أما حينما نصلّي من أجله، فنحن نقدّم له خيرات أبدية. وهكذا عاش القديس خوري آرس، شفيع الكهنة في العالم أجمع. إنَّ الصلاة من أجل الموتى هي تعبير عن المحبة للذين انتقلوا من هذه الحياة، وهذا ما نفعله الآن من أجل البابا فرنسيس، إذ نجتمع كشعب الله، مع الرعاة، ولاسيما هذه الليلة مع الحضور المميّز للراهبات والرهبان.
تابع الكاردينال أنخيل فرنانديز أرتيمي يقول لقد شعر البابا فرنسيس بمحبة شعب الله له، وكان يدرك أن المكرّسين والمكرّسات، على اختلاف انتماءاتهم، كانوا يحبّونه ويصلّون من أجل خدمته البابوية، ومن أجل شخصه، ومن أجل الكنيسة والعالم. وفي هذا الأحد الثالث من زمن القيامة، تدعونا الليتورجيا بأسرها إلى الابتهاج والفرح، لأن المسيح القائم من بين الأموات حاضر في وسطنا، والروح القدس يعمل فينا. يقول القديس أثناسيوس إن يسوع المسيح بقيامته قد جعل من حياة الإنسان عيدًا دائمًا. ولهذا لم يَخشَ الرسل، وفي مقدمتهم بطرس، لا السجن ولا التهديدات ولا الاضطهاد. بل أعلنوا بجرأة وشجاعة: “نَحنُ شُهودٌ على هذِه الأُمور. وكذلِكَ يَشهَدُ الرُّوحُ القُدُسُ الَّذي وهَبَه اللهُ لِمَن يُطيعُه”.
أضاف الكاردينال أنخيل فرنانديز أرتيمي يقول لقد تساءل البابا فرنسيس، في إحدى تعاليمه حول هذا النص الإنجيلي: “من أين استمد التلاميذ الأوائل قوّتهم على الشهادة؟ بل من أين كانت تأتيهم هذه الجرأة وهذا الفرح، على الرغم من جميع العقبات والعنف؟”. إنَّ الجواب واضح: لا شيء يفسّر هذا سوى حضور الرب القائم بينهم، وعمل الروح القدس فيهم. لقد كان إيمانهم مؤسّسًا على خبرة حيّة، شخصية، وقوية مع المسيح المصلوب والقائم، ما جعلهم لا يخافون أحدًا ولا شيئًا. واليوم، كما في الأمس، يحتاج رجال ونساء عصرنا إلى اللقاء الحيّ بالرب، وبرسالته المحرّرة للخلاص. لقد قال القديس يوحنا بولس الثاني، في يوبيل الحياة المكرّسة عام ٢٠٠٠، مخاطبًا المكرّسين والمكرّسات في العالم: “لقد اختبرت بنفسي قيمة حضوركم النبويّ من أجل شعب الله، وأعترف أيضًا في هذه المناسبة بالمثال السخي للتفاني الإنجيلي الذي قدّمه إخوتكم وأخواتكم الذين غالبًا ما يعملون في أوضاع صعبة، ويبذلون أنفسهم بلا تحفظ باسم المسيح في خدمة الفقراء والمهمّشين والأخيرين”.
تابع الكاردينال أنخيل فرنانديز أرتيمي يقول أيها الإخوة والأخوات، صحيح أننا، جميعًا، مدعوّون بحكم المعمودية لكي نكون شهودًا للرب يسوع، المصلوب والقائم من بين الأموات. لكننا نحن المكرّسين والمكرّسات، قد نلنا دعوة خاصة، هي دعوة التتلمذ، التي تطلب منا بأن نشهد لأولوية الله بواسطة حياتنا. وهذه الرسالة تأخذ أهمية خاصة في أيامنا، حيث نختبر – في كثير من الأماكن – غياب الله أو نسيانه. وهنا يمكننا أن نتبنى برنامج القديس بندكتس الذي يُلخَّص بهذا القول: “لا تُفضّل شيئًا على محبة المسيح”. وقد تحدانا البابا بندكتس السادس عشر في هذا السياق أيضًا حين قال: “إن المكرّسين، داخل شعب الله، هم الرُقباء الذين يرَون ويبشّرون بالحياة الجديدة الحاضرة في قلب التاريخ”. وبالتالي بحكم المعمودية والنذور، نحن مدعوّون لكي نشهد بأن الله وحده هو الذي يُضفي المعنى والملء على حياة الإنسان. ولهذا ينبغي أن تكون حياتنا علامة بليغة على حضور ملكوت الله وسط عالم اليوم. نحن مدعوّون، إذًا، لكي نكون في هذا العالم علامة صادقة ومنيرة للإنجيل ولتناقضاته الخلّاقة. بدون أن نتماهى مع عقلية هذا الزمن، بل نغير أنفسنا ونجدد التزامنا باستمرار.
أضاف الكاردينال أنخيل فرنانديز أرتيمي يقول وفي الإنجيل، سمعنا أنَّ الرب القائم من الموت كان ينتظر تلاميذه على شاطئ البحر. ويقول لنا الإنجيل أنه حين ظنّوا أن كل شيء قد انتهى، حضر الرب وجاء للقاء الذين وإذ كانوا قد امتلؤوا فرحًا هتفوا بصوت التلميذ الذي كان يسوع يحبّه: “إنه الرب!”. في هذه العبارة يمكننا أن نلمس فرح الإيمان الفصحي، المملوء بالدهشة والنور، والذي يتناقض بشدّة مع الحيرة والخيبة والشلل التي كانت تسكن في قلوب التلاميذ. وحده حضور المسيح القائم من بين الأموات يمكنه أن يُبدّل كل شيء: يبدّد الظلام بالنور، ويحوّل الجهد العقيم إلى عمل خصبٍ وواعد، ويستبدل التعب واليأس بدفعة جديدة من الرجاء، وباليقين أن الرب معنا. وما حدث للتلاميذ الأوائل يمكنه لا بل يجب أن يتحوّل إلى برنامج حياة لنا نحن أيضًا.
تابع الكاردينال أنخيل فرنانديز أرتيمي يقول لقد قال البابا فرنسيس خلال سنة الحياة المكرّسة: “أتوقّع منكم أن توقظوا العالم، لأن ما يميّز الحياة المكرّسة هو الطابع النبوي”. وطلب منّا أن نكون شهودًا للمسيح مثل بطرس وسائر الرسل، حتى في مواجهة سوء فهم أهل المجمع في الماضي أو في مواجهة الملحدين في يومنا هذا. كما طلب منّا أن نكون كالرقباء الذين يسهرون في الليل، الذي ويعرفون متى يبزغ الفجر. وطلب منا أن نتحلى بقلب وبروح حرّ ونقيّ لكي نتعرف على نساء ورجال اليوم، إخوتنا وأخواتنا، لا سيما الفقراء والأخيرين والمهمّشين، لأن الرب حاضر فيهم، ولكي بشغفنا بالله والملكوت والإنسانية، نكون قادرين على مثال بطرس أن نجيب الرب: “يا رب أنت تعرف كل شيء! أنت تعلم أنني أحبك!”.
وختم الكاردينال أنخيل فرنانديز أرتيمي عظته بالقول لتمنحنا مريم العذراء، أم الكنيسة، النعمة لكي نكون اليوم تلاميذًا مرسلين، وشهودًا لابنها في هذه الكنيسة التي، تحت قيادة الروح القدس، تسير برجاء، لأن الرب القائم من بين الأموات معنا حتى انقضاء الدهر. آمين.