كنيسة مار الياس المعلقة كانت المحطة التاسعة في جولة رئيس اساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم الذي شارك اهالي الرعية صلاة النوم الكبرى بحضور كاهن الرعية الأب باخوميوس زعرب، رئيس دير مار الياس الطوق الأرشمندريت مطانيوس نصرالله، الأرشمندرت جوزف الصغبيني والأب ايلي البلعة، رئيسة معهد يسوع الملك الأخت داني داوود، رئيسة تكميلية مار يوسف الصخرة الأخت جورجيت خلف وعدد من الراهبات ومشاركة جمهور كبير من المؤمنين.
وكان للمطران ابراهيم حديث روحي بعنوان “البساطة كمفتاح للسعادة: دعوة لعيش القناعة في زمن الاستهلاك” ومما قال :
” نعيش اليوم في عالم تحكمه الرغبة الدائمة في المزيد. الإعلانات التجارية تملأ حياتنا، والمجتمع الحديث يدفعنا إلى الاستهلاك المستمر، حيث يُقاس النجاح بعدد الممتلكات وليس بجودة الحياة الروحية. لكن المسيح يدعونا إلى طريق مختلف، إلى البساطة، إلى القناعة التي تملأ القلب سلامًا، وإلى حياة تركز على الله بدلًا من التركيز على الأشياء الزائلة. فكيف يمكن للصوم أن يكون تدريبًا على القناعة؟ ولماذا تعتبر البساطة مفتاحًا حقيقيًا للسعادة؟”
وعن القناعة في الكتاب المقدس تحدث المطران ابراهيم ” يقول بولس الرسول: “إِنْ كَانَ لَنَا قُوتٌ وَكِسْوَةٌ، فَلْنَكْتَفِ بِهِمَا” (1 تيموثاوس 6:8). هذه الكلمات تبدو صعبة في عالم اعتاد على الرفاهية، لكن الحقيقة هي أن القناعة لا تعني الحرمان، بل تعني التحرر من عبودية الامتلاك. عندما نرضى بالقليل، نكون أكثر تركيزًا على ما هو جوهري في الحياة: علاقتنا بالله والآخرين.
المسيح نفسه عاش حياة بسيطة، لم يكن له بيت، لم يمتلك ممتلكات كثيرة، لكنه كان أكثر الناس امتلاءً بالفرح والسلام. في العظة على الجبل، قال: “لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ، حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ. بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاءِ” (متى 6:19-20). هذه الكلمات تدعونا إلى التفكير في ما هو حقًا ذو قيمة دائمة، وليس فقط ما يوفر لنا راحة مؤقتة.”
اما كيف يساعدنا الصوم على عيش القناعة؟ اردف قائلاً ”
1. التدريب على ضبط الرغبات: عندما نصوم، نحن لا نمتنع فقط عن الطعام، بل ندرب أنفسنا على ضبط الرغبات. هذا يعطينا القدرة على قول “لا” لرغبات غير ضرورية، ويفتح المجال لنرى البركة فيما لدينا بالفعل.
2. إعادة تقييم الأولويات: خلال الصوم، نحن مدعوون للتفكير في أولوياتنا: هل نحن منشغلون بالماديات أم بالأمور الروحية؟ هل سعينا وراء الراحة المادية جعلنا ننسى حاجتنا إلى الله؟
3. ممارسة العطاء: القناعة تقود إلى العطاء. عندما نكتفي بالقليل، نكون قادرين على مشاركة ما لدينا مع المحتاجين. يقول المسيح: “أَعْطُوا تُعْطَوْا” (لوقا 6:38). الصوم ليس فقط امتناعًا، بل هو دعوة إلى الكرم.
4. التحرر من القلق: كثيرون يعيشون في قلق دائم خوفًا من فقدان ممتلكاتهم أو عدم امتلاكهم المزيد. لكن يسوع يقول لنا: “لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَلاَ لِجَسَدِكُمْ بِمَا تَلْبَسُونَ” (متى 6:25). القناعة تمنحنا الحرية من هذا القلق، وتجعلنا نعيش بسلام وثقة في عناية الله.”
واعطى المطران ابراهيم أمثلة من حياة القديسين فقال ”
• القديس فرنسيس الأسيزي عاش حياة بسيطة للغاية، متخليًا عن ثروته ليعيش في فقر اختياري، لكنه وجد سعادة تفوق كل كنوز العالم.
• القديسة تريزا دي كلكتا كرّست حياتها لخدمة الفقراء دون أن تمتلك شيئًا، لكنها كانت من أسعد الناس، لأنها وجدت فرحها في العطاء.
• الأب بيار الذي عاش بين الفقراء وكرّس حياته لمساعدتهم، كان نموذجًا لحياة تركز على الحب بدلًا من الممتلكات.”
واضاف ” يظن البعض أن السعادة تكمن في امتلاك المزيد، لكن الدراسات النفسية الحديثة تؤكد أن الأشخاص الأكثر سعادة هم من يعيشون ببساطة، بعيدًا عن ضغط الاستهلاك. الفيلسوف هنري ديفيد ثورو يقول: “السعادة ليست في امتلاك الأشياء، بل في التحرر منها”. وعندما نتحرر من عبودية الممتلكات، نصبح أكثر قدرة على عيش حياة مليئة بالفرح الحقيقي.
كيف نعيش القناعة عمليًا؟
1. التخلص من الأشياء غير الضرورية: فلنأخذ وقتًا في هذا الصوم للتفكير فيما نمتلكه، ونتبرع بما لا نحتاجه لمن هم في حاجة.
2. تقليل الإنفاق على الكماليات: يمكننا أن نتحدى أنفسنا خلال الصوم بالتقليل من شراء الأشياء غير الضرورية، واستخدام المال لدعم عمل خيري.
3. التركيز على العلاقات بدلًا من الممتلكات: يمكننا أن نستبدل وقت التسوق أو تصفح الإنترنت بلحظات حقيقية مع العائلة والأصدقاء.
4. الامتنان لما لدينا: بدلاً من التذمر على ما نفتقده، يمكننا أن نشكر الله يوميًا على البركات التي أنعم بها علينا.”
وتابع سيادته ” في عالمٍ يركضُ بأقدامٍ متعبةٍ خلفَ الزحام، وفي زمنٍ تتراكم فيه التفاصيلُ فوقَ بعضها كأبراجٍ من قلق، تولدُ البساطة كنَسمةٍ ربيعيةٍ تهدهدُ قلبَ المتعب، وتهمس في أذنِ الباحث:
“ما هو ضروريٌّ للحياة؟ أقلُّ بكثير مما تظن…”
البساطةُ ليست فقراً، وليست ضعفاً. إنها وعيٌ راقٍ بأنّ الجمال لا يُقاس بالكثرة، بل بالصدق. أن ترى وردةً واحدةً وتبتسم، خيرٌ من أن تمتلكَ بستاناً لا وقت لكَ لشمّ عبيره. أن تجلسَ إلى مائدةٍ صغيرةٍ مع قلبٍ محبّ، أدفأ من الولائمِ الفاخرة التي تفتقدُ الدفء.
البساطةُ ليست خاليةً من العمق، بل هي العمقُ نفسه وقد تتنكّر في ثيابِ السكينة. البساطة هي أن تمشي حافيًا على ترابِ الأرض، وتشعر أن الكونَ كلّه تحتَ قدميكَ نعمة. هي أن تقتني من الكلماتِ ما يكفي للصدق، لا للتفاخر. هي أن تصغي أكثر مما تتكلّم، وأن ترى بعيني قلبكَ لا بوميضِ الصور.
من يُتقنُ فنّ البساطة، يُتقنُ سرّ الوجود. يعرفُ كيف يتخلّى، لا لأنه يخسر، بل لأنه يربح حريّته. يعرف كيف يفرحُ بالقليل، لأن القليلَ عنده كثير، حين يكون مشبعًا بالمعنى.
البساطةُ ليست تخلّيًا عن الأشياء، بل تخلّصًا من عبوديتها. هي أن تمتلكَ كلّ شيءٍ في قلبٍ خفيف، لا في يدٍ مشدودة.
فلتكن بسيطًا، لا بمعنى أن تكون ساذجًا، بل بمعنى أن تكون حرًّا.
حرًّا من الحاجة إلى التزييف. حرًّا من اللهاثِ وراء ما لا يُشبع.
حرًّا لتعيش، لا لتجمع. البساطةُ أن تستعيدَ نفسك… أن تعودَ إلى الأصل… إلى الإنسان… إلى الله.”
وختم المطران ابراهيم ” البساطة والتواضع والقناعة ليسوا حرمانًا، بل هم الحرية. عندما نتحرر من رغبتنا في المزيد، نجد أن ما لدينا كافٍ، بل وأكثر مما نحتاج. الصوم هو فرصة رائعة للتدرب على هذه الحرية، لنعيش ببساطة، ونركز على ما هو حقًا ذو قيمة أبدية. لنسأل أنفسنا اليوم: هل نبحث عن سعادتنا في الأمور الفانية، أم أننا نضع كنوزنا في السماء؟ وهل نسمح للصوم بأن يعلّمنا كيف نعيش حياة أكثر بساطة وامتلاءً بالنعمة؟
إن السعادة الحقيقية لا تأتي من كثرة الممتلكات، بل من القلب الممتلئ بمحبة الله والقناعة بما لدينا. فلنقبل هذه الدعوة بفرح، ولنختبر كيف أن البساطة تقود إلى الغنى الروحي، والغنى الروحي يقود إلى السعادة الحقيقية. آمين.”
بعد الصلاة انتقل الحضور الى صالون الكنيسة حيث التقى المطران ابراهيم ابناء وبنات الرعية مطمئناً الى اوضاعهم.
المطران ابراهيم : البساطة مفتاح السعادة
