احتفل رئيس أساقفة بيروت المطران بولس عبد الساتر بقدّاس عيد الميلاد في كاتدرائيّة مار جرجس – بيروت، عاونه فيه النائب العام المونسنيور اغناطيوس الأسمر والخوري جورج قليعاني، بمشاركة المونسنيور نعمة الله شمعون، وبحضور النائبة العامة لجمعيّة راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات الأخت ياره متى ومديرة المستشفى اللبناني الجعيتاوي الجامعي الأخت هاديا أبي شبلي وعدد من الراهبات، والنائب نديم الجميل، والوزير الأسبق عميد المجلس العام الماروني وديع الخازن، ورئيس المجلس العام الماروني المهندس ميشال متى وعدد من أعضاء المجلس، ونقيب الصيادلة الدكتور جو سلوم، وحشد من المؤمنين.
وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران عبد الساتر عظة جاء فيها:
“وُلِد المسيح، هللويا!
صرخة فرح نطلقها في هذا الصباح لأنَّ الله، ذاك الساكن في السماوات، الجالس على عرش بهائه تُحيط به الملائكة، ذاك الديّان الذي بكلمته ترتجّ الأرض وتتزعزع السماوات، أرسل ابنه الوحيد لأجلنا مولودًا في مذود بيت لحم، مولودًا من أم عذراء، فبانَ أبًا حنونًا حاضرًا مع أبنائه وبناته ليشجع وليعزي وليخلّص.
صرخة فرح نطلقها في هذا الصباح لأنّ الربّ يسوع، الله الابن وبسبب حبِّه اللامتناهي للبشر، تنازل حتى الإمحاء ووُلد في بيت لحم وعاش بيننا ومعنا الفرح والحزن والجوع والألم وصار أخًا لجميعنا وخلّصنا من الموت الأبدي بتجسّده وموته وقيامته، وها هو يستمر في عيشه معنا وفينا حتى منتهى الدهور.
وُلِد المسيح، هللويا! صيحة فرح نطلقها في هذا الصباح لأنّ الله الروح يعمل فينا كلَّ يوم ليتحقَّق الخلاص فينا وليضع الفرح حيث الحزن والرجاء حيث اليأس والقوّة حيث الضعف والسلام حيث البغض والعنف. يملأ قلوبنا فيحوِّلها إلى قلوب من لحم تنبض محبّة لله وللقريب.
إخوتي وأخواتي، عيد الميلاد هو يوم فرح وابتهاج لأنّ فيه نتذكّر أنَّ الله يحبّنا وهو معنا وفينا على الرغم من ضعفنا وجهلنا أحيانًا. هو يوم فرح وابتهاج روحيّين لأنَّ فيه نتذكّر من جديد أننا مخلصون وأنَّ لا سلطان للموت علينا.
وماذا بعد؟ وماذا بعد هذا اليوم؟
بعد عيد الميلاد نحن مدعوّون إلى أن نذهب كلَّ يوم إلى المريض لنؤاسيه وإلى المظلوم لنقف إلى جانبه ونرفع عنه الظلم، وإلى النزيه لنشجعه وإلى المعوز لنطعمه من طعامنا، وإلى المخطىء لنُصلحه بالمثل أولاً وإلى الصغير في هذا العالم لنحميه وإلى اليتيم لنعتني به وإلى العجوز لنخدمه. بعد عيد الميلاد نحن مدعوّون أيضًا إلى قبول هبات الله وهبات الآخرين لنا. نحن مدعوّون إلى أن نعيش الحاجة إلى الآخر كما عاشها الربّ يسوع في بيت لحم فنتواضع وندرك صغرنا وعظمة الخالق ومحبّته.
واسمحوا لي في نهاية عظتي أن أتكلّم وبشكل مقتضب على الموضوع الذي يشغل بال اللبنانيين اليوم، وهو موضوع انتخاب رئيس للجمهورية. وما سأقوله جهارًا هو ما يردّده كثيرون في فكرهم وقلبهم.
لا يكفي أن يكون هناك رئيس قوي من دون صلاحيات تسمح له بالمشاركة الحقيقية بالحكم حتى لا يشعر أحد من اللبنانيين بالغبن وبالتهميش.
لا يكفي أن يكون هناك رئيس مستقيم إذا لم يدعمه شعب مستقيم ويتعاون معه حكّام مستقيمون لا يعملون من أجل مصلحتهم الشخصيّة ومصلحة طائفتهم أو حزبهم بل يعملون فقط من أجل خير وطنهم.
لا يكفي أن يكون هناك رئيس وطني إذا كان البلد مليئًا بعملاء للخارج ينفّذون أجندات الخارج وولاؤهم للخارج. يجب أن يكون لبنان وطنًا وحيدًا ونهائيًا لجميع اللبنانيين وله كلُّ ولائهم.
لا يكفي أن يكون هناك رئيس يريد أن يجمع إذا بقي منطق الغالب والمغلوب مسيطرًا على عقول بعضنا وإذا بقي هذا البعض يتكلَّم بلغة التحريض على الآخر وتخوينه.
إخوتي وأخواتي، يوم عيد الميلاد هو يوم صلاة وتسبيح وشكران. وهو نقطة بداية واستمرار وليس نقطة وصول ونهاية. إنّه دعوة إلى الشهادة للحب المجاني والمطلق وإلى الاستشهاد من أجل محبّة الآخر ولو كان عدوًّا. إنّه إقرار ثابت بحقيقة التجسّد والخلاص وقرار ثابت بالانفتاح على الآخر وقبول هباته بفقر روحي وهو عمل دؤوب على مدّ الجسور.
وُلِد المسيح. هللويا!”
وبعد القدّاس الإلهي الذي خدمته جوقة رعيّة السيّدة – الحدت وبيت العناية الإلهيّة، التقى المطران عبد الساتر المؤمنين في صالون الكاتدرائية حيث تبادل الجميع التهاني بالعيد.
المطران عبد الساتر : لا يكفي أن يكون هناك رئيس قوي من دون صلاحيات
