افتتحت مدرسة الحكمة – بيروت يوبيل ال ١٥٠ عامًا على تأسيسها في قدّاس إلهي احتفل به راعي أبرشيّة بيروت المارونيّة ووليّ مدارس الحكمة المطران بولس عبد الساتر في كنيسة مار يوسف، عاونه فيه النائب العام المونسنيور اغناطيوس الأسمر ومرشد المدرسة الخوري جورج نعمة رحمة، بحضور رئيسة المدرسة السيّدة نادين أبي راشد إسبر، والسيّدة هدى أبي راشد، وأعضاء الهيئتين الإداريّة والتعليميّة، والتلامذة.
وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران عبد الساتر عظة جاء فيها: “نجتمع سويًّا في هذا القداس لنبدأ، أمام الرب يسوع، يوبيل ال ١٥٠ عامًا على تأسيس مدرسة الحكمة فرع مار يوسف في بيروت، ولنتذكر كم أنكم طلاب وطالبات هذه المدرسة مهمون بالنسبة إلى أهلكم لأنهم أرادوا لكم أن تتنشأوا في صرح تربوي له تاريخ عريق، وهو ثمرة محبّة وتضحيات كبيرة على مرّ السنين وفي أحلك الظروف، ومنه تخرج أناس كبار وعظماء في مختلف المجالات أثروا في حياة الوطن والكنيسة. افتخروا أنكم طلاب وطالبات الحكمة بيروت، المدرسة الأمّ والأساس، فأنتم في صرح ذكرته كتب التاريخ في لبنان وخارجه. فلنشكر الربّ أوّلًا لأنه لولا حضوره في هذه المدرسة لما كانت استمرت على الرغم من تعبنا وجهدنا، ونشكره على كلّ نعمه التي أعطاها لرؤساء ورئيسات المدرسة وللإداريين والمعلمين والمعلمات والطلاب على مدى أجيال ليكبروا وتكبر المدرسة معهم وينجحوا في حياتهم ويؤثروا في مجتمعهم وبلدهم وكنيستهم. كما نرفع صلاتنا في هذا القدّاس لراحة أنفس كل من تعاقبوا في مختلف المسؤوليات من ١٥٠ عامًا وفارقوا حياتنا الأرضية، من أوّل رئيس مدرسة إلى كل موظّف ومعلّم ومعلّمة.
استمرارية المدرسة لا تكون فقط بجهد إدارتها وهيئتها التعليمية، بل استمراريتها تكون في قلوبكم التي أحبتها، وفي سمعتكم الطيّبة أينما حللتم، وفي عملكم وتعبكم عندما تصبحون مؤثرين وفاعلين في المجتمع.
أشكر ذويكم على ثقتهم بالمدرسة وعلى وفائهم لها، ونصلّي لتستمر هذه المدرسة لأجيال وأجيال ليس فقط في البناء والحجر بل في القلوب الصادقة والوفية والمُحبّة. تذكروا دائمًا وانطلاقًا من التاريخ: تلامذة الحكمة يعمرون لبنان ويصونون استقلاله، فكونوا على قدر المسؤوليّة”.
وكانت كلمة لرئيسة المدرسة السيّدة نادين أبي راشد إسبر قالت فيها: “نحتفل معًا اليوم بلحظة فريدة في أبعادها وهي إطلاق اليوبيل الــ 150 لمدرسة الحكمة – بيروت، إطلاق يربط بشكل متناغم ماضيًا غنيًا وحاضرًا حيويًّا ومستقبلاً زاهرًا بالوعود.
هذا الحدث يدعونا إلى تكريم هؤلاء الذين بنوا هذا الصّرح على قيم الإيمان والحكمة والخدمة، وإلى التفكير في الكيفيّة التي يجب علينا نحن اليوم أن نتابع بها هذه المهمّة النبيلة.
هذا الإطلاق يأخذ حجمًا أكبر بفضل حضور سيادتكم، رجل مسيرته متجذّرة في إرث هذا الصّرح.
صاحب السيادة، عندما كنت رئيسًا لمدرسة الحكمة لم تكن رئيسًا لها فحسب بل جسّدت قيمًا ومبادئ ما زالت تهدينا إلى الطّريق القويم.
وعرفت أثناء إدارتك للمدرسة كيف تزرع حُبّ الحقيقة، واحترام الآخر والتّضامن والتميّز، وتجعل منها كلّها واقعًا يوميًا معيشًا وليس مجرّد شعارات.
ترؤسك مدرسة الحكمة مثّل خطوة حاسمة في تاريخ مدرستنا حيث التقت التقاليد والابتكار بانسجام.
صاحب السيادة، لقد تركت لنا إرثًا ثمينًا، وهذا الإرث هو مدرسة ليست فقط مكانًا للمعرفة بل مجتمع حياة مدعو فيه كلّ طالب ليكون نورًا للعالم.
هذا الإرث أمانة في أعناقنا لمواصلة نشر قيم الحكمة الأساسيّة.
الارتقاء إلى مستوى هذه الثقة يعني احترام ما نقلته إلينا لنتمكّن من بناء مستقبل مؤسّستنا بأمانة وجرأة.
تمثّل السّنوات الــ 150 المقبلة فرصة فريدة للجمع بين إرث الحكمة والرؤية التطلعيّة المدفوعة بالإبتكار.
قدرة مؤسّستنا على التطوّر دون خيانة قيمها الأساسيّة جعلها استثنائيّة.
في عالم تسعى فيه التكنولوجيا المتطوّرة إلى تغيير طرق تعلّمنا وعيْشنا، نحلم بحكمة رائدة في تعليم يدمج بشكل كامل الوسائل الرقميّة والرّوبوتات والذّكاء الاصطناعي ومنهجيّات التعلّم التّفاعليّة. تخيّلوا صفوفًا يشارك الطلاّب فيها في مشاريع على نطاق دولي بفضل الواقع الافتراضي حيث تصبح البرمجة والعلوم المتطوّرة ركائز تعليمنا.
لكنّ الابتكار لا يقتصر فقط على التكنولوجيا بل ينطوي على أساليب تعلّميّة جديدة، وعلى تعزيز المهارات الإنسانيّة كالإبداع والتفكير النّقدي والالتزام الإجتماعي.
نحن نطمح إلى حكمة لا تثقّف العقول اللامعة فحسب، بل تثقّف أيضًا مواطنين صالحين ملتزمين، قادرين على تسخير الإبتكارات لخدمة عالم أكثر عدلاً واستدامة. وهذا العام تبرز التنمية المستدامة كمحور رئيس لمشروعنا التّعليميّ، فهي تهدف إلى رفع مستوى الوعي بين طلاّبنا حول تأثير أفعالهم على البيئة، وإعدادهم ليكونوا فاعلين ومسؤولين عن التّغيير، حاملين حلولاً ملموسة لمستقبل متّحد يراعي عالمنا ويحترمه.
وبينما نمضي قدمًا نحو الــ 150 عامًا القادمة نحلم بحكمة تظلّ منارة للعلم، ومكانًا تتّحد فيه التقاليد والحداثة لتكتب صفحة جديدة من التميّز والتقدّم.
نحن المعلّمين والموظّفين والمنسّقين والمدراء مستعدّون للإرتقاء إلى مستوى هذا التحدّي ورفع مستوى هذه المؤسّسة التّاريخيّة عاليًا في عالم يشهد تحوّلاً مستمرًّا.
ببركتك يا صاحب السيادة وملهمين من مثالك في الإيمان والقيادة والخدمة نجدّد وعدنا بالبقاء أوفياء للإرث الموكل إلينا لتنمية هذا الصّرح. بإيمان وعزم ستتقدّم الحكمة لكتابة 150 عامًا أخرى وأكثر من التّعليم والنّور والتّحوّل.
اليوم، ومع إطلاق سيادتكم لهذا اليوبيل، أردنا أن ندفع هذا الحدث التّاريخيّ والرّمزي عبر تقديمنا لكم شعار مرور 150 عامًا على تأسيس مدرستنا. هذا الشعار ليس مجرّد رسم بل هو انعكاس لقرن ونصف من التّاريخ والتحدّيات التي تمّت مواجهتها والانتصارات المشتركة.
هذا الشعار هو أكثر من مجرّد رمز، هو رسالة موجّهة إلى كلّ طالب، كلّ معلّم، كلّ موظّف وكلّ منسّق ومدير. هو رسالة انتماء وفخر والتزام بالقيم التي صنعت هويّتنا.
بتقديمنا لكم هذا الشّعار اليوم، نأمل في أن يصبح مصدر إلهام وتذكيرًا دائمًا بأنّنا جزء من تاريخ أكبر منّا، وأنّ مسؤوليّتنا هي الاستمرار في كتابة هذا التّاريخ بنفس الإيمان ونفس الحكمة ونفس الشّعور بالخدمة التي ميّزت الــ 150 عامًا الأولى.
هو أيضًا رمز للمستقبل لأنّنا، بتكريمنا لماضينا، يدعونا هذا الشّعار إلى التطلّع نحو الغد بطموح وتصميم، جاهزين لوضع أسس الــ 150 عامًا المقبلة.
عاشت الحكمة، وليبقَ تاريخها مشعًّا للأجيال المقبلة”.
وبعد القدّاس الإلهي الذي خدمته الجوقة بقيادة الآنسة غادة داغر، انتقل الجميع إلى حرم المدرسة، حيث افتتح المطران عبد الساتر معرض اللوحات والأشغال اليدوية التي نفذها طلاب وطالبات المدرسة.
يوبيل ال ١٥٠ عامًا على تأسيس مدرسة الحكمة – بيروت
