في مشهدٍ يختزل وجع الجنوب وثبات أبنائه، أُقيم صباح الإثنين قدّاس الباعوث في باحة كنيسة يارون المهدّمة، حيث تحوّل الركام إلى مذبح مفتوح على السماء. ترأّس القداس سيادة المتروبوليت جورج إسكندر، رئيس أساقفة صور للروم الملكيين الكاثوليك، بمشاركة رسمية وروحية واسعة، وحضور لافت من أبناء البلدة.
حضور دولي وروحي واسع
تقدّم الحضور السفير البابوي المطران باولو بورجيا، برفقة القائم بأعمال السفارة المونسنيور جيوفاني بيتشاري، وقائد اليونيفيل اللواء آرالدو لازارو، وقائد القطاع الغربي الجنرال نيقولا ماندوليزي، وقائد الوحدة الإيطالية العقيد آنجلو ماليتسيا، إلى جانب العميد هيثم سلمان ممثّلًا عن قيادة منطقة جنوب الليطاني في الجيش اللبناني. كما شارك رئيس بلدية يارون الحاج علي تحفه، ومخاتير البلدة، إلى جانب الأخت كاميليا حنا ممثّلةً الأم تريز روكز، وعدد من كهنة الابرشية والراهبات، وأبناء البلدة.
عظة الرجاء من بين الركام
في عظته، أشار المتروبوليت إسكندر إلى رمزية هذا اللقاء قائلاً:
“نأتي اليوم إلى يارون، لا لنحصي الخراب، بل لنعدّ النِعم، وأوّلها سلامتكم… يارون، يا أحبّة، هي برّية الرجاء. صوتها يسبقنا لنتعرّف من جديد على يسوع القائم، لا بعيون الخوف بل بعيون الرجاء.”
وأكد أن أهل يارون هم شهود حقيقيون للقيامة:
“رأيتم البيوت تسقط، لكنكم لم تسقطوا. خسرتم كنيسة الحجر، لكنكم احتفظتم بها في القلوب. تقيمون القداس في ساحة لا في كنيسة، لأن الإيمان لا يُقصف.”
وفي مخاطبته السفير البابوي، قال:
“وجودكم بيننا ليس مجرد تمثيل دبلوماسي، بل حضور وجه الكنيسة الأم التي تصغي لأنين أبنائها وتمسح دموعهم.”
كما وجّه نداءً للحاضرين من المسؤولين والدبلوماسيين:
“نرجو أن تنقلوا ما رأيتموه اليوم بأعينكم، وما لمستموه من أوجاع واحتياجات، إلى كل من يستطيع أن يسمع. نحن لا نطلب شفقة، بل شراكة في رجائنا. كي ينهض هذا الجنوب من رماده، ويعود كما كان: أرضًا تسكنها الكرامة، ويظلّلها السلام.”
كلمة السفير البابوي: القيامة من قلب الألم
بعد المناولة، ألقى السفير البابوي المطران بورجيا كلمة وجدانية، قال فيها:
“لا أظنّ أن هناك مكانًا أنسب من هذا للاحتفال بعيد الفصح. ففي وسط الدمار، نحن هنا كبرعم حياة جديدة، كعلامة على حضور الرب القائم.”
وأكد أن القيامة تعني دومًا وجود حياة بعد الموت، وسلام بعد الحرب، ورجاء بعد اليأس. واستعاد كلمات البابا فرنسيس قائلاً:
“لا تدعوا أحدًا يسرق منكم الرجاء… مع الله نستطيع أن نصنع كل شيء.”
ودعا الجميع ليكونوا صانعي سلام، مشيرًا إلى الآية الإنجيلية:
“طوبى لصانعي السلام، فإنهم يُدعون أبناء الله.”
الباعوث بألسنة الأمم
وفي لفتة رمزية جامعة، تليت أناجيل الباعوث بلغات متعددة، لتُشكّل لوحة كنسية تعبّر عن وحدة الكنيسة وسط تنوّع الشعوب والألم:
الفرنسية: المطران جورج إسكندر
الإيطالية: السفير البابوي
اللاتينية: السكرتير الأول في السفارة
الإسبانية: اللواء لازارو
الإنجليزية: الجنرال ماندوليزي
اليونانية: الأب ريشار فرعون
العربية: الأخت نجمة حنا
شكر باسم يارون
وفي كلمة مقتضبة، قبل الانتقال الجميع للمشاركة في لقمة محبة، توجّه المختار فادي سلّوم بالشكر باسم أهالي يارون لكل من شاركهم هذا العيد، من شخصيات محلية ودولية، مؤكدًا أن “البلدة، رغم الألم، ما زالت تنبض بالحياة، وتُعلن قيامتها من فوق الحجارة المهدّمة، بإيمان أهلها ومحبة أصدقائها.”
لحظة ختام تحت نور القيامة
وقبيل ختام القداس، أعلن السفير البابوي نبأ وفاة قداسة البابا فرنسيس. فوقف الجميع بخشوع، ورفع المتروبوليت إسكندر صلاةً على نيّة راحة نفسه، مؤمنين أن من خدم الكنيسة بأمانة، يعبر اليوم إلى نور القيامة حيث لا موت بعد، بل حياة أبدية في وجه الرب القائم.