مقابلة مع حاخام روما الأكبر في الذكرى السنوية الستين لصدور الإعلان المجمعي *في عصرنا*

لمناسبة مرور ستين عاماً على صدور الإعلان المجمعي في عصرنا أو Nostra Aetate، أجرى موقع فاتيكان نيوز الإلكتروني مقابلة مع حاخام روما الأكبر ريكاردو دي سينيي الذي توقف عند أهم الخطوات التي تحققت خلال العقود الماضية على صعيد العلاقات بين الكنيسة الكاثوليكية والجماعات اليهودية، محذراً من المساعي السياسية الهادفة إلى تسميم الأجواء وزرع بذور الخلافات وسوء الفهم، واعتبر أن إعادة إطلاق الحوار تتطلب البحث عن أجواء من المودة، وعما يمكن أن يحققه الطرفان معا.
مما لا شك فيه أن الوثيقة المجمعية التي صدرت في العام ١٩٦٥ شكلت نقطة تحول على صعيد العلاقات بين الكاثوليك واليهود، وفتحت آفاقاً جديدة أمام التلاقي والاحترام والقبول المتبادل على الصعيد الروحي، وزرعت بذرة الأمل في إطار الحوار بين الأديان كما قال البابا لاون الرابع عشر، معتبرا أن مسيرة الحوار هذه باتت اليوم ضرورية أكثر من أي وقت مضى.
عن هذا الموضوع حدثنا الحاخام دي سينيي مشيرا إلى أن الحوار الكاثوليكي اليهودي هو عبارة عن عمل متواصل يحتاج إلى أفعال ملموسة تهدف إلى بناء أجواء من الثقة والمودة. وأضاف أنه مع صدور Nostra Aetate أصبحت العلاقة بين الكنيسة الكاثوليكية والديانة اليهودية علاقة من التعاون، لافتا إلى أن إدانة ظاهرة معاداة السامية التي تحدثت عنها الوثيقة شكلت خطوة هامة إلى الأمام، ومما لا شك فيه أن هذا الموقف لقي إصداء إيجابية عندما صدر عام ١٩٦٥.
بعدها ذكّر بأن العالم تغيّر كثيراً على مدى السنوات الستين الماضية، وقد صدرت وثائق أخرى أعطت دفعاً أقوى لهذا الإعلان المجمعي، لكن ما تزال توجد حاجة لبذل المزيد من الجهود، كما لا بد أن توفّر دائماً الأدوات اللازمة لمواجهة الصعوبات الراهنة في عالم اليوم.
هذا ثم توقف حاخام روما الأكبر عند ردود الأفعال الإيجابية على هذه الوثيقة، وذلك أيضا في الأوساط الدينية اليهودية المتشددة، التي أبدت اهتماماً واستعداداً للحوار، ولفكرة التعاون والعمل معا. لكن أهداف هذا الحوار، مضى يقول، ينبغي أن يُتفق عليها، إذ إن الكنيسة الكاثوليكية تتحدث عن حوار على الصعيد اللاهوتي، أما من الجانب اليهودي فهذا الحوار يكتسب بعداً اجتماعياً وعمليا، أيضا على صعيد الشهادة المشتركة.
تابع دي سينيي حديثه لموقعنا الإلكتروني داعياً إلى التمييز بين ظاهرة معاداة السامية، التي تتطرق إليها الوثيقة، وتحمل بعداً عرقياً، وظاهرة معاداة اليهودية التي تتمثل بالعدائية تجاه هذه الديانة وتعاليمها وقيمها. لذا من الأهمية بمكان أن نميز بين هاتين الظاهرتين لنعرف ماذا ينبغي فعله لمواجهة هذا التحدي، كما لا بد أن نتصدى للمساعي السياسية التي تلوث الأجواء وهذا ما رأيناه بشكل واضح خلال السنوات القليلة الماضية، لاسيما بعد اندلاع الحرب في غزة.
لم تخلُ كلمات الحاخام اليهودي من الإشارة إلى المطبات العديدة التي واجهت الحوار الثنائي على مر العقود الستة الماضية، والتي تمثلت غالباً في سوء الفهم، معتبرا أن تخطيها يتطلب العمل على بناء أجواء من المودة، كما ينبغي أن يطلع على هذه الجهود الرأي العام الذي غالباً لا يهتم بالوثائق اللاهوتية، أو يصعب عليه فهمها. وأضاف أن البابوات السابقين بدءاً من البابا يوحنا بولس الثاني قاموا بمبادرات هامة على هذا الصعيد، لاسيما الزيارات التي قاموا بها إلى الكنيس اليهودي، لافتا إلى أن الناس يحتاجون إلى رؤية أفعال ملموسة تساهم في نشر الرسالة وسط الرأي العام.
ختاماً أكد دي سيني أن اليهود لا يبحثون عن حوار لاهوتي لأن كل دين يجب أن يحافظ على معتقداته، لكن ثمة حاجة إلى حوار يساهم في بناء الاحترام المتبادل.