مجلّة تايم تُخصّص غلافها لتقرير عن البابا لاون الرّابع عشر

بعد أسابيع على تصاعد الدخان الأبيض في إشارة إلى حقبة جديدة للكنيسة الكاثوليكيّة، تستمرّ عاصفة هادئة في الدوران حول منزل متواضع في ضواحي شيكاغو، إذ يفيض صندوق البريد بالرسائل، ويرنّ الهاتف في وقت متأخّر من الليل، وتصل طابات كرة القاعدة على أمل أن يوقّعها البابا الجديد. إلّا أنّ روبرت فرانسيس بريفوست – البابا لاون الرّابع عشر الآن – لم يصل إلى البابويّة من خلال الطموح أو العروض. فوَفقاً لأولئك الذين يعرفونه جيّداً، كانت حياته بمثابة تشكيل بطيء وثابت للإيمان والناس والعناية الإلهيّة.
في التفاصيل التي وردت في مقال نشره القسم الإنكليزي من زينيت، وفي قصّة غلاف بعنوان “مسار صنع البابا” ، ترسُم بيليندا لوسكومب من مجلّة تايم صورة لرجل لم تصنعه أسرار الفاتيكان بل الحنكة الرعويّة والصبر اللاهوتي والتواضع.
يدور تقرير الكاتبة والصحافيّة حول الطريق الذي قاد روبرت بريفوست إلى الشرفة البابويّة في 8 أيّار 2025، كما حول نوع الحبر الأعظم الذي سيصبح عليه. نشأ الشاب روبرت في عائلة كاثوليكيّة جنوبي غرب شيكاغو، وكان فتى بنى مذابح من علب الأحذية ولعب دور الكاهن في الفناء الخلفي. ومع ذلك، فقد كان أيضاً صبيّاً ركب الدرّاجات، والتقط الحشرات ولعب على أرض المنزل. أخبرته إحدى الجارات ذات مرّة أنّه سيصبح حبراً أعظم في يوم ما. وبعد عقود، اتّضحت كلماتها!
رُسِمَت سنواته الأولى في إكليريكيّة الأغسطينيّين في ميشيغان عبر أيّام طويلة وصباحات مُبكرة وجدول زمنيّ شاقّ. أولئك الذين درسوا إلى جانبه ما زالوا يتذكّرون ذكاءه كما لطفه وصمته.
طريق بريفوست اللاهوتي نقله من فيلانوفا إلى الاتّحاد اللاهوتي الكاثوليكي، وفي النهاية إلى الجامعة الغريغوريّة الحبريّة في روما، حيث درس القانون الكنسيّ في السنوات الأولى من حبريّة يوحنا بولس الثاني. لكن لم تكن قاعات المحاضرات هي التي ميّزته، بل طرقات تشولوكاناس (في البيرو) المليئة بالغُبار حيث خدم ككاهن مُرسَل شاب خلال الفيضانات المدمّرة، فيما كان عمره 30 عاماً فقط.
من ناحيته، قال الأسقف دانيال تورلي مرشده في ذلك الوقت إنّه “أصلح ما يحتاج إلى إصلاح، سواء كان أسطحاً أو قلوباً أو إدارة أبرشيّة. لقد تعلّم قوّة الجماعات وغنى الأشخاص الذين لديهم القليل، وفرحة بناء الثّقة عبر الانقسامات”. هذه الرسالة البيروفيّة تركت بصمة أعمق من معظم المهن، إذ جعلت بريفوست يرى الكنيسة ليس فقط كمؤسّسة بل كتجسّد ملموس، هشّ، وقادر على الشفاء.
بعد سنوات من الخدمة كرئيس عام لدَير الأغسطينيّين، اتّصلت روما مرة أخرى. وبحلول عام 2001، كان يترأس الأغسطينيّين في جميع أنحاء العالم. في النهاية، أعاده البابا فرنسيس إلى البيرو، هذه المرّة كأسقف. وفي عزّ أزمات اللاجئين والتوتّرات الكنسيّة، ظهرت مرونته في الرعويّة. أخذه طريقه من “شيكاغو إلى تشيكلايو”، وهي عبارة مشهورة الآن بين أولئك الذين تتبّعوا طريقه. في نهاية المطاف، أحضرته تلك الرحلة إلى دائرة الأساقفة في الفاتيكان، حيث أصبح أحد أكثر الأصوات نفوذاً في التعيينات الأسقفيّة في جميع أنحاء العالم.
بحلول عام 2023 ، عُيِّن كاردينالاً، ليُصبح حبراً أعظم بعد عامَين. لكن بالنسبة إلى مَن عرفوه، لم يكن ارتقاؤه استراحة من الماضي؛ كان الفصل التالي في حياة غارقة بالفعل في الخدمة الكنسيّة.
أمّا شقيقه جون الذي غمره ثقل الأخوّة مقارنة مع البابويّة، فيُشير إلى أمور تتّخذ منحى غير متوقّع: “يواصل الناس الظهور عند الباب قائلين: لقد كنت بعيداً عن الكنيسة لفترة طويلة. لكن شقيقك؟ أعتقد أنّني مستعدّ للعودة إلى كنف الكنيسة”.
قد يكون إرث لاون الرّابع عشر قد بدأ للتوّ، لكنّ جذوره لا تكمن في ممرّات الفاتيكان بل في قرار اتّخذه صبيّ عادي للخدمة – والحياة غير العاديّة التي تلت ذلك.