كلمة الأم ندى طانيوس للمعايدة بالميلاد المجيد – بكركي

صاحبَ الغبطة، نيافةَ الكاردينال مار بشاره بطرس الرّاعي الكلّي الطوبى،
أصحابَ السِّيادة السّامي احترامُهم،
قدسَ الآباءِ العامّين والرَّئيساتِ العامّات والرؤساءِ الإقليميّين والرئيساتِ الإقليميّات الجزيل
احترامُهم،
حضرةَ الآباءِ الأجلّاءِ والرّهبانِ والرّاهباتِ الأفاضل،
أيّها الإخوةُ والأخواتُ الأعزّاء،
يا رب، أعلِن لنا أيضًا السلامَ الآن (أشعيا 2: 4)
لا بدَّ أنَّ الكثيرين منّا ومِن حولِنا يتساءلون: هل حقًّا يعيّدُ اللّبنانيُّونَ هذا العام؟ أوَليسوا من هذه
الأرضِ ومن هذا الشَّرق؟ ألا يشعُرون بما يدورُ حولَهم، وبوجعِ وألمِ الآخَرين؟
نعم، يَحُلُّ علينا عيدُ الميلادِ المجيدِ ورأسِ السّنةِ الجديدةِ هذا العام، وتفكيرُنا كما تفكيرُ النَّاس،
شاردٌ بعيدًا عن بهجةِ العيدِ المعتادَة. فبلدُنا في حالةِ انتظارٍ وترقُّبٍ. وشرقُنا كلُّه يعيشُ زمنَ
حربٍ ومآسٍ وتَغيُّرات. الكلُّ منشغلٌ بأخبارِ الحربِ اليوميَّةِ والضَّائقةِ الإقتصاديةِ الّتي باتَتْ
تُرخِي بثقَلِها على كاهلِ كلِّ العبادِ بدونِ استثناء. وإلى ذلك كلِّه، تجتاحُنا أفكارٌ مختلفةٌ: فلقد أدَّى
عنفُ الحربِ خلالَ الشّهرينِ والنّصفِ المَاضيين إلى معاناةٍ لا يمكنُ تصوّرُها لآلافِ
الأشخاص، وتسبّبَتْ فظائعُ الحربِ بالبؤسِ والحزنِ لعائلاتٍ لا تُحصَى في لبنانِنا. فهل يمكنُ
إقامةُ العيدِ في هكذا أجواءَ من القتلِ والحزنِ والضيقِ الإقتصاديِّ والمعاناة؟
ونسمعُ جوابَ اللهِ لنا هامِسًا: ألم يكُنْ ميلادُ الطفلِ يسوع لهذهِ الأزمنةِ بالذات؟ أليسَ هو الجوابُ
الأوحدُ والمطلقُ لكلِّ التَّساؤلاتِ التي تطرحونَها؟
بلى. لقد تمَّ ميلادُ الربِّ بيننا في ملءِ الزّمان، عندما أضحى النّاسُ يسيرون في متاهاتِ وظلمةِ
هذا الدّهر. فأتى نورًا مولودًا من امرأة، ليُرشدَ إلى سبلِ الخلاصِ ويفتديَ البشريةَ جمعاء.
فليسَ عيدُ الميلادِ بالنسبةِ لنا نحن المسيحيين، مجرّدَ ذكرًى لقصّةٍ تتناقلُها الأجيالُ، أو مجموعةَ
مظاهرِ زينةٍ وبهرجة، وأكلاً وشَرِبًا بعيدًا عن أوجاعِ النّاس.
عيدُ الميلادِ بالنسبةِ لنا، إنّما هو :
فعلُ عبادةٍ نقومُ بها للربِّ الخالقِ، ألّذي لم يشأْ أن يتركَ شعبَهُ يهلِك، فأرسلَ له المخلِِّصَ،
وفرحٌ بخلاصٍ جاءَنا من العُلى، ليُعيدَ إلينا صورتَنا الأصلية وجوهرَنا الإنسانيَّ،
ورجاءٌ بإيمانٍ نُزكِّيهِ بحضورِ اللهِ نفسِهِ في حياتِنا، مُقيمًا في مغارةِ قلبِنا،
ودعوةٌ لبناءِ سلامٍ نابعٍ من الرّجاءِ الّذي لا يُخيِّب، لأنّ اللهَ يفتقدُنا كلَّ يوم، في كلِّ ظروفِنا
وحاجاتِنا، وينتظرُ أن يمنحَنا الأملَ والخلاصَ والسَّلام. ولم يأتِ عن عبثٍ إعلانُ البابا
فرنسيس سنةَ 2025 يوبيليةً في الكنيسة، تحت عنوان ;حجّاجُ الرَّجاء، داعيًا الجميعَ
لكي يُصبحوا بناةَ السّلام في العالم.
هكذا، نحنُ لا ننظرُ إلى مولِدِ يسوعَ وراءَنا، بل هو أمامَنا. نحن ننتظرُهُ وهو يأتي كلَّ يومٍ،
ليكونَ رفيقَ دربِنا. ألَمْ يقُلْ لنا : أنا معكُم إلى انتهاءِ الدَّهرِ؟ هذا ما نؤمنُ بِهِ وهذا ما نرجُوه.
لهذا، وَجَبَ علينا أن نُعيِّدَ دائمًا لمولِدِ يسوعَ على الأرض، إذا أردْنا لزمنِنا الكئيبِ هذا أن
يتحوّلَ ويُصبحَ زمنًا خلاصيًّا بامتياز. فلأجلِنا يتجسَّدُ كلَّ يومٍ المُخلِّص.
بهذا الرُّوحِ وهذه العزيمةِ، لن نقولَ كما قالَ الشَّاعرُ: بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ. بل، ومع شكرِنا
الجزيلِ لفتحِ أبوابِ هذا الصّرحِ المباركِ لاستقبالِنا لتبادلِ تهاني العيد، سنقولُ بكلِّ الحبِّ، لكُم يا
صاحبَ الغِبطةِ، وللسّادةِ الأساقفة ولكلِّ الرؤساءِ والرئيساتِ العامِّينَ والإقليميين، والإخوةِ
والأخواتِ أجمعين واللُّبنانيينَ كافةً، وللعالمِ كلِّه: ميلاد مجيد وكلّ عامٍ وأنتم بخيرٍ وصحةٍ
وعافيةٍ وسلامٍ ومحبّة.
وتبقى صلاتُنا: نعم يا ربّ، أَعلِنْ لنا أيضًا السّلامَ الآن. حوّلِ اليومَ أيضًا كلَّ أدواتِ الحربِ
الى جسورِ محبةٍ وإلفةٍ (أشعيا 2، 4). ليولَدْ وطنُنا من تحتِ الرُّكام ومن قلب الضَّياع والفَساد،
ولتعُد جمهوريتُنا اللُّبنانية حاميةً وحاضنةً لأبنائِها ومواطِنيها. ساعِدْنا في عيدِ ميلادِك لكي
نُصبحَ بشرًا من أهلِ رِضاكَ، بشرًا على صورتِكَ، أهلَ سلامٍ ورجاءِ. آمين.