يفتخر قضاء عنكاوا، التابع لمحافظة أربيل في إقليم كردستان العراق، باحتضانه التجمّع الأكبر لمسيحيّي العراق، إذ يضمّ قرابة خمسة وسبعين ألف مسيحيٍّ من أبناء الكنائس الرسوليّة، الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة، فضلًا عن أبناء الكنائس الإنجيليّة.
فتحت عنكاوا ذراعيها لاستقبال النازحين المسيحيّين من مدن العراق وقُراه الملتهبة بعد 2003، وغدت هذه البلدة التي لطالما شكّل الكلدان الغالبيّة العظمى من أبنائها الأصليّين، جنينةً متنوّعة الأزاهير.
تزدهي عنكاوا بصروح كنائس وأديارٍ عدّة، لا سيّما الكلدانيّة، أقدمها كنيستها الأثريّة «مار كوركيس»، وكاتدرائيّة مار يوسف المشيّدة على الطراز البابليّ، وكنيسة مزار مار إيليّا. ودعا تزايُد أعداد المسيحيّين الملتجئين إلى عنكاوا إلى تشييد كنائس جديدة هي: كنيسة أمّ المعونة الدائمة، كنيسة الرسولين بطرس وبولس وكنيسة مار توما.
إلى جانب كاتدرائيّة مار يوخنا لكنيسة المشرق الآشوريّة، شيّد أبناء الكنائس الرسوليّة اللائذين بعنكاوا كنائس: أمّ النور للسريان الأرثوذكس، وسلطانة السلام للسريان الكاثوليك، والصليب المقدّس للأرمن الأرثوذكس. كما يضيّف مزار مارت شموني التابع لأبرشيّة أربيل الكلدانيّة كنيسة مارت شموني والقدّيسة حنّة للسريان الكاثوليك. وهناك أيضًا مزار للعذراء مريم ضمن عقار عنكاوا معروفٌ بمزار «مريمانا».
تحتضن عنكاوا أيضًا أديار رهبانيّاتٍ عدّة: دير راهبات بنات قلب يسوع الأقدس الكلدانيّات، دير مار يوسف للابتداء لراهبات بنات مريم المحبول بها بلا دنس الكلدانيّات، دير البشارة لراهبات القدّيسة كاترينة السيانيّة الدومنيكيّات، ودير الراهبات أخوات يسوع الصغيرات، فضلًا عن المجمّع العام للرهبنة الأنطونيّة الهرمزديّة الكلدانيّة ودير الآباء الدومنيكان.
ولعلّها تتفرّد بكونها تجمع اليوم مقرّات إيبارشيّة أربيل الكلدانيّة وأبرشيّة حدياب للسريان الكاثوليك وأبرشيّة الموصل وكركوك وإقليم كردستان للسريان الأرثوذكس، ومعهم مقرّ الكرسيّ البطريركيّ لكنيسة المشرق الآشوريّة.
وفي خلال زمن الألم والرجاء، يوم تسبّب احتلال داعش الإرهابيّ للموصل وقرى سهل نينوى وبلداته عام 2014، في تهجير مسيحيّيها، استقبلت إيبارشيّة أربيل الكلدانيّة قرابة 13,200 عائلة بحسب إحصائيّات أعلنها راعيها المطران بشّار متّي وردة. وفتح العنكاويّون يومها قلوبهم وبلدتهم بكنائسها وأديرتها ومدارسها وحدائقها، مستقبلين إخوتهم الباحثين عن ملاذٍ آمن.
الجدير بالذكر أنّ التنقيبات الأثريّة في تلّ قصرا الأثريّ، المتوسّط لعنكاوا اليوم، والمقابِل لكنيستها الأقدم «مار كوركيس»، عَدَّتهُ قصرًا لأمير أو موقعًا عسكريًّا، مُعيدةً لُقاه الأثريّة إلى العهود الآشوريّة المتأخِّرة، ما يعني أنّ المنطقة كانت مأهولة منذ 3500 عامٍ قبل الميلاد.
وتؤكّد أدلّة تاريخيّة عدّة دخول المسيحيّة الى حدياب (أربيل اليوم وما جاورها) قبل نهاية القرن الأوّل، على أيدي الرسولَين أدّي وماري، تلميذَي توما الرسول، لتنتشر وتزدهر بسرعة، رغم الاضطهادات.
عنكاوا مدينة الكنائس والأديار وملاذ مسيحيّي العراق الآمن
