عبود ترأس قداس عيد التجلي في القبيات

أُقيمت الذبيحة الإلهيّة لمناسبة عيد التجلّي، وبدعوة من العمل الرسولي في عكار، تحت أرزات القبيات، في منطقة شير الصنم – جبال القبيات، حيث اجتمع العشرات من المؤمنين من مختلف رعايا القبيات والمناطق والجوار للمشاركة في هذا اللقاء الروحي المميّز.
وترأس القداس رئيس رابطة كاريتاس لبنان الأب ميشال عبود، وشاركت في خدمة القداس المرنّمة ريموندا الخوري.
وألقى الأب عبود عظة قال فيها: “الله معكن جميعا، لقد اعتدنا في كل عام، وبدعوة من العمل الرسولي في عكّار، أن نلتقي معًا للاحتفال بعيد التجلّي. هذه المناسبة الروحية أصبحت موعدًا سنويًا ننتظره بشوق، حيث نترك منازلنا ونكرّس وقتنا لنلتقي في مكان مقدّس، نصلي فيه ونتأمل ونعيد تأكيد حضورنا على هذه الأرض المباركة”.
وقال: “أهمية الوقف الروحي: ان الإنسان بحاجة إلى وقفة مع ذاته، وهذا ما نطلق عليه “الوقف”. فكما نكرّس قطعة أرض باسم “وقف” لتكون مخصصة لله، نحن اليوم نكرّس وقتنا لله، ونقف أمامه بكل وعي وإيمان. هذه الوقفة ليست مجرّد اجتماع بشري، بل هي لحظة لقاء مع الله الحي. الكنيسة ليست فقط حجارة: نحن نشكر الله لأن قرانا وأحيائنا مليئة بالكنائس، لكن الكنيسة الحقيقية هي جماعة المؤمنين المتجمّعين حول كلمة الله. الكنيسة هي حيثما يكون هناك لقاء حيّ مع الرب، بالحب، بالصلاة، وبالرسالة.
قيمة الوقت مع الله: كل دقيقة نقضيها مع الرب هي وقت مبارك لا يضيع، بل يثمّر في حياتنا بركة واستعدادًا للحياة الأبدية. لذلك، كلّما التقينا في الإفخارستيا، نحن لا نؤدي واجبًا، بل نلتقي بالله ذاته الذي يتجلّى لنا بكلمته وبجسده ودمه.
كلمة الله في القراءات: كل قدّاس نشارك فيه يتضمّن قراءات مقدّسة، وكأننا نسأل الله: “يا رب، ماذا تريد أن تقول لي اليوم؟” فالكتاب المقدّس ليس مجموعة قصص، بل كلمة حيّة تُزرع في قلوبنا، تحتاج إلى تأمّل وصلاة لتثمر في حياتنا.
موقع عيد التجلّي في الليتورجيا: يأتي عيد التجلّي في السادس من آب، قبل أربعين يومًا من عيد الصليب، ليُذكّرنا بالرب يسوع الذي صعد إلى الجبل وتجلّى، ثم مات على جبل، وقام بعد ذلك وصعد إلى السماء. فالكنيسة ربطت هذا العيد بسر الفداء كله.
رمزية الجبل في الكتاب المقدس: الجبل هو مكان اللقاء مع الله. على جبل التجلي، تجلّى يسوع أمام ثلاثة من تلاميذه: بطرس ويعقوب ويوحنا. هؤلاء الثلاثة أنفسهم شهدوا أيضًا ضعفه في بستان الزيتون. فمن رأى مجده، رأى أيضًا ألمه، ليعلّمنا أن المجد لا ينفصل عن الصليب.
شخصيات التجلّي: موسى وإيليا: ظهر مع يسوع في التجلي كلّ من موسى وإيليا. موسى يمثّل الشريعة، وإيليا يمثّل الأنبياء. لكل منهما قصته العميقة في العهد القديم:
موسى نجا من القتل منذ طفولته، عاش تجربة الخوف والهرب، تحدّث مع الله، قاد الشعب، تسلّم الوصايا على جبل سيناء، وكُسرت الوصايا عندما خان الشعب الرب.
إيليا واجه ملوكًا وأنبياء كذبة، صعد جبل الكرمل متحديًا كهنة البعل، ودعا النار من السماء، لكنه أيضًا خاف، وتمنّى الموت، لكنه تلمّس يد الله التي شجعته، وأرسل له طعامًا وماءً ليقوّيه في مسيرته.
الرموز في حياة الأنبياء:
النار التي نزلت على مذبح إيليا ترمز إلى حضور الله الحي.
الاثنا عشر حجرًا تشير إلى رمزية الاكتمال: 12 سبطًا، 12 رسولًا، 12 شهرًا.
السراج الداخلي في الإنسان يضيء طالما زيت النعمة فيه، فإذا مات قيل “خلصت زيتاته”، أي فرغ من نار الحياة.
ضعف الإنسان وقوة الله: حتى الأنبياء، مثل إيليا، مرّوا بأزمات نفسية وروحية. تمنّى إيليا الموت، لكنه اختبر أيضًا رعاية الله الشخصية. هذه التجربة تُشبه الكثير من تجاربنا: أزمات وجودية، عائلية، اجتماعية، لكن يد الله لا تترك المؤمن أبدًا.
يسوع هو ملء الشريعة والأنبياء: في التجلّي، جمع يسوع موسى وإيليا، كما جمع التلاميذ، وأظهر لهم أنه هو المتمّم للشريعة والأنبياء، وأنه المسيّا المنتظر. التلاميذ الثلاثة الذين كانوا معه، لكل منهم قصة:
بطرس قال له يسوع: “أنت الصخرة”، لكنه أيضًا خاف وغرق عندما رأى الريح.
يعقوب ويوحنا طلبت أمهما أن يجلسا عن يمينه ويساره في الملكوت، فذكّرهم يسوع بأن الكأس التي سيشربها تنتظرهم أيضًا.
معنى التجلي لنا اليوم: التجلي ليس ذكرى ماضية فقط، بل هو دعوة لنا اليوم أن نرى مجد الرب في حياتنا، في ضعفنا، في صلواتنا، في جماعاتنا، في خدمتنا، في الكنيسة، وفي الإفخارستيا. الرب يتجلّى لنا، فهل نحن على الجبل لنراه؟ أم لا نزال في السهل، مشغولين بهموم الحياة؟”.