المونسنيور عبدو أبو كسم: زيارة قداسة البابا تمنح لبنان دفعاً جديداً على الساحة الدولية

لا يختلف اثنان على ان لبنان يمرّ بمرحلة دقيقة وحساسة جداً تجعل منه بلداً يقف على كفّ عفريت فيما الأزمات تلاحقه دائماً الا أنه وبالرغم من كل ذلك ينهض في كل مرة ويحلق كطائر الفينيق ويأبى الاستسلام.
وازاء الظروف الصعبة التي نعيشها، ينتظر اللبنانيون دولةً وشعبًا الزيارة التاريخية للحبر الأعظم قداسة البابا لاوون الرابع عشر المقررة هذا الأحد، خصوصًا أنها تعدّ أول زيارة رسولية في حبريّته، راجين أن تحلّ البركة وتضفي زيارته جرعة أمل على بلاد الأرز خاصة بعد العدوان الاسرائيلي والحرب المدمّرة.
للبحث في تفاصيل هذا الحدث المُنتظر أجرى موقع “الجمهورية” مقابلةً خاصة مع المنسق الإعلامي الكنسي لزيارة البابا الى لبنان ورئيس المركز الكاثوليكي للإعلام المونسنيور عبدو أبو كسم الذي أكد أن الرسالة الأساسية التي تحملها هذه الزيارة هي ذات طابع روحي نابع من الانجيل فالسيد يسوع المسيح قال لتلاميذه “طوبى لفاعلي السلام” فقداسة البابا يدعو اللبنانيين الى عيش السلام الانجيلي الداخلي بين مختلف أطياف الشعب اللبناني لانه عندما نستطيع عيش السلام الداخلي عندها نستطيع ان نكون صناع سلام.
هذا هو البُعد الروحي أما البُعد الآخر فهو اعادة لبنان الى خارطة الدول الفاعلة في العالم وبذلك يعطي لبنان دفعاً جديداً على الساحة الدولية فهي الزيارة الأولى التي يقوم بها الحبر الاعظم بعد انتخابه بابا خارج الفاتيكان فهو اختار المجيء ليؤكد ضرورة الحفاظ على هذا “الوطن الرسالة” كما سماه البابا القديس يوحنا بولس الثاني ولكي يجعل من لبنان واحة سلام وملتقى لكل الشعوب ولكل الحضارات ولكي يقول للعالم أجمع إن هذا البلد لا يجب أن يُمسّ به كما لا يجب أن يموت.

أما عن محطات الزيارة، فأكد المونسنيور أبو كسم أن الزيارة تحمل طابعاً رسمياً بدعوة من رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وأيضاً تلبيةً لدعوة أصحاب الغبطة البطاركة.
وأشار الى ان استقبالاً سيكون للحبر الأعظم في مطار بيروت لكن الاستقبال الرسمي الكبير سيكون في القصر الجمهوري في بعبدا سيحضره الى جانب رئيس الجمهورية وعقيلته رئيسا مجلس النواب والحكومة وكل الوزراء والرسميين وسفراء ورؤساء الطوائف في لبنان وبالطبع الحشود الشعبية ستملأ الطرقات المؤدية الى قصر بعبدا ترحب بالبابا.
أما يوم الاثنين سيقوم البابا بزيارة خاصة روحية الى دير مار مارون في عنايا ثم سيلتقي بالمكرّسين في مزار سيدة لبنان – حريصا وبعد الظهر يعقد لقاءً سيحضره رؤساء الطوائف المسيحية والاسلامية وعدد من المهتمين بالحوار المسيحي الاسلامي في “خيمة الحوار المسكوني” في ساحة الشهداء وسط بيروت وبعدها ينتقل الى بكركي للقاء شبيبة لبنان.
وفي يوم الثلاثاء سيزور البابا مستشفى دير الصليب ومن بعد ذلك يتوجه الى نصب الشهداء في مرفأ بيروت وهناك تقام صلاة صامتة ومن بعدها ينتقل للاحتفال بالقداس الالهي على الواجهة البحرية – بيروت وسيكون قداساً شعبياً ورسمياً كبيراً ثم ينتقل الى المطار للعودة الى الفاتيكان وتتضمن كل هذه المحطات التي ذكرناها برنامجاً مكثفاً ذات أبعاد راعوية ووطنية.
ماذا عن خطابات الحبر الأعظم؟ حول هذا السؤال يجيب المونسنيور أبو كسم قائلاً: “ليس لدينا نسخ عنها انما سيتطرق الى المواضيع التي يشارك بها فمثلاً سيتشارك والشبيبة الحديث عن همومهم ونحن بانتظار ما سيحمله من كلمات وتوجيهات في لقاءاته وليس لدينا اي نصوص في هذا المجال انما كلماته ستتمحور اجمالاً حول السلام والرجاء والعيش المشترك والعمل معاً والتحفيز على بناء لبنان”.
“علاقة البابوات باللبنانيين قديمة جداً”
وأشار المونسنيور أبو كسم الى أن علاقة البابوات باللبنانيين قديمة جداً فعلى مدى 27 سنة كان هناك ثلاث زيارات لـ”خلفاء بطرس” الى لبنان البابا يوحنا بولس الثاني والبابا بنديكتوس السادس عشر والبابا لاوون الرابع عشر وهذه دلالة على مدى أهمية لبنان في قلب البابوات والفاتيكان وأهميته في هذا الشرق فهم يعرفون لبنان وشعبه وكنيسته بكل أطيافها كم أنها ملتزمة وفي شراكة دائمة مع بابا روما”.
وقال: “ربما أثناء خدمة البابا لاوون الرابع عشر في أميركا اللاتينية نشأت علاقة وطيدة بينه وبين اللبنانيين المغتربين هناك وفي اي موقع في روما لكن يكفي انه اختار بيروت “الوجهة الأولى له” بعد انتخابه على السدّة البطرسية ليعرب عن محبته للبنان وشعبه وكنيسته.
“الزيارة لا بدّ ان تترك أثراً في نفوس كل اللبنانيين”
واستطرد المونسنيور أبو كسم: “طبعاً قد يكون لبنان ما بعد زيارة البابا مختلفاً عما قبلها ولكن باتجاه ايجابي لأنه في مفهومنا الروحي ان هذه الزيارة فيها من الإيمان وفيها من الحب والمحبة والسلام والرجاء ولا بدّ ان تترك أثراً في نفوس كل اللبنانيين خاصةً بعد أن يكون البابا قد التقى المرجعيات والأطياف اللبنانية كافة للتحفيز وللدفع قدماً بانقاذ لبنان من الأزمات التي يتخبط فيها، معرباً عن أمله في التوصل الى أمور ايجابية كثيرة تدفع بالوضع اللبناني الى الأمام والى الأفضل.
الى جانب الرمزية الكنسية والروحية لزيارة قداسة البابا، هل من دلالات سياسية لها في ظل الوضع الراهن في لبنان؟
في هذا الاطار يختم المونسنيور أبو كسم بالقول: “زيارات قداسة البابا راعوية وبعيدة عن السياسة وهو ليس برجل سياسي بل راعٍ للكنيسة الجامعة الرسولية في العالم ودائماً رسالة الكنيسة منذ نشأتها وفي كل الحقبات هي رسالة سلام وتدعو الى نبذ كل أشكال العنف والحروب ونبذ العنصرية والوقوف الى جانب الفقراء والمهمشين والى تقوية الضعفاء والكنيسة لا تتعاطى بالسياسة في مفهومها الضيّق ولا مصالح لها في العالم على اي مستوى الّا أن ترمي السلام بين الشعوب ولا أعتقد ان البابا سيعقد لقاءات سياسية خلف الكوليس من خارج البرنامج المعلن والواضح للزيارة والبروتوكول الفاتيكاني حريص على تطبيق البرنامج كما هو”.