جامعة الروح القدس احتفلت بعيد شفيعها عشية عيد العنصرة

احتفلت جامعة الروح القدس – الكسليك بعيد شفيعها، عشية عيد العنصرة ، في احتفال حمل عنوان “أضئ الطريق بشعلة الحكمة”، تخلله قدّاس ترأسه الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية الأب هادي محفوظ ، عاونه فيه أمين السر العام للرهبانية الأب طوني عيد، رئيس الجامعة الأب طلال هاشم. وشارك في القدّاس الآباء المدبّرون العامّون والمسؤولون العامّون والرئيس المنتخب للجامعة الأب جوزيف مكرزل ولفيف من الآباء، بحضور عدد من الفاعليات وأعضاء مجلس الجامعة وأسرتها التعليمية والإدارية. وخدمت القدّاس جوقة الجامعة بإدارة الأب ميلاد طربيه.
بعد الإنجيل، ألقى محفوظ عظة استهلّها بالتأكيد على فرحه العميق بلقاء العائلة الجامعية في “مكان جميل وعابق بالروح”، مشيرًا إلى أن “هذا الفضاء الروحي يرفع الإنسان فوق همومه اليومية، ويفتح له باب الدخول في أسرار الله والتأمل في حضوره”. وأكد أن “الإنسان معرّض دومًا للانشغال بيومياته ومشاغله، إلا أن الحل لا يكمن في الهروب منها، بل في العودة إليها بروح الله”، مستشهدًا بحدث العنصرة كما ورد في سفر أعمال الرسل، حين حلّ الروح القدس على التلاميذ كألسنة من نار، ومنحهم نعمة الانطلاق برسالة الروح في الحياة اليومية إلى العالم أجمع. وشدد على “أهمية حضور الروح في العلاقات اليومية، وعلى ضرورة فحص الذات لمعرفة مدى تجلّي ثمار الروح، كالمحبة والوداعة وغيرها، في التعامل مع الآخرين، خاصة في جامعة “الروح القدس” التي يفترض أن تكون مرآة لهذا الحضور”.
وشدد على أن “الرهبانية اللبنانية المارونية تواكب جامعة الروح القدس – الكسليك بنبضها ورسالتها”، مشددًا على أن “الجامعة تبقى وفية لقيم الجودة، ولخدمة الإنسان بكل أبعاده الأكاديمية والروحية والإنسانية”.
وشكر رئيس الجامعة الأب طلال هاشم، مثنيًا على جهوده خلال ست سنوات من الرئاسة، “واجه فيها أزمات جسيمة مثل جائحة كورونا، والانهيار الاقتصادي، وتداعيات الحروب، لكنه تمكّن من التصدي لها “بنشاط وروح رهبانية أصيلة” برفقة فريق عمل مميز، ما عكس قيم الرهبانية وأمانتها لرسالتها”. وعبّر عن فخره الكبير بالجامعة وعائلتها، مؤكدًا أن “المسيرة ستستمر بروح الروح القدس، الذي تحمل الجامعة اسمه، “ليظلّ لغة التفاهم بين الجميع ودافعًا للتفكير في المرحلة المقبلة”.
ختامًا، هنّأ محفوظ الرئيس المنتخب للجامعة، متمنيًا له التوفيق في مهمته التي تبدأ في 7 تموز، كما خصّ بالشكر الأب ميلاد طربيه على عمله المتقن في قيادة الجوقة، موجّهًا تحية لجميع أعضائها، ومثمّنًا انتماء والتزام العائلة الجامعية في دفع رسالة الجامعة قدمًا.
هاشم
بعد القداس، ألقى رئيس الجامعة الأب طلال هاشم خطابه السنوي. واستهله بالتشديد على “أنّ هذه المناسبة تشكّل لحظة جوهريّة في الإيمان المسيحي وذكرى متأصلة بعمق في هوية جامعتنا ورسالتها، وفرصة للاستماع إلى همسات الروح القدس وتذكرنا بمن دعينا أن نكون”.
وتحت شعار “ولكن متى جاء روحُ الحقّ، فهو يُرشِدُكم إلى الحقِّ كُلِّه”، عرض حصيلة ستّ سنوات من العمل المشترك تحت عنوان: “ست سنوات من الرسالة (الأهداف)، التقدّم، والإمكانات”. وأكد أنّ “الجامعة واجهت تحديات وطنيّة غير مسبوقة منذ بدء ولايته، منها الانهيار الاقتصاديّ، وجائحة كورونا، وانفجار مرفأ بيروت، لكنها ظلّت وفيّةً لهويّتها ورسالتها الأكاديميّة والاجتماعيّة”. واستعرض “رؤية رئاسية طموحة تمحورت حول أربع أولويّات: الصمود، الابتكار، الشموليّة، والخدمة. وأشار إلى خطوات تحوّل مؤسّسيّ واستراتيجيّ اعتمدت تعزيز التميّز الأكاديمي، التحوّل الرقمي، الانخراط المجتمعي، ودعم الهيئتين الأكاديميّة والإداريّة، فضلًا عن تجديد العقد الاجتماعيّ مع المجتمع اللبنانيّ”.
ورأى أنّ “هذه الرؤية لم تكن جامدة، بل خريطةُ طريقٍ حيّة تكيّفت مع الأزمات، وانطلقت من قناعةٍ بأنّ الجامعة مدعوّة للقيادة وخدمة المجتمع في زمن التحوّل”.
وقال: “في خضم الأزمات، قادت الجامعة الروح القدس – الكسليك، مسارًا تحويليًا شاملاً، تمثّل في إعادة هيكلتها إداريًا وأكاديميًا، وتعزيز المكانة العالمية للجامعة واعتماد نهج حوكميّ يرتكز على الشفافية والفعالية. كما أنشأت الجامعة لجنة لإدارة الأزمات وأعادت تنظيم المكاتب والوحدات الإدارية لتعزيز الأداء، بينما خضعت إدارة الموارد البشرية لمراجعة جذرية. وتم تطوير البرامج الأكاديمية، وإطلاق برنامج تأسيسي متعدد التخصصات، مع التركيز على مواءمة التعليم مع سوق العمل… وعلى صعيد الاعتماد، جامعة الروح القدس – الكسليك تسعى للحصول على الاعتماد الأكاديمي والاعتراف المؤسسي. حصلت الجامعة على أهليّة التقدم للاعتماد من هيئة نيو إنجلاند لاعتماد التعليم العالي (NECHE) في 2021، ثم نالت صفة الترشيح في 2023. وبفضل استدامتها المؤسسية وحوكمتها المالية القوية، تم تقليص فترة الترشيح من خمس سنوات إلى سنتين ونصف. تلقت الجامعة زيارة الاعتماد الاستباقية في الفصل الدراسي الثاني 2024-2025، ومن المتوقع أن تخضع للتقييم الذاتي وزيارة الاعتماد الأولى في الفصل الأول 2025-2026. في الوقت نفسه، جُدّد اعتماد خدمات دعم الطلاب (Matrix)، واعتماد ABET لبرامج الهندسة والمعلوماتية، واعتماد TEPDAD للبرنامج الطبي، بالإضافة إلى الاعتماد الأوروبي المؤسسي والبرامجي من وكالة evalag”.
أضاف: “كما جُدّد مؤخرًا معادلة شهادة الماجستير في الهندسة المعمارية بدبلوم فرنسي، مستمر منذ 2015-2016، ويستمر الاعتماد الدولي لبرامج الهندسة المعمارية حتى 2025 من الهيئة الوطنية للاعتماد (NAAB) في موازاة ذلك، شهد البحث العلمي نهضة ملحوظة، تجلّت في إنشاء وحدات بحثية ومختبرات جديدة وزيادة الإنتاج المنشور وتسجيل براءات اختراع. وأطلق أيضًا مكتب نقل التكنولوجيا الذي عزّز الابتكار وربط البحوث بالسوق، فيما توسّعت الشراكة مع القطاع الخاص عبر مبادرات نوعيّة شملت تأسيس مختبرات مشتركة، وبرامج تدريبية، ومشاريع ابتكار. وجرى أيضًا إنشاء مركز لتطوير المهارات في المناطق الريفية، ما عمّق البعد المجتمعي للجامعة. ورغم هجرة الكفاءات، حرصت الإدارة على استبقاء الطاقات الأكاديمية من خلال خطة تعويضات تمتد حتى 2027، وتخصيص مسارات مهنية للأساتذة. كذلك، أعيد تفعيل قسم الموارد البشرية وتحديث السياسات والنظم لدعم بيئة أكثر عدلاً وشمولي”.
وتابع: “الطلّاب كانوا في صلب هذه التحوّلات: من هيكلة مكاتب الدعم، إلى تطوير خدمات القبول والإرشاد المهني والنفسي، مرورًا برقمنة الامتحانات، وتحديث البنى الرقمية والتعليمية عبر مشاريع ذكية رائدة. وفي قلب هذا المسار، أُطلقت مبادرة لتجديد الهوية المؤسسية، عزّزت الحضور الرقمي ورفعت نسبة التفاعل. وتأسس مركز الكتابة لدعم المهارات الأكاديمية، بينما وضعت خطة مالية لضمان استدامة الموارد، وتسوية الالتزامات السابقة، وضمان الرواتب بالدولار النقدي”.
وأكد أن ما “تَسلّمه عام 2019 لم يكن منصبًا إداريًّا فحسب، بل أمانة مقدسة ومتجذرة في الروحانية المارونية العريقة، وفي تقليدٍ يجمع بين التأمّل والعمل، وبين الإيمان والخدمة”.
وأنه اختار أن يقود الجامعة برؤية غير تقليدية، واضعًا نصب عينيه تجديد الهوية من دون التفريط بالجذور. فقاد مشروعًا إصلاحيًّا شاملًا أعاد تعريف التعليم، ووسّع من مفهوم الجامعة كمؤسسة راعية للفكر، وملاذ للكرامة الإنسانية. ومن أبرز ملامح هذه المرحلة، إعادة التفكير في أساليب التعليم خلال الجائحة، وإطلاق مبادرات رائدة مثل “التعليم للجميع”، المستوحاة من المبدأ الكنسي بأن كل إنسان يحمل كرامة إلهية وله الحق في التعلم. كما تحوّل الحرم الجامعي إلى مساحة للّجوء والدعم، عبر حملات التلقيح والمساعدات المالية والاجتماعية للطلاب وعائلاتهم.
وأكّد أن “روح الجماعة، لا التراتبية، هي ما يُعطي للجامعة معناها الحقيقي. طلابها ليسوا مجرد متلقين بل إخوة في الإنسانية، والأساتذة ليسوا فقط معلّمين بل رعاة للعقول، والموظفون شركاء في رسالة خدمة الإنسان. من هذا الإيمان بالانتماء الجماعي، انبثقت ديناميّة الصمود والابتكار والتحوّل”. وشكر كل من رافقه في هذه المسيرة، من مجلس الأمناء والرهبانية اللبنانية المارونية، إلى أفراد الهيئة التعليمية والإدارية، مرورًا بالشركاء الجدد، والطلاب الذين وصفهم بـ”المعجزة الحقيقية” في وجه الأزمات.
وشدّد على أن جامعة الروح القدس – الكسليك باتت اليوم أكثر مرونة في الحوكمة، وأكثر انفتاحًا على البحث والشراكات، وأكثر التزامًا برسالتها كمؤسسة كاثوليكية مارونية في خدمة لبنان والكنيسة والإنسان. وأكد ثقته بأن الجامعة ستواصل السير قدمًا، من خلال تعميق عهدها الاجتماعي، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، ودعم الإصلاح الوطني، وتجديد هويتها الكنسية عبر الرحمة والعدالة والمعرفة.
وختم كلمته ببركة من القلب للجامعة، داعيًا أن تبقى منارةً في زمن الظلمة، وملاذًا للطلاب، وحصنًا للضعفاء. وقال: “ليظل قادتها جريئين، وطلابها كرماء، ورسالتها خالدة”، آملاً أن تكون المرحلة القادمة أجمل مما كُتب معًا.
ثم أقيم كوكتيل في الباحة الخارجية للجامعة ، في أجواء احتفالية، حيث تبادل الحضور التهاني وتعززت روح الانتماء والتلاحم بين أفراد الأسرة الجامعية.