يُصادف اليوم، 20 مايو/أيّار، الذكرى الـ1700 لانطلاق المجمع المسكونيّ الأوّل في نيقيا (في تركيا حاليًّا) الذي دعا إليه الإمبراطور قسطنطين الكبير بهدف توحيد الكنيسة وإنهاء خلافاتها، بما يعزّز وحدة الإمبراطوريّة الرومانيّة. وقد لاقت هذه الدعوة ترحيبًا من قادة الكنيسة الذين اعتبروها سندًا لسلطتهم المُعترف بها منذ عام 313م، لا تعدّيًا عليها، ولا سيّما أنّها جاءت بعد حقبة من التضييق والتهميش للمسيحيّة، علمًا بأنّ الأباطرة (لا الأساقفة) هم مَن دعوا إلى انعقاد المجامع المسكونيّة الثمانية الأولى.
في حديثه إلى «آسي مينا»، يجيب النائب العامّ الأسقفيّ لكنيسة اللاتين في سوريا الأب ريمون جرجس الفرنسيسكانيّ عن التساؤلات (القديمة-الجديدة) بشأن علاقة الكنيسة بالدولة أو بالسياسة، فيقول: «الدولة مؤسّسة تنبع من الطبيعة الاجتماعيّة للإنسان. والغاية منها هي الصالح العامّ الزمنيّ للمجتمع المدنيّ؛ إنّه ليس خيرًا مادّيًّا فحسب، بل هو روحيّ أيضًا، لأنّ أفراد المجتمع هم أناس لهم أجساد وأرواح. ويتطلّب التقدّم الاجتماعيّ – بالإضافة إلى الوسائل المادّيّة – العديد من الخيرات الأخرى ذات الطبيعة الروحيّة: السلام والنظام والعدالة والحرّية والأمن، وما إلى ذلك. ولا يمكن تحقيق هذه الخيرات إلّا من خلال ممارسة الفضائل الاجتماعيّة التي يجب على الدولة تعزيزها وحمايتها، كالأخلاق العامّة مثلًا».
ويضيف: «إنّ التمييز بين المجالين الدينيّ والسياسيّ يعني ضمنًا أنّ الدولة لا تتمتّع “بالقدسيَّة” وليس من مهمّتها إرشاد الضمائر، فالأساس الأخلاقيّ للسياسة يكمن خارجها. ومن جهة أخرى، لا تملك الكنيسة صلاحيّة الإشارة إلى أيّ شيء في المجال السياسيّ، لأنّ الانتماء إليها، من الناحية المدنيّة، هو طوعيّ، وقوّتها ذات طبيعة روحيّة، ولا تقترح أيّ حلّ سياسيّ. فالدولة والكنيسة تؤدّيان وظائف متميّزة، وهذا يستلزم حرّية دينيّة واجتماعيّة».
ويستنتج جرجس أنّ «الدين والسياسة مجالان مختلفان؛ ولكن ليسا منفصلين، لأنّ المؤمن والمواطن هما الشخص نفسه وعليهما الالتزامات نفسها. ولكن من الضروريّ أن يتعلّم المؤمنون التمييز بعناية بين الحقوق والواجبات التي تقع عليهم، متذكّرين أنّه يجب عليهم، في كلّ الأمور الزمنيّة، أن يسترشدوا بالضمير المسيحيّ. من الضروريّ أن يتألّق هذا التمييز وهذا الانسجام بأكبر قدرٍ ممكن من الوضوح في طريقة عمل المؤمن».
ويتابع جرجس: «”أَدُّوا إِذًا لِقَيصَرَ ما لِقَيصر، وللهِ ما لله” (متّى 22: 21). تلك الكلمات تلخّص الطريقة التي يجب على الكاثوليكيّين أن يعيشوا بها تعليم الربّ، وبالتالي فإنّ العلاقات بين الكنيسة والدولة تنطوي على تمايز دون انفصال، واتّحاد دون اختلاط. ستكون العلاقات صحيحة ومثمرة إذا أطاعت ثلاثة مبادئ أساسيّة: قبول وجود مجال أخلاقيّ يسبق المجال السياسيّ ويبلغه؛ التمييز بين مهمّة الدين ومهمّة السياسة؛ وتشجيع التعاون بين الطرفين».
ويؤكّد جرجس في ختام حديثه أنّ الكنيسة لا يُمكنها، ولا ينبغي لها أن تضع نفسها في مكان الدولة. لكنّها لا تستطيع ويجب ألّا تبقى على الهامش في النضال من أجل العدالة. وبهذا المعنى، يحقّ للكنيسة ومن واجبها تعليم عقيدتها الاجتماعيّة، وممارسة رسالتها بين الناس دون عوائق، وإصدار حكمها الأخلاقيّ، حتّى في الأمور التي تتعلّق بالنظام السياسيّ، عندما يكون ذلك مطلوبًا.
بعد 1700 عام على مجمع نيقيا… هل تغيّرت أسس العلاقة بين الكنيسة
