المطران العنداري: خراب لبنان والانجرار الى المساندة لا يحرران طريق القدس

أكد رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع أن “محور الممانعة يزجّ بلبنان في حربٍ عبثيّةٍ لا أفق لها. وهي حربٌ يرفضها اللبنانيون وفرضتْ عليهمْ فرْضاً، ولا تمتّ إلى قضاياهمْ ومصالحهم بصلة ولا تخدم إلا مشاريع ومخططاتٍ خارجيّة”، مشيراً إلى أن “هذه الحرب التي انخرط فيها حزب الله يجب أن تتوقّف قبل أنْ تتحوّل إلى حربٍ كبيرٍة لا تبقي ولا تذر”. وسأل: “كيف يسمح حزب الله لنفسه بأخذ اللبنانيين إلى حيث لا يريدون وإلى حيث يريد هو فقط وبما يخدم مشروعه وارتباطاته. منْ أجاز لحزب الله واعطاه التفويض لأنْ يصادر قرار اللبنانيين وحريّتهمْ ويحتكر قرار الحرب والسلم، وكأنّ لا دولة ولا حكومة ولا سلطة ولا مؤسساتٍ ولا شركاء له في البلد، ولا شعب حتى”.
وأعلن أنه “إذا كان البعض يريد تعديل الدستور فلا مانع لدينا. فلننتخبْ رئيساً للجمهورية أولاً، وتبعاً للدستور، وبعدها نحن جاهزون، لا بلْ ندعو، الى طاولة حوارٍ وطنيّةٍ فعليّةٍ في قصر بعبدا حيث نطرح كلّ شؤوننا وشجوننا الوطنيّة، يتركّز النّقاش فيها على عنوانٍ أوحد: أيّ لبنان نريد؟ ونتّفق على أنّنا لنْ نخرج منْ هذا الحوار كما خرجنا من كل الحوارات السابقة، فيما البلد يواصل انهياره، ومؤسساته تتآكل، وشعبه يموت ويهاجر”، مشدداً على أنه “حان الوقت لأنْ نحسم النقاش حول الأمور الخلافية الأساسيّة التي تمنع قيام دولةٍ فعليّةٍ وتبْقي لبنان ساحة فوضى وفسادٍ وعدم استقرار”.
كلام جعجع جاء خلال القداس السنوي الذي نظمه حزب “القوات” لراحة أنفس شهداء المقاومة اللبنانيّة، في معراب تحت عنوان “الغد لنا”، ورعاه البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ممثلاً براعي أبرشية جونيه المارونية المطران أنطوان نبيل العنداري.
وحضر القداس الذي ترأسه ممثل البطريرك الراعي، بطريرك الأرمن الكاثوليك ممثلاً بالمطران كريكور باديشاه، بطريرك الأرمن الأرثوذكس ممثلاً بالارشمندريت استيفانوس باشايا، بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك ممثلاً بالأب فادي نعمان، بطريرك السريان الكاثوليك ممثلاً الأب دافيد ملكي، كما مثل المونسنيور رافاييل طرابلسي راعي الكنيسة الكلدانية في لبنان، المطران غي بولس نجيم، مطران جبل لبنان للسريان الأرثوذكس ميخائيل شمعون.
وشارك ايضاً النائب العام للرهبانية المريمية المارونية الأباتي بيار نجم والمدبر الأب طوني فخري من الرهبانية اللبنانية المارونية والمدبر جان مارون الهاشم من الرهبانية المريمية بالإضافة الى عدد من ممثلي المطارنة وحشد كبير من الكهنة من مختلف المناطق والرهبانيات.
وعاون المطران العنداري على المذبح الآباء أيوب شهوان، بطرس بو ناصيف، إدمون خشاب، وربيع الشويري ومطارنة.
العنداري
بعد تلاوة الانجيل المقدس، تلا المطران العنداري عظة بعنوان “فإنّنا بالرجاء خلّصنا “، وقال: “نلتقي في هذا الأحد الأوّل من شهر أيلول، للاحتفال بالقدّاس الإلهي، إحياءً لذكرى شهداء المقاومة اللّبنانيّة، وببركةٍ ورعايةٍ أبويّة من صاحب الغبطة والنيافة مار بشارة بطرس الراعي ألكلّي الطوبى الذي أولانا تمثيله في هذه الذكرى السنويّة، وشعارها الغد لنا”.
ولفت إلى أن “الكتاب المقدّس يحتوي على رسائل ملهمة، مشجّعة، ومعزّية في غمرة النزاعات والاعتداءات والحروب والأوبئة والكوارث الطبيعيّة، ولأنّه ليس من السهل على الإنسان أن يبقى متفائلاً ومفعماً بالرجاء وسط الأحداث المقلقة من أين أتت سواء من الداخل والخارج، هناك سلسلة وقائع تجعله يرتاب في أمر الغد”.
ورأى أنه “عندما تبدو الحياة اليوميّة قاتمةً والمحن العديدة التي يجب مواجهتها، يذكّرنا الكتاب المقدّس بضرورة الإيمان باللّه والرجاء الذي يساعدنا على تجاوز المعاناة والتطلّع بتفاؤلٍ إلى كلّ أمرٍ مستجد، ليتحقّق الغد لنا”.
وتابع: “استيحاءً من شعار المناسبة، الغد لنا، نتأمّل بمراجع كتابيّة أربعة، أوّلها ما قال أشعيا النبي: “أمّا الراجون للربّ فيتجدّدون قوّةً، يرتفعون بأجنحة النسور، يعدون ولا يعيون، يسيرون ولا يتعبون ” (أش40: 31). ويؤكّد لنا قداسة البابا فرنسيس أنّ الرجاء يرتقي بالعالم ليفتح الثغرات ويبني الجسور ليبدّد الهواجس. وثانيها أوّليّة فضيلة الإيمان بحسب تعببير بولس الرسول إلى أهل روما: ” وليملأكم إله الرجاء كلّ فرحٍ وسلام في إيمانكم، لتزدادوا في الرجاء بقوّة الروح القدس ” (روم15: 13). وبالتالي فمن له الإيمان، يضع رجاءه بربّه. إنّ فضيلة الإيمان هي أولى الفضائل كي تتعمّق حقيقة اللّه فينا بملء نوره وسرّه. وثالثها متابعة الالتزام بالأهداف والمثل العليا، وفق ما جاء في رسالة القدّيس بولس الثانية إلى قورنتس: ” لا تضعف عزيمتنا… لأنّ ضيقنا الخفيف العابر يعدّ لنا ثقل مجدٍ أبديٍّ لا حدّ له. لأنّنا لا ننظر إلى ما يرى، بل إلى ما لا يرى، فما يرى مؤقّت، وما لا يرى أبديّ ” ( 2قور 4: 17-18 ). ولقد جاء في كتاب الأمير الصغير للكاتب الفرنسي Antoine De Saint-Exupéry : ” الأساس غير مرئيٍّ في العيون، فلا نراه جيّداً إلاّ في القلب”. أجل، هكذا هي طبيعة الأهداف والمثل في الحياة. ويعقّب قداسة البابا على هذا القول: ” عش لأمرٍ يتجاوز الإنسان، وإذا كان عليك أن تدفع فاتورةً باهظة من أجل هذه الأهداف، احملها دائماً في قلبك. بالأمانة لها تحصل على كلّ شيء”.
وأشار إلى أن “المرجع الرابع يتمحور حول عدم الخوف. إذا أخذك الخوف يوماً أو إذا فكّرت أنّ الشرّ كبيرٌ ويصعب مواجهته، يقول قداسته: ” فكّر بكلّ بساطةٍ أنّ الربّ معك ويحيا فيك. فهو الذي بعذوبته، يخضع من خلالك، أعداء الإنسان: كالخطيئة، والأحقاد والكراهيّة والعنف وكلّ الأعداء “. وجاء في سفر إرميا النبي: ” لأنّي أعلم أنّ أفكاري التي أفكّرها في شأنكم، يقول الربّ، هي أفكار سلامٍ لا بلوى، لأمنحكم بقاءً ورجاءً ” (إر 29: 11 )”.
وأكد أن “عظة السيّد المسيح أتت على الجبل لترسم خريطة طريق الرجاء عبر الطوبى للمساكين بالروح، والودعاء، والحزانى، والجياع والعطاش إلى البرّ، والرحماء، وأنقياء القلوب، وفاعلي السلام، والمضطهدين من أجل البرّ. إنّها البطولة في سلوك الراجين للربّ درب التطويبات”.
وشدد العنداري على أن “الغد لنا” هو “إرادة الحياة والعمل في سائر مرافق الحياة الوطنيّة، نحن نرجو ونريد دولةً في خدمة الإنسان، نريد رجاءً جديداً للبنان، بحسب تعبير البابا القديس يوحنا بولس الثاني في الإرشاد الرسولي الذي يرى في لبنان وطناً طالما اتّجهت إليه الأبصار، وطناً مهد ثقافةٍ عريقة وإحدى منارات البحر الأبيض المتوسّط، وطناً كبيراً، واحداً موحّداً، لا نريد تغيير أو تزوير هوّيته، ولا نريد خطب الأكاذيب والكراهيّة، إنّها مهمّةٌ مشتركة، مهمّة الولاء للبنان من دون الولاء لسواه”.
واعتبر أنّ “قيام الرجاء الجديد للبنان يتطلّب مواجهة صعابٍ ستّة وردت في الإرشاد الرسولي ولا تزال هي: الوضع في الجنوب، الاقتصاد، قوى الأمر الواقع، التهجير القسري، التطرًّف، والإحباط، لذلك لا بدّ في الغد لنا من دولةٍ قويّة وأقوياءٍ، لا دولة الاستقواء ولا دولة الاستلزام والانحطاط. دولةٌ لا تحمي الفساد وتستعيد الأموال المنهوبة، دولة القانون والحسّ المدني والحضارة، دولةٌ تشجّع وتعزّز رأس مالنا أي العلم والثقافة والتربية وتحصّنها من الانحدار، دولة قوّة الحرّية والديموقراطيّة بسلطاتها الدستوريّة. دولة الاستقرار والقرار يرفرف علمها على كلّ الربوع اللّبنانيّة. دولةٌ لا دويلات. مجلسٌ نيابيٌّ ينتخب رئيساً للجمهوريّة لا يطعن الهويّة اللّبنانيّة. مجلسٌ يشترّع ويحاسب ولا يعطّل. حكومةٌ تحكم، لا تساير أو توارب. قضاءٌ يعدل ولا يحابي أو يرتهن. قضاءٌ يكمل الملفّات العالقة”.
وسأل: “أين أصبح التحقيق في تفجير مرفأ بيروت؟ أين وصل التحقيق في الجرائم المتتالية من الياس الحصروني إلى باسكال سليمان والأحداث المحلّية المتنقّلة؟ أيّها المتحفون بالنظريّات والكلمات والانصياع إلى الجهات على أنواعها، أين أنتم من النزوح السوري وخطورته؟، نريد في رجائنا للبنان النصرة للمظلومين والتضامن لقضيّة فلسطين، ولكن أين بقيّة الساحات؟ إنّ خراب الوطن اللّبناني ودماره والانجرار إلى المساندة لا يحرر طريق القدس على حساب أهلنا في الجنوب شعباً وأرضاً واستباحةً للأجواء اللّبنانيّة”.
وتوجه المطران العنداري الى أهل جنوب لبنان بالقول: “يا أهلنا في الجنوب أنتم سياج الوطن، نحن أبناء الوطن الواحد معكم في معاناتكم وتضحياتكم. رجاؤنا ألاّ يطول هذا العنف الوبال لتشرق شمس السلام والأمان”.
وقال: “أمام الارتباط والتجذر بالأرض، هل نعي أنّ أرضنا هوّيتنا؟ إنّ قيمة الأرض في وجداننا لم تعد ملكاً نتصرّف ونتاجر به على هوانا، بل هي عطيّة من اللّه، وإرثٌ من الآباء والأجداد كوديعةٍ ثمينة أو ذخيرةٍ مقدّسة. والتعامل مع هذا الإرث هو أكثر بكثيرٍ من الثمار والمواسم. لقد أصبحت الأرض ذاكرةً حيّة تؤكّد هويّتنا الخاصّة وتواصلنا بالتاريخ، هي أرضٌ مقدّسة مرويّةٌ بعرق الجبين والدم، وترابها رفات أهلنا. أرض وطأها السيّد المسيح في صور وصيدا، أرض القديسين والطوباويين أمثال شربل ونعمةالله ورفقا واسطفان نعمه ويعقوب الكبوشي والبطريرك اسطفان الدويهي. هل نترك الساحة لباعة الهيكل يتاجرون بها لنستفيق يوماً، وهو ليس ببعيد، لنصبح أغراباً في ديارنا؟”.
وأكّد أنّ “رجاء الغد لنا يتمثّل بمن يردّ الشباب إلينا غير قابعين على أبواب السفارات للهجرة وراء لقمة العيش، رجاء الغد لنا أن يكون مجتمعنا متمسّكاً بالعائلة، بالأخلاق والقيم، ورهافة الضمير، لا جندرة ولا من يحزنون، أن يكون العمل بديلاً من البطالة، المساواة بديلاً من التصنيف، المدنيّة بديلاً عن الطائفيّة، العدالة بديلاً عن الظلم، الكفاءة بديلاً عن المحسوبيّة، العلم والدواء في متناول الجميع. الغد لنا ليس جمهوريّةٌ افلاطونيّة بل جمهوريّة بناء الإنسان، المواطن الحرّ والمسؤول من الدرجة الأولى، من النخبة، لا من المتنطّحين والفاسدين”.
وختم العنداري: “أللّهم أنت رجاؤنا وخلاصنا. أنقذ لبناننا من الأخطار المحدقة بنا. بك ومعك، الغد لنا آمين!”.