في تمام الساعة السادسة من مساء يوم الخميس 30 تشرين الأول 2025، التقى غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، شبيبة أبرشية بغداد السريانية الكاثوليكية، في لقاء بعنوان “مع الراعي نجدِّد الرجاء”، وذلك في قاعة كنيسة مار بهنام وسارة، في حيّ الغدير – بغداد.
حضر اللقاء صاحب السيادة مار أفرام يوسف عبّا، والمونسنيور حبيب مراد، فضلاً عن الآباء كهنة أبرشية بغداد: الخوراسقف أفرام كذيا، والأب بولس زرّا، والأب بطرس دردر، والشمّاس الإكليريكي وسيم زرّا، والشبّان والشابّات أعضاء لقاء الشبيبة من مختلف رعايا أبرشية بغداد.
افتُتِح اللقاء بصلاة شكر للرب ودعوة إلى عيش الرجاء في هذه السنة اليوبيلية المخصَّصة للرجاء.
وألقى الأب بولس زرّا، مسؤول الشبيبة في الأبرشية، كلمة عبّر فيها عن فرح الشبيبة بلقاء الأب والرأس والراعي للكينسة السريانية الكاثوليكية في العالم، طالباً بركة غبطته للشبيبة، ومستعرضاً أبرز الأعمال والنشاطات التي تقوم بها شبيبة الأبرشية، والتي تهدف إلى تعزيز حضورها في هذا البلد، أرض الآباء والأجداد، بالرغم من الصعوبات والتحدّيات.
كما توجّه الشمّاس الإكليريكي وسيم زرّا، منسّق لقاء الشبيبة، بكلمة ركّز فيها على أهمّية الرجاء في حياة المؤمن، ولا سيّما الشبيبة، معرّفاً بفقرات هذا اللقاء ومضمونه.
ووجّه غبطة البطريرك كلمة أبوية إلى الشبيبة، شكر في مستهلّها “الأب بولس زرّا على كلماته العميقة بتأمُّله عن إيماننا ورجائنا وانتمائنا لكنيستنا في هذه الأبرشية العزيزة”، متوقّفاً عند “راعي الأبرشية سيدنا مار أفرام يوسف عبّا، والذي نعرفه منذ سنوات طويلة عندما قَدِمَ إلى كندا عام 1997، وكنّا حينها مطراناً للولايات المتّحدة الأميركية وكندا، فاتّكل أبونا يوسف عبّا على الله ونعمة الرب يسوع، وخدم جماعتنا المنتشرة في مدينة تورونتو وضواحيها، مع أنّها كانت أول زيارة له، وكان يحتاج للعمل ودراسة اللغة الإنكليزية والتأقلم مع قوانين تلك البلاد. وضع يده بيد الرب، وخدم وأسّس بشراء أول كنيسة لنا أيضاً في ضواحي تورونتو. ثمّ دعاه الرب للخدمة الأسقفية هنا في بغداد، خلفاً للمثلَّث الرحمات المطران مار أثناسيوس متّي متّوكة الذي توفّي في آذار الماضي، ساعياً جهده كي ينهض بهذه الأبرشية، رغم الصعوبات والتحدّيات الكبيرة التي تعرفونها جيداً”، شاكراً “أيضاً الآباء الكهنة الذين يخدمونكم بكلّ تفانٍ وحنان ومرافقة كهنوتية حقيقية وأمانة وتواضُع، لأنّهم كانوا ولا يزالون يفهمون أنّ الدعوة الكهنوتية هي دعوة اتّباع الرب يسوع لخدمة شعبه”.
وكلّم غبطته الشبيبة، فقال: “شبابنا، تأكَّدوا أنّه من أهمّ وأسعد لحظات خدمتنا نحن كبطريرك وكمطران وككهنة وكشمامسة، أن نكون بينكم، أحبّاءنا الشبّان والشابّات الموجودين بيننا في هذا المساء. سمعنا كلمات تذكِّرنا بواقعنا المرير هنا في العراق، مثل باقي البلدان في الشرق الأوسط: خوف، شكّ، ارتياب، قلق، تساؤل للمستقبل، وكلّ هذا لا يمكننا أن ننكره. لكن في الوقت عينه سمعنا كلمات مشجِّعة، ونستطيع القول إنّها تُختصَر بالفرح رغم كلّ شيء، افرحوا دائماً، كما يعلّمنا مار بولس. مهما كانت ظروف حياتنا والصعوبات والضيقات والمضايقات والتحدّيات، أكان لحاضرنا اليوم، أو لمستقبلنا، فعلينا أن نكون جماعة فرح تنشر الفرح، لأنّ الرب يسوع خلّصنا وأعطانا وعده أن يكون معنا على الدوام”.
واستذكر غبطته أنّه “حين كنتُ كاهناً، ككهنتنا الأعزّاء اليوم، كنتُ أيضاً مربّياً في التعليم المسيحي في الثانويات وفي مراكز أبرشية الجزيرة في سوريا، كما كنتُ نائب مدير في الإكليريكية في دير سيّدة النجاة – الشرفة في لبنان. نريد أن يكون الشبّان والشابّات، مهما كانت ظروف حياتهم، رسلاً لنشر الفرح، لأنّ إيماننا ليس فقط مقتصراً على حياتنا على الأرض، والتي فيها الكثير من الآلام والضيقات. كثيراً ما نسمع بأصدقاء أو أقارب لنا يتوفّون بعمر الشباب، ونسمع بالضغوطات التي نعيشها هنا، ونسمع ونعيش هذا الوضع الغير مستقرّ في بلدنا، وكلّ هذا يجعلنا نشكّ: هل يا تُرى يريدنا الرب هنا، أم علينا أن نتطلّع إلى بعيد؟!”.
ولفت غبطته إلى أنّنا “كنّا قبل بضعة أيّام في روما، حيث شاركْنا في قداس إعلان قداسة مطران ماردين الشهيد اغناطيوس مالويان، وماردين هي مدينة في جنوب شرق تركيا، لا تبعد عن الموصل وقره قوش وبلداتنا في سهل نينوى سوى قرابة 150 كلم. عرفَتْ ماردين عام 1915 ما نسمّيه سيفو – السوقيات أو الإبادة للأرمن والمسيحيين، وبينهم المطران الشهيد اغناطيوس مالويان مع أكثر من 260 شهيداً ساقوهم في حزيران 1915، وأُعلِن تطويب هذا المطران الشهيد، وقبل 12 يوماً كان إعلان قداسته على يد قداسة البابا لاون الرابع عشر. ولمّا التقينا مع قداسة البابا في اليوم التالي، ذكرْنا له معاناة المسيحيين في الشرق، حيث هاجر أولادنا، أكان إلى أوروبا وأميركا وكندا وأستراليا، ونحن اليوم في خطر الزوال في هذه البلدان، بلدان الشرق الأوسط. لا نريد أن نكون متشائمين، ولكن قبل 10-15 سنة حين حدثت مذبحة سيّدة النجاة التي سنحيي تذكارها في قداس احتفالي غداً، حيث نستذكر أبناءنا وبناتنا الشهداء ال48، وبينهم الكاهنان الشابّان ثائر ووسيم، حينها كان عددنا أكثر بكثير من الآن، ليس فقط في بغداد، إنّما نعاين هذا الأمر في كلّ المناطق العراقية، ونشهده في سوريا وحتّى في لبنان. ولا يمكننا أن ننكر هذا الأمر”.
ونوّه غبطته بأنّني “تكلَّمتُ مع قداسة البابا عن أنّ في كلّ شعوب العالم اليوم تحدث الهجرة ويحدث التهجير، لكن بالنسبة للمسيحيين في العراق وسوريا ولبنان، كما حدث في تركيا وإيران، القضية وجودية، أي أنّ بقاءنا في أرض آبائنا وأجدادنا ليس قضية اختيار. إنّ واقعنا أليم جداً، حيث أغلبية أولادنا وأهلنا الذين هاجروا وقطعوا البحار والمحيطات، من الصعب والنادر جداً أن يعودوا. لذلك نقول: نحن مهدَّدون بوجودنا، ووجودنا في أرض آبائنا وأجدادنا يمتدّ منذ أيّام الرسل الذين بشّروا بالمسيحية حتّى يومنا هذا. نحن لسنا مستورَدين. سيزور قداسته تركيا، وسنستقبله هناك، وسنذهب معه إلى نيقية، والتي تُسمَّى اليوم إزنيك، حتّى نتذكّر أول مجمع مسكوني الذي أعطانا قانون إيماننا. لا نريد أن نخيِّب رجاءكم، أحبّائي، فنكون متشائمين. فلننظر إلى يسوع الذي بفدائه على الصليب خلّص الكثيرين، وهناك اليوم الملايين من المسيحيين والرسل الذي تبعوه وبشّروا وضحّوا واستشهدوا. نحن أيضاً أولاد هؤلاء الشهداء، علينا ألا نخاف”.
وختم غبطته كلمته الأبوية بالقول: “أنتم الشبّان والشابّات، لديكم هذه الرسالة، أن ترافقوا هذا البلد في نهضته، مهما كانت الصعوبات والمضايقات والإضطهادات والعنصرية والتمييز والتهميش. بالرغم من هذا كلّه، نبقى أبناء وبنات الله الذي عرفناه عن طريق يسوع المسيح. نبقى الشعب المؤمن الذي يتوجّه بنظره نحو السماء، وعلى الأرض يبني ويجمع ويدعو بفرح للسلام والمحبّة. فليبارككم الرب جميعاً”.
بعد ذلك، كانت كلمة من القلب لسيادة المطران مار أفرام يوسف عبّا الذي شكر غبطتَه “على كلماتكم الأبوية المشجّعة، أنتم الحريصون على كلّ شخص في كلّ أبرشية ورعية وإرسالية، وأنتم أكثر من زار ويزور الأبرشيات والرعايا والإرساليات السريانية في العالم. نشكركم على أنّكم تخصّون أبرشية بغداد في زياراتكم، فهذه هي أبرشيتكم على الدوام، ونحن أولادكم. نقدّم لكم كلّ الشكر والعرفان بالجميل، ولا ننسى أفضالكم. فزيارة غبطتكم هذه هي فعلاً زيارة رجاء ومحبّة وتشجيع لبقائنا هنا في هذا البلد. إنّكم تعرفون، سيدنا، كم أنّ الشباب في هذه الأبرشية هم ملتزمون في الكنيسة ومتمسّكون بالإيمان”.
وتابع سيادته: “أمّا أنا، فقد عملتُ مع سيدنا البطريرك قرابة 12 سنة في كندا، وتعلّمتُ منه الكثير، تعلّمتُ منه الإلتزام، فضلاً عن الإكتناز من خبرته، فقد أسّس 14 رعية وإرسالية في أميركا خلال 20 سنة، رغم كلّ الجهد والعناية والتحدّيات والتنقُّلات والسفر من ولاية إلى أخرى. وكراعٍ أخذ يفتّش عن كلّ خروف من خراف الرعية، واليوم أبرشية أميركا هي من أكبر الأبرشيات، والفضل يعود إلى غبطته، فغبطته عمل كثيراً وتعب كثيراً. نسأل الله أن يمتّعه بالصحّة والعافية والعمر المديد، ليبقى على رأسنا دائماً لسنين وسنين عديدة، وربّنا قدير أن يقوّيه ليتابع خدمته، راعياً أميناً لكنيستنا السريانية. شكراً سيدنا، بارخمور”.
ثمّ كانت فترة من الحوار والمناقشة، أجاب خلالها غبطته على الأسئلة العديدة التي وجّهها إليه عدد من الشبّان والشابّات، متناولين مواضيع مختلفة وجوانب عدّة، كنسية وروحية وراعوية وسواها.
وفي ختام اللقاء، تقاسم الجميع بهجة هذه المناسبة المباركة، متحلّقين حول أبيهم وراعيهم، غبطة أبينا البطريرك، في جوّ عائلي عابق بالفرح الروحي.
البطريرك يونان يلتقي شبيبة أبرشية بغداد السريانية الكاثوليكية، العراق
 
					
					 
					





