البطريرك آوا الثالث روئيل لـ«آسي مينا»: العلاقات المسكونيّة دعوة إنجيليّة ومسؤوليّة تاريخيّة

أعرب بطريرك كنيسة المشرق الآشوريّة آوا الثالث روئيل عن تفاؤله الكبير بانتخاب البابا لاوون الرابع عشر، آملًا في مقابلة مع «آسي مينا» أن يحمل البابا الجديد روح الانفتاح ذاتها التي ميّزت سلفه وأن يستكمل الجهود لتعزيز التقارب بين الكنائس الشرقيّة والغربيّة.
وشدّد روئيل على التزامه رسالته بصفته بطريركًا لكنيسةٍ عريقة تمتدّ جذورها ألفَي عام، غدت اليوم كنيسةً عالميّة يعيش معظم مؤمنيها في دول الانتشار، بكلّ ما يتضمّنه ذلك من فرصٍ وتحدّيات. وقال إنّ مسؤوليّة كنيسته اليوم تجمع بين الحفاظ على الإيمان والعمل على تعزيز علاقاتها بالكنائس الأخرى في الشرق والغرب.
العلاقات مع الكنيسة الكاثوليكيّة
استعرض روئيل مسيرة الحوار اللاهوتيّ الواعدة بين كنيسة المشرق الآشوريّة والكنيسة الكاثوليكيّة، وعَدَّ انطلاقها الرسميّ عام 1984 حدثًا تاريخيًّا حسَمَ قرونًا من سوء الفهم، ليتوّج بتوقيع «الإعلان المسيحانيّ المشترك» عام 1994 المتضمِّن الاعتراف بأنّ إيمان كنيسة المشرق هو إيمانٌ قويم، ثمّ الإعلان المشترك حول «الحياة الأسراريّة» عام 2017.
وتحدّث عن استعدادات حثيثة لكنيسته بهدف عقد مؤتمرٍ أكاديميّ خاصّ بمناسبة مرور 1700 عام على انعقاد نيقيا، تستضيفه أربيل-كردستان العراق في سبتمبر/أيلول المقبل، بمشاركة باحثين وأكاديميّين ورجال دين من تقاليد كنسيّة عدّة.
وذكر البطريرك الآشوريّ استمرار اللقاءات اللاهوتيّة مع الكنيسة الكاثوليكيّة وكنائس أخرى، في ضوء علاقات كنيسته الطيّبة بكنائس محلّية وعالميّة عدّة. وأشار إلى الروح الأخويّة العميقة التي تسود اللقاءات الثنائيّة، مضيفًا: «يجري العمل بجدّيّة وعمق، ليس لإعادة تعريف العقائد، بل لفهمها في ضوءٍ جديد يؤدّي إلى التوافق والتلاقي».
فرنسيس راعٍ حقيقيّ
استذكر روئيل لقاءاته المتعدّدة مع البابا فرنسيس، وعَدَّها محطّات مميّزة حملت طابعًا شخصيًّا وروحيًّا عميقًا، لمس في خلالها بساطته وانفتاحه الصادق ومحبّته بصفته راعيًا حقيقيًّا يحمل في قلبه همّ الكنيسة الجامعة واستعداده لبذل الجهود في سبيل وحدة أبنائها.
وذكّر بمساعي البابا الراحل وجهوده لتوحيد موعد احتفال كلّ الكنائس بعيد القيامة، قائلًا: «لطالما ناقَشَ هذا الموضوع العزيز جدًّا على قلبه، معنا ومع سائر رؤساء الكنائس الشرقيّة، لإيمانه بأنّ توحيد العيد هو خطوة عمليّة نحو التقارب والوحدة بين الكنائس كلّها». واستدرك: «رغم أنّ ذلك لم يتحقّق في حبريّته، لكنّني أعتقد أنّه زرع بذوره في قلوب الجميع، ولا بدّ أن تثمر يومًا ما».
وأشار البطريرك الآشوريّ إلى حرص البابا فرنسيس على إعادة إبراز لقب «أسقف روما» قاصدًا التأكيد أنّ خدمته ليست سلطةً فوق الكنائس الأخرى، بل خدمة محبّة ووحدة.
وتابع: «لطالما شدّد البابا في حديثه معنا على أهمّية هذا اللقب، وعدَّه جسرًا للتواصل مع الكنائس الشرقيّة التي تجد في مفهوم الأسقفيّة مدخلًا مقبولًا للحوار حول الدور البابويّ».
وأبدى روئيل ثقته بأنّ خبرة البابا لاوون الرابع عشر الطويلة في الخدمة الكنسيّة، بخاصّةٍ في أميركا اللاتينيّة، تمنحه نظرةً شاملة ومتفهّمة لواقع الكنائس في العالم، بما فيها كنائس الشرق الأوسط. وأشار إلى السابقة التاريخيّة في انتخابه أوّل بابا أميركيّ المولد، تحديدًا من شيكاغو التي ينتمي إليها روئيل أيضًا، ليكون «اثنان من أبناء شيكاغو على رأس كنيستَين عريقتَين في هذا الزمن».
نيقيا… المَجْمَع الجامع
شدّد روئيل على أهمّية مَجْمَع نيقيا كونه أوّل مَجْمَع مسكونيّ، فضلًا عن كونه مقبولًا لدى جميع الكنائس من دون تمييز، وجزءًا من تقليدها المشترك؛ فالجميع يلتزمون قانون إيمان نيقيا.
وأكّد أنّ العلاقات المسكونيّة ليست خيارًا تكتيكيًّا، بل «دعوة إنجيليّة ومسؤوليّة تاريخيّة»، مشيرًا إلى أنّ «التحدّيات التي تواجه المسيحيّين اليوم، بخاصّةٍ في الشرق الأوسط، تفرض علينا جميعًا أن نكون أقرب إلى بعضنا بعضًا، متجنّبين تكرار خلافات الماضي».
وأضاف: «رجائي أن يكون هذا العهد الجديد عهد لقاءٍ حقيقيّ بين الكنائس، يقوده الروح القدس، ليثمر خطواتٍ ملموسة نحو الوحدة والشهادة المشتركة للعالم».