مرّ شهران على انتخاب روبرت فرنسيس بريفوست على كرسي بطرس، وقد ظهرت خلال هذه الفترة القصيرة العديد من الصور الرمزية التي باتت تُميز هذا الحبرية الجديدة. من بين تلك الصور، وإن لم تكن من الأكثر شهرة، تبرز صورة البابا الجديد وهو ينحني ليكون إلى جانب طفلة أرادت أن تهديه رسمة من صنعها. إنها لفتة بسيطة تحمل في طيّاتها رسالة بالغة العمق: لبناء عالم أفضل، لا بدّ من الانحناء إلى مستوى الأطفال.
لقد حمل لنا الشهران الأولان من حبرية البابا لاوُن الرابع عشر صورًا كثيرة زاخرة بالمعاني. بعض هذه الصور سيبقى محفورًا في الذاكرة الجماعية، مثل الدموع التي كاد يحبسها وهو واقف على شرفة البازيليك الفاتيكانية مساء الثامن من أيار، في أول بركة لمدينة روما والعالم بعد انتخابه، ينظر إلى الحشود المبتهجة في ساحة القديس بطرس. لكن هناك صورة أخرى، أقل شهرة، تحمل ببساطة رؤية لمستقبل الكنيسة والعالم: البابا لاوُن جالس على الأرض إلى جانب طفلة من المركز الصيفي الفاتيكاني، تستعرض أمامه رسمة.
تشدّنا الابتسامة التي ارتسمت على وجهي البابا والطفلة: فالبابا ينظر نحو عدسة المصوّر، بينما الطفلة، المسحورة بلحظة القرب هذه، لا تلتفت إلى الكاميرا، بل تثبّت نظراتها المشرقة على البابا لاوُن الرابع عشر. ما الذي يجعل هذه الصورة مهمّة إلى هذا الحد؟ إنها تختصر برمزها مسارًا ينبغي أن يسلكه الجميع، ولا سيما من بيدهم مصير العالم: أن ينزلوا إلى مستوى الأطفال، أن ينظروا إلى العالم بعيونهم. كم كانت لتتغير مجريات التاريخ لو امتلك كلٌّ منّا الشجاعة لأن ينحني كما فعل يسوع عندما زجر التلاميذ الذين أرادوا إبعاد “الأطفال المزعجين”، وقال قوله الخالد: “دعوا الأطفال يأتون إليّ”.
فكم نسمح اليوم للأطفال أن يقتربوا منّا؟ وكم نبادر نحن للذهاب إليهم؟ إلى أولئك الأطفال المدموغين بالحرب، الجائعين بفعل أنانية الآخرين، المتألمين بجميع أشكال العنف؟ إن المنطق، حتى قبل العاطفة، يفرض على الكبار أن يحموا الصغار، لكنّ الواقع المؤلم يُظهر عكس ذلك: في حروب يقرّرها الكبار، يكون الصغار أول من يدفع الثمن. ماذا كنا سنرى لو انحنينا إلى مستوى أطفال غزّة وخاركيف وغوما، وإلى أطفال أماكن كثيرة تمزقها النزاعات المسلحة؟ ربّما، لو فعلنا، لتبدّلت بعض الأمور.
“إذا أردنا أن نعلّم السلام الحقيقي في هذا العالم، وإذا أردنا أن نخوض حربًا حقيقية ضد الحرب، فعلينا أن نبدأ بالأطفال” — هكذا قال غاندي. فلنتخيل للحظة لو أنّ أطفالًا من جنسيات القوى العظمى جلسوا على مقاعد مجلس الأمن الدولي، كيف كانت لتتغير العلاقات الدولية؟ للأسف، علينا أن نعترف بمرارة أنّ ثقافة الحرب تُزرَع فينا منذ نعومة أظفارنا، كسمّ يتسرّب إلى نفوسنا. وقد عبّر برتولت بريشت عن ذلك بمرارة لافتة في قصيدة كتبها عشية الحرب العالمية الثانية: “الأطفال يلعبون الحرب. من النادر أن يلعبوا السلام، لأن الكبار لا يفعلون سوى الحرب”. لهذا، ربما تكون الطريقة الوحيدة لتغيير مجرى التاريخ هي تلك التي تبدو للوهلة الأولى غير واقعية: أن ننحني، أن نتخلّى عن قناعاتنا ومصالحنا كراشدين، ونضع أعيننا — بل وقلوبنا — في مستوى نظرات الأطفال المتواضعة.
إنَّ البابا لاوُن، الذي عاش كمرسل وأسقف في البيرو، لطالما انحنى ليكون إلى مستوى الأطفال. هناك العديد من الصور التي تشهد على ذلك. وها هو اليوم، بعد أن أصبح أسقف روما، لم يغيّر أسلوبه، كما أكّدت لنا تلك اللقطة المؤثرة في المركز الصيفي الفاتيكاني في قاعة بولس السادس. وبالتالي علينا أن نصير صغارًا، لكي نجعل إنسانيتنا أرحب وأسمى. إنه درس نحن اليوم في أمسّ الحاجة إليه.
البابا لاوُن الرابع عشر وعالم يليق بالأطفال
