كلمة البابا لاوُن الرابع إلى المشاركين في لقاء لمناسبة الذكرى الستين لصدور الوثيقة المجمعية Nostra Aetate “في عصرنا”
مسؤولية القادة الدينيين عن حمل الرجاء إلى بشرية تميل إلى اليأس في لحظة تاريخية حاسمة، أهمية الحوار بين الأديان الذي يقوم على الترسخ في جذور إيماننا التي تمنحنا القوة لمد أيادينا إلى الآخرين بمحبة. كانت هذه بعض النقاط التي توقف عندها البابا لاوُن الرابع عشر متأملا في الوثيقة المجمعية Nostra Aetate “في عصرنا”، بيان حول علاقة الكنيسة بالديانات غير المسيحية، وذلك في كلمته إلى المشاركين في لقاء عُقد في الفاتيكان الثلاثاء ٢٨ تشرين الأول أكتوبر لمناسبة الذكرى الستين لصدور الوثيقة المجمعية.
لمناسبة الذكرى الستين لصدور الوثيقة المجمعية Nostra Aetate “في عصرنا”، بيان حول علاقة الكنيسة بالديانات غير المسيحية، عُقد لقاء في قاعة بولس السادس في الفاتيكان مساء الثلاثاء ٢٨ تشرين الأول أكتوبر. وإلى المشاركين في اللقاء، من ممثلي الديانات في العالم وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى الكرسي الرسولي وغيرهم، تحدث قداسة البابا لاوُن الرابع عشر وبدأ كلمته معربا عن شكره العميق وتحياته القلبية للحضور في هذا اللقاء لتذكُّر الوثيقة المذكورة. وأشار قداسته إلى موضوع هذا اللقاء الا وهو “السير معا في الرجاء”، وأضاف قائلا للمشاركين إن حضورهم هذا يشهد على أن تلك البذرة قد نمت وأصبحت شجرة كبيرة تمتد أفرعها موفرة الملجأ وتنتج ثمارا غنية، ثمار فهم متبادل وصداقة، تعاون وسلام.
وتوقف الأب الأقدس في كلمته عند عمل رجال ونساء طوال السنوات الستين هذه من أجل إنماء هذه الوثيقة، فرووا البذرة واعتنوا بالتربة وحموها بل وقد منح بعضهم حياتهم شهداء حوار معارضين للعنف والكراهية. ودعا قداسته إلى تذكر هؤلاء الشهداء بامتنان مضيفا أننا كمسيحيين ومع أخوتنا وأخواتنا من الديانات الأخرى قد أصبحنا ما نحن عليه بفضل شجاعة هؤلاء الأشخاص وجهدهم وتضحيتهم.
جدد البابا لاوُن الرابع عشر بعد ذلك الشكر للمشاركين على قبولهم الدعوة للمشاركة في هذا اللقاء، وأيضا على تعاونهم مع الدوائر الفاتيكانية ومع الكنيسة الكاثوليكية في بلدانهم. وأضاف أن مشاعر الصداقة والتقدير إزاء الكنيسة الكاثوليكية قد برزت بشكل خاص خلال مرض ثم مع موت البابا فرنسيس، وذلك من خلال ما أرسلتم، قال قداسته للضيوف، من رسائل تعزية وما رفعتم من صلاة في بلدانكم ثم مشاركة مَن تمكنوا في جنازة البابا فرنسيس. ثم تجدد التعبير عن هذه المشاعر في رسائل التهنئة لمناسبة انتخابي، أضاف البابا لاوُن الرابع عشر، هذا إلى جانب حضور بعضكم في قداس بداية حبريتي، قال قداسته. وواصل أن هذا كله يشهد على الرباط العميق والدائم الذي نتقاسمه، رباط أكد قداسته حفاظه عليه بمحبة كبيرة. وقال البابا إن وثيقة “في عصرنا” إن كانت قد غذت العلاقات بيننا فهو على ثقة بأن رسالة هذا البيان المجمعي تظل تتمتع بأهمية كبيرة اليوم، ودعا بالتالي إلى التأمل في بعض أهم تعاليم الوثيقة.
تحدث البابا لاوُن الرابع عشر أولا عن أن بيان “في عصرنا” يًذكِّرنا بأن الجنس البشري يتحد اتحادا أوثق يوما بعد يوم، وأن من واجب الكنيسة تعزيز الوحدة والمحبة بين الناس وبين الأمم. وواصل الأب الأقدس متوقفا عند نقطة أخرى ألا وهي أن الوثيقة المجمعية تشير إلى ما نتقاسمه جميعا، فنحن ننتمي إلى عائلة بشرية واحدة ونشترك في الأصل وفي الغاية الأخيرة ايضا حسبما يُذكر في البيان المجمعي، كما وأن كل إنسان يبحث عن إجابات على التساؤلات الكبيرة. نقطة أخرى هي أن أديان العالم كافة تسعى إلى الرد على قلق القلب البشري، ويقدم كل دين بطريقته تعاليمه حول أسلوب عيش الحياة والطقوس المقدسة للإسهام في قيادة مؤمنيه نحو السلام ومعنى الحياة.
وتابع الأب الأقدس تأمله في الوثيقة المجمعية وأفكارها مذكرا بالحديث عن أن الكنيسة الكاثوليكية لا ترفض ما هو حق ومقدس في الديانات الأخرى والذي يعكس شعاعا من تلك الحقيقة التي تنير البشر جميعا. وتنظر الكنيسة باحترام إلى هذه الديانات كما وتدعو الكنيسة أبناءها وبناتها من خلال الحوار والتعاون إلى لمس والحفاظ على وتعزيز ما هو جيد في كل الشعوب روحيا وأخلاقيا وثقافيا.
أراد البابا لاوًن الرابع عشر من جهة أخرى التذكير بالتطور الذي أسفر عن صدور الوثيقة المذكورة، بدءً من دعوة البابا يوحنا الثالث والعشرين الكاردينال أغسطينو بيا إلى أن يقدِّم للمجمع دراسة حول علاقة جديدة بين الكنيسة الكاثوليكية واليهودية، ويمكن بالتالي اعتبار الفصل المخصص للديانة اليهودية في البيان المجمعي النواة المولدة للوثيقة، وثيقة تؤكد أنه لا يمكن لنا أن نتضرع إلى الله، أب الجميع، إن كنا نرفض أن نعامل بشكل أخوي كل أخ أو أخت خُلقوا على صورة الله. ترفض الكنيسة بالتالي أي تمييز أو ظلم على أساس العرق أو اللون، الوضع أو الديانة، ذكَّر البابا لاوُن الرابع عشر وأضاف أن هذه الوثيقة قد فتحت أعيننا على مبدأ بسيط لكنه عميق، وهو أن الحوار ليس تكتيكا أو أداة بل هو أسلوب عيش ومسيرة للقلب، ونحن نسير على هذا الدرب لا بأن نترك إيماننا بل بالبقاء راسخين فيه، فالحوار الحقيقي لا يولد من الحلول الوسط بل من القناعة، أي من جذور إيماننا التي تمنحنا القوة لمد أيادينا إلى الآخرين بمحبة.
هذا وتوقف البابا لاوُن الرابع عشر في كلمته عند آنية هذه الوثيقة المجمعية في عالم اليوم الذي يشهد جدرانا تتأسس بين الأمم والأديان وحتى الجيران، عالم يُذكِّرنا فيه ضجيج الحرب وجراح الفقر وصرحة الأرض كم لا تزال هشة عائلتنا البشرية. تحدث الأب الأقدس بالتالي عما يتقاسم القادة الدينيون من مسؤولية مقدسة حسبما ذكر، وهي مساعدة شعبنا على التحرر من أغلال الأحكام المسبقة والغضب والكراهية، على الترفع على الأنانية والمرجعية الذاتية وعلى هزيمة الجشع الذي يدمر النفس البشرية وأيضا الأرض.
ذكَّر قداسة البابا بعد ذلك باحتفال الكنيسة الكاثوليكية هذا العام بيوبيل الرجاء وأضاف قائلا لضيوفه إن الرجاء والحج هما جانبان مشتركان لتقاليدنا الدينية، وأن وثيقة “في عصرنا”، تدعونا إلى مواصلة السير معا في الرجاء ما يؤدي إلى انفتاح القلوب وبناء الجسور وتمهيد طرق جديدة، وليس هذا عملا لدين بمفرده، لأمة واحدة أو لجيل واحد فقط. وتحدث الأب الأقدس عن واجب مقدس على البشرية بأسرها، وهو الحفاظ على الرجاء حيا، على الحوار حيا، وعلى المحبة حية في قلب العالم.
وفي ختام كلمته قال البابا لاوُن الرابع عشر لضيوفه إن في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة قد أوكلت إلينا رسالة كبيرة، أن نوقظ في جميع الرجال والنساء حس الإنسانية والحس بما هو مقدس، وأضاف أن علينا كقادة دينيين مسؤولية حمل الرجاء إلى بشرية غالبا ما تميل إلى اليأس. ثم شدد قداسته على أهمية الصلاة ودعا مختتما حديثه كلا من المشاركين في اللقاء إلى التوقف للحظة للصلاة في صمت كي يحل علينا السلام ويملأ قلوبنا.
 
					 
					
					





