الأخت ميرليتي: في مسيرة سينودسيّة على درب الرجاء والسلام

مقابلة لوسائل الإعلام الفاتيكانية مع أمينة سرّ دائرة معاهد الحياة المكرّسة وجمعيات الحياة الرسولية: “مشاركة النساء في ممارسة القيادة داخل الكنيسة باتت أكثر أهمية”. مكافحة الانتهاكات وتحديات عالم معولم ومعقّد. السينودسيّة والموعد اليوبيلّي في تشرين الأول أكتوبر المقبل.
مفاجأة وخوف، لكن أيضاً رجاء كبير في معانقة التغيير: هذه هي المشاعر التي استقبلت بها الأخت تيزيانا ميرليتي، في ٢٢ أيار مايو الماضي، دعوة البابا لاوُن الرابع عشر لتولي منصب أمينة سرِّ دائرة معاهد الحياة المكرّسة وجمعيات الحياة الرسولية. كان هذا أول تعيين يصدر عن الحبر الأعظم الجديد بعد انتخابه، وفي منصب رفيع داخل الكوريا الرومانية. وفي هذه المقابلة مع وسائل الإعلام الفاتيكانية، تشارك الراهبة من مشاعرها في ذلك اليوم، إلى جانب رؤاها والتحديات التي يمثّلها المنصب الجديد.
في جوابها على السؤال حول كيف استقبلتِ التعيين قالت الأخت تيزيانا ميرليتي: بالتأكيد أثار التعيين في داخلي الكثير من الدهشة والخوف. وكما قال البابا نفسه مؤخراً للأساقفة الجدد، كانت لديّ أنا أيضاً مشاريعي وآفاق جميلة، إذ كنت قد وصلت للتو إلى أسيزي؛ لذلك فإن فكرة ترك كل شيء والبدء من جديد في خدمة بهذا الحجم وهذه الحساسية فاجأتني ووجدتني غير مستعدة. لكن عبر الصلاة وأيضاً عبر الحوار مع رئيستي العامة، جاء النور الذي ساعدني على قول “نعم” للدعوة الجديدة من الله والكنيسة، وأنا ممتنّة لهذه الثقة الكبيرة. لما ينتظرني، أضع ثقتي بالروح القدس الذي لن يتأخر عن إرشادي؛ أثق أيضاً بأني لست وحدي، فهناك فريق رائع في الدائرة يعمل بكل طاقته؛ وأثق بمساري الشخصي، فقد اختبرت في مراحل أخرى من حياتي شعوراً واضحاً بأن الله يقودني بحكمة للالتزام بمشيئته.
تابعت الأخت تيزيانا ميرليتي مجيبة على السؤال حول إن كان واقع أن عميدة الدائرة هي الأخت سيمونا برامبيلا، يسلّط الضوء على يمكن أن نسمّيه “القيادة المواهبيّة” للنساء في الكنيسة وقالت أدرك أن بُنيَةَ دائرتنا تمثّل حداثة مطلقة في الكوريا الرومانية: عميدة راهبة، نائب العميد كاردينال (السالزياني أنخيل فرنانديز أرتيمي)، وأمينة السرّ راهبة. ما يبرز لي بوضوح أكثر هو فرصة تطبيق الأسلوب السينودسي لا في المبادئ وحسب، بل في الحياة اليومية الملموسة: في أسلوب بناء العلاقات بيننا، في تقاسم الخبرات، في تنظيم العمل، في التعامل باحترام وكرامة وعدالة مع القضايا المطروحة أمامنا ومع التعاونات التي نلتزم بها في الصفوف الأمامية. ونعم، يسرّني أن أفكّر أن هذا الأسلوب الجديد هو ثمرة قيّمة وواعدة لمشاركة النساء المتزايدة في ممارسة القيادة داخل الكنيسة. فالإنجيل نفسه يدعونا إلى استثمار مواهبنا وعطايا الله. لا يهم إن كنت رجلاً أو امرأة: فمنذ طفولتي تعلّمت أن ما يهم هو الالتزام والتضحية والثبات والفرح في الخدمة. وعندما يقترن كل هذا بالاعتراف على مستويات مختلفة، يصل إلينا تأكيد قوي على أننا ككنيسة نسير على الدرب الصحيح.
أضافت الأخت تيزيانا ميرليتي مجيبة على السؤال حول ما الذي جذبها إلى الحياة الرهبانيّة وقالت وصلتني الدعوة لمعانقة موهبة الطوباوية فرنشيسكا شرفيير بشكل تدريجي. كانت مشاريعي في العشرينيات واضحة وموجّهة نحو طريق آخر، حتى انكشفت أمامي روعة بذل الحياة من أجل اتباع يسوع بشكل جذري، وترك كل شيء. لقد أتاح لي التعرف على “الراهبات الفرنسيسكانيات الفقيرات” تعميق الموهبة الفرنسيسكانية لـ”الوحدة المقدسة والفقر السامي” وخاصة الدعوة إلى “مداواة جراح المسيح المصلوب في الإنسانية الفقيرة والمتألمة” التي تسلّمتها الأم فرنشيسكا. ورؤية نساء حقيقيات، إنسانيات في نضالهنّ الشخصي ومن أجل الفقراء، وفي الوقت عينه عاشقات للمسيح القائم من الموت وإنجيله، قد قام بالباقي. وهذا النور ما زال يعضدني حتى اليوم.
تابعت الأخت تيزيانا ميرليتي مجيبة على السؤال حول عملها لسنوات على موضوع الانتهاكات التي تعرّضت لها الراهبات، وما أبرز الخطوات التي تمَّ القيام بها في هذا المجال وقالت كنت أعلم أن دراساتي في الحقوق والقانون الكنسي لا يمكن أن تبقى غريبة عن حياتي كراهبة فرنسيسكانية. وهكذا، كان دخولي في جرح الكنيسة العميق الناتج عن الانتهاكات — وأؤكد هنا أنها ليست فقط جنسية بل أيضاً سلطوية وروحية وضميرية واقتصادية — بمثابة دخول أعمق في موهبتنا. من أهم الخطوات في هذه السنوات تنامي الوعي لدى جميع الذين هم في الصفوف الأمامية بضرورة إعطاء مكان ومعنى لما يُختبر: الألم، الارتباك، الصدمة، العجز، الظلم، التطهير، الغفران، إعادة الانطلاق، وأحياناً الهزيمة. وبالحديث عن الحياة المكرّسة النسائية، أقول إنه تم إنجاز الكثير وما يزال الكثير أمامنا. فقد دُعيت جميع المعاهد، ولا سيما من قبل الاتحاد الدولي للرئيسات العامات، إلى تعيين مندوبة لحماية القاصرين والضعفاء، وكذلك إلى إعداد خطوط توجيه خاصة بكل معهد. في البداية كان التركيز على الانتهاكات الجنسية، لكن تدريجياً أصبح واضحاً أنه يجب فعل المزيد: التفكير، التوعية، اتخاذ قرارات عملية للوقاية من أشكال أخرى من الانتهاكات والتعامل مع أي بلاغات. في هذا كلّه، الضحايا هم في المحور، وليس المؤسسة. ومن هنا لا عودة إلى الوراء.
أضافت الأخت تيزيانا ميرليتي مجيبة على السؤال حول أبرز التحديات التي تواجهها الحياة المكرّسة في عالم معولم ومعقّد، يبدو أن الحروب والأزمات الاقتصادية والاجتماعية تطغى عليه وقالت إذا حاولت التلخيص، من دون تبسيط مفرط، أرى أن التحديات الأساسية تعبّر عنها ثلاث كلمات: الرجاء، التغيير، الرؤية. فأمام الاستقطابات الخطيرة التي تولّد الكراهية والعنف والحروب، نحن مدعوون إلى تعزيز الرجاء بأننا في الجانب الصحيح من التاريخ، أي جانب الإنجيل. أن نراهن على الودعاء الذين سيرثون الأرض يتطلب الكثير من الشجاعة، إلى جانب الصبر لمواصلة العمل في بيئاتنا مؤمنين بعمق بما نقوم به. العناية والعطاء والثقة هي الأمور التي يوصي بها البابا لاوُن الرابع عشر لكي نواصل الإيمان بعهد الإنسانية. من ثمَّ معانقة التغيير هو تحدٍّ صعب آخر. لأنَّ الاستمرار في التحسر على أمان الماضي، بأعداده وأعماله ومؤسساته الضخمة، لا يساعد على طرح الأسئلة الصحيحة. مثلاً: ماذا يعني اليوم تفعيل موهبة معاهدنا في خدمة البشرية الموكلة إلينا؟ هل أسلوب حياتنا وصلاتنا وهيكلياتنا يغذّوننا ويغذّون الذين نلتقي بهم؟ إلى أي مدى نحن مستعدون للمخاطرة لبدء عمليات تمييز شاملة وفعّالة، من أجل حياة مكرّسة بطعم الخمر الجديد؟ أما الكلمة الثالثة فهي الرؤية. منذ زمن تُطرح أسئلة في بعض مناطق العالم حول مستقبل الحياة المكرّسة وأي أشكال ستأخذ. لكنَّ الجواب لا يُنتظر من حسابات بشرية، بل من الإصغاء التأملي والجماعي لما يريد الروح القدس أن يشير إليه. ولذلك علينا أن نواصل المسيرة بشجاعة وثقة، في الحقيقة التي تحرّرنا.
وخلصت الأخت تيزيانا ميرليتي مجيبة على السؤال حديثها لوسائل الإعلام الفاتيكانية مجيبة على السؤال حول يوبيل الحياة المكرّسة الذي سيُحتفل به في شهر تشرين الأول أكتوبر وحول الاستعدادات لهذا الموعد وأبرز محطاته وقالت عندما بدأت التحضيرات لليوبيل، ومع الاصغاء إلى عطش العالم للمصالحة والسلام، كان من الطبيعي أن نجمع بين الرجاء وموضوع السلام وأن نختار بأن نضع أنفسنا في مسيرة كـ “حجاج رجاء على درب السلام”. بعد عدة لقاءات تحضيرية خلال السنة وبطريقة سينودسيّة، نعيش الآن حماس الاستعداد الأخير، مع وضع اللمسات النهائية. إنَّ البرنامج غنيّ جداً: نبدأ في ٨ و٩ تشرين الأول أكتوبر بيوم توبة، وعبور الباب المقدس، والقداس الإلهي الذي سيترأسه البابا لاوُن الرابع عشر. مساء ٩ تشرين الأول أكتوبر، في ثلاث ساحات في روما — ساحة ميرتي، ساحة دون بوسكو، وساحة فيتوريو إيمانويليه — نظمنا أمسيات مشاركة وأخوّة وشهادات. لكل مكان موضوعه الخاص: الالتزام تجاه الفقراء، العناية بالخليقة، والأخوّة الشاملة، لتذكيرنا بأن السلام يُبنى يومياً عبر أعمال ملموسة من التضامن والمحبة. وفي الأيام التالية ستكون هناك وقفات إصغاء وتأمل ومشاركة، ويوم السبت ١١ تشرين الأول أكتوبر ستكون هناك ورش عمل حول تقنيات الوساطة وإدارة النزاعات. ونحن ننتظر بفرح آلاف المكرّسين الذين سجّلوا للمشاركة!