يوحنا العاشر ترأس قداس رأس السنة في الكاتدرائية المريمية بدمشق

استهل بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر عظة قداس رأس السنة الميلادية في الكاتدرائية المريمية بدمشق، بالقول: “نفتتح عامنا الجديد مصلين وقائلين: “بارك يا رب إكليل أو مدار سنة خيريتك”.
أضاف: “نقول هذا لنؤكد أن محور حياتنا ومحور زماننا هو الرب الخالق. نسأله بقلوبٍ راكعة أمام عظمة جلاله أن تكون السنة القادمة سنة خيرٍ. وهذا الخيرُ نرجوهُ من لدُنْهُ هو أبو الخيرات وإله الأنوار ورب كل تعزية. نرجوه خيراً وصلاحاً وفق معاييرهِ هو الرب الخالق المتبصر السابر أعماق كل شيءٍ والناظر إلى ما وراء لجج النفوس والأمكنة. نرجوه خيراً فائقاً معاييرنا الأرضية التي تمّحي أمام حكمة وصلاح ومحبة من أوجد الكون من عدميّةٍ وجبل الإنسانَ سابغاً عليهِ ونافخاً فيهِ شيئاً من روحه ومن كيانهِ ومن سماويّته”.
وتابع: “ألفانِ ونيفٌ من السنوات مرت على ميلاد الرب يسوع المسيح في مغارة بيت لحم. وفي كل عام يحتفل العالم بهذه الذكرى وينسى ويتناسى كثيراً من قيم ومبادئ هذا الطفل الإلهي الذي قلب الدنيا بميلاده وزلزل عروش المقتدرين. انتظره البعض متسلطاً قوياً فجاءهم على قش مذود. انتظروه عتيّاً جباراً فجاءهم بابتسامة طفل. انتظروهُ في البلاط فوافاهم من المغارة. انتظروهُ موافياً بعزٍ أرضيٍّ فألفوهُ هارباً صحبة يوسف ومريم. انتظروهُ باطشاً بقوةٍ فعاينوهُ هارباً من بطش هيرودوس. انتظروه محارباً فأتاهم ربَّ سلامٍ. انتظروه مشيراً متسربلاً حكمة هذا العالم فأتاهم فائقَ حكمةٍ سمت حكمةَ دنياهم. انتظروهُ ملكاً متربعاً على عرش مجدٍ فأتاهم طفلاً متوسداً حشا مريم. انتظروهُ ممسكاً صولجان مُلك فأتاهم متوكّئاً على صليب مجد. انتظروهُ مزيناً بإكليل غار فأتاهم متوَّجاً بإكليل شوكٍ. انتظروهُ على شبه أرضيّتهم فأتاهم فائقاً الأرضَ مسكّناً بجبروت صمته كل تجبّر بشريٍّ زائف”.
وقال: “إذ نرفع سر الشكر في مطلع هذا العام الجديد، نصلي من أجل سوريا التي قاست ودفعت من أقدار أبنائها ظلماً وقهراً وعنفاً وخطفاً وهجرةً وحصاراً اقتصادياً آثماً. نصلي من أجل هذا الشعب الذي قاسى ويقاسي آثار الحرب المدمرة التي طالت كل شرائحه وكل طوائفه. نحن كمسيحيين كيانٌ مكونٌ لهذا البلد. لا نتعاطى فيه منطق الأقلية والأكثرية. كلنا أبناء هذه الأرض التي احتضنتنا من جميع الأديان. لم نكن زوار ماضٍ ولسنا ضيوف حاضر”.
أضاف: “نصلي من أجل لبنان. ونهيب بالجميع وبالنواب خصوصاً تحمل المسؤولية التاريخية وانتخاب رئيسٍ للجمهورية. من حق اللبنانيين أن يحيَوا في بلدٍ وضعوا فيه كل أعراقهم. في بلدٍ يحبونه حتى الثمالة. يحبونه معافىً كان أم عليلاً. لقد آن لمنطق المناكفة أن يتوارى. لقد سئم شعبنا في لبنان لغة تقاذف المسؤوليات وهو يتوق إلى أن يحيا بكرامةٍ وشموخ في ظل الأرز الشامخ. ومن هنا دعوتنا إلى اعتماد منطق الحوار والارتكاز على الدستور للخروج من الأزمة الراهنة. نحن توأم هذا الشرق الذي اقتبل المسيح في ثناياه. فلنضعْ نصب أعيننا أن المسيح اتّخذ طينتنا البشرية في فلسطين في قلب شرقنا الذي نحب ونعشق. والقدس وفلسطين المحتلة تعني لنا الكثير كمسيحيين. فالمسيح إلهنا ولد وعاش ومات وقام فيها. إن وجودنا في هذه الأرض المشرقية كمسيحيين هو نوعٌ من شهادةٍ مسيحية نؤديها كمسيحيين لربٍّ أحبنا وبادلناه المحبةَ أمانةً لإيمانٍ ولإنجيلٍ نقلناه من جيلٍ إلى جيلٍ وزنّرنا به أقاصي الأرض. نقول هذا، وفلسطينُ مصلوبةٌ على قارعة غفلة الأمم. نقوله وفلسطين تبكي أبناء غزة وتتوق إلى سلام طفل المغارة. نقول هذا والقدس ترزح تحت الاحتلال وتتلوى تحت صليب شقاء فلسطين. نقول هذا واعين ومدركين أننا كمسيحيين مشرقيين على مثال سيدنا. تنكّبنا صليب ألم ودرب جلجلة. التقفنا حراب هذا الدهر بملء فرحٍ ورجاؤنا الأوحد والوحيد ربٌّ يقومُ ويكسر أغلال الموت ويدحرج حجر ضيقنا ويقيمنا شركاءَ قيامته”.
وختم: “صلاتنا اليوم من أجل أخوينا المخطوفَين يوحنا إبراهيم وبولس يازجي ومن أجل كل مخطوفٍ وكل مضنيٍّ يقاسي لوعة ضيقٍ وينتظر فجر قيامة. من مريمية دمشق، نرفع صلاتنا إلى الرب القدير أن يشمل عالمه بنور سلامه ويمسح القلوب بشيءٍ من نورانيته. وفي فجر العام الجديد نسأل طفل المغارة أن يخمد نار الحروب ويطفئها في كل أصقاع الدنيا. نسأله أن يضم إلى صدره نفوس الراقدين الذين قد سبقونا إلى ملقى نوره القدوس. نسأله التعزية لكل من في ضيق إذ هو إله التعزية ورب الرجاء. فليكن العام الجديد بارقةَ خيرٍ ورجاء وفاتحة أملٍ لكم جميعاً إخوتَنا الحاضرين وأبناءنا الأحباء في الوطن وفي بلاد الانتشار. كل عامٍ وأنتم بخير وإله الرحمة والرأفات فليشمل البشرية كلها بمراحمه، هو المبارك إلى الأبد آمين”.