نظمت الرابطة المارونية وجمعية “حصرون للتنمية المستدامة”، ندوة حول “أعلام دينية طبعوا أثرهم في الكنيسة المارونية ” في بلدة حصرون، برعاية وحضور البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، شارك فيها النائب البطريركي العام على الجبة واهدن زغرتا المطران جوزيف النفاع، الزائر الرسولي على أوروبا المطران مارون ناصر الجميل، رئيس الرابطة المارونية السفير خليل كرم وأعضاء المجلس التنفيذي للرابطة المارونية المهندسة جهينة منيّر هيكل، رئيس لجنة الإعلام المركزية في “المرشدية العامة للسجون” في لبنان الصحافي جوزاف إبراهيم محفوض، البروفسور أنطونيوس نجيم والمحامي كريم طربيه، رئيس مكتب الشبيبة في الدائرة البطريركية الخوري الدكتور جورج يرق، خادم رعية حصرون القاضي الخوري أنطونيوس جبارة وجاك السيد ورشيد مرعب. بحضور وزير الشؤون الاجتماعية هكتور الحجار ممثلاً بريتا بأسيل، النائب السابق جوزيف اسحق، قائمقام بشري ربى الشفشق، رئيس بلدية حصرون المهندس جيرار السمعاني وعقيلته رنا طوق السمعاني، طوني الحصري ممثلا الرابطة المارونية في اميركا، نائب رئيس بلدية حصرون المحامي تيودور متّى وعقيلته المحامية فاديا عبيد. وحشد من اهل الثقافة والعلم وابناء البلدة المقيمين والمغتربين.
البداية مع النشبد الوطني ونشيد الرابطة المارونية ثم كلمة ترحيب وتعريف للدكتورة جهينه هيكل تحدثت فيها عن مآثر العلامة السمعاني ونبوغه .
كرم
والقى بعدها رئيس الرابطة كلمة حيا فيها البطريرك الراعي والحضور وقال: “من حصرون البلدة العريقة في جبة بشري تتراءى أمامنا صورة العلاّمة يوسف السمعاني الذي ينطبق عليه توصيف عالم كماروني لما ينطوي عليه من صفات وتكتزنه من إيمان معطوف على المعرفة والعلم. ان سيرة السمعاني تحتاج الى مجلدات للإحاطة بها وبالدور الذي اطلع به ملف تخرجه من مدرسة روما المارونية الى خين وفاته، فالسمعاني كان في طليعة من أرسى جسر التواصل بين الشرق والغرب واحداث تلاقح بينهما من خارج جدلية الصراع الإسلامي المسيحي الذي حجب طويلا حقيقة ان ثمة الكثير من نقاط الالتقاء بين الديانتين حول قيم جامعة وإن اتقانه اللغة العربية إلى اللغات الشرقية القديمة منحه القدرة على ترجمة النفائس والمؤلفات بتلك اللغات إلى اللاتينية، وتعريف الغرب بالحضارة الشرقية وباعثي نهضتها في حقبات متعاقبة من الزمن، وهو بذلك أسدى خدمات جليلة في مجال التبادل الثقافي والعلمي بين عالمين متباعدين جغرافيا متبايتين فكرياً، وساعد في ردم الهوة ما أمكن لمد خيوط التواصل والتقارب”.
أضاف: “الثاني: علي السمعاني بتعزيز طائفته وتوطيد أركانها، وعمل على تطويرها وتحديثها ليكتسب مفهوم تجذرها بالأرض بعداً عملياً يمكنها من الثبات في وجه التحديات التي تحوطها من كل صوب، ومن هنا كانت زياراته إلى بلاد الأرز موفداً من الحبر الأعظم لتفقد أحوال الموارنة والإطلاع على أوضاع الكنيسة، وخرج بانطباع أن مستقبل طائفته، وفاعلية حضورها، وتقدمها، وعدم تهميشها، لا يكون إلا بإدخال تغييرات مهمة على بنية هذه الكنيسة في شقها الروحي واللوترجي، ورتبها وطقوسها، وتمتين روابطها مع الكنيسة الجامعة والكرسي الرسولي، وقد خاض في سبيل بلوغ هذا الهدف مواجهة قاسية مع تيار متشدد بقيادة عدد من المطارنة، قبل أن ينجح في عقد المجمع الماروني في دير سيدة اللويزة والخروج بمقررات على درجة كبيرة من الخطورة أدت إلى انتقال الكنيسة المارونية من مرحلة إلى مرحلة، وقد أنهم يومها ب” ليتنة الكنيسة وإفقادها استقلالها، لكن هذا الاتهام انطوى على ظلم كبير ، وبينت الأيام عدم صحته، لأن الكنيسة المارونية ظلت محتفظة بهويتها القومية، وروحها المشرقية، المستوحاة من التراث السرياني الانطاكي. لكن الأهم هو أن السمعاني بإنجازه الكبير فتح الطائفة على العالم الأوسع وادخلها في المسكونية وأوجد لها ظهيراً وسنداً كان لهما الدور الفاعل في الأزمنة الصعبة والاستحقاقات الخطيرة التي واجهت الموارنة”.
وتابع: “الثالث: أولى السمعاني اهتماماً كبيراً للتربية والتعليم، وحرص أن يتبنى المجمع اللبناني الذي عقد في اللويزة هذا الموضوع، وأن يجعله هدفاً رئيساً، وكان له ما أراد، ورأى السمعاني أن العلم الموقي من الجهل يوازي القوة الدافعة للظلم إن لم يفوقها، ولذلك شجع على إنشاء شبكة من المدارس في المناطق اللبنانية كافة، ووجه خريجي مدرسة روما المارونية ليفدوا إلى الجبل اللبناني وينشروا العلم والمعرفة بين سكانه، ولاسيما الأولاد منهم، وتكاملت دعوته هذه مع ما سعى اليه البطريرك الطوباوي اسطفانوس الدويهي منذ عودته من روما خريجا المدرستها المارونية طوال فترة گهنوته وأسقفيته فحبريته، وكانت رؤية السمعاني صائبة وفي محلها لأن المدارس التي أنشأتها الطائفة أنتجت نخباً متقدمة في المجتمع، كان لها الدور البارز في النهضة العربية، وانقاذ لغة الضاد من النتريك. ومن هنا يمكن تفسير الريادة المارونية في القرنين الثامن والتاسع عشر وصولاً إلى مطالع أربعينيات القرن المنصرم. فالكنيسة التي أخذت بنظرية السمعاني، ورعت وحصدت. وأني إذ أوجه التحية لروح المطران يوسف نجم، عم جدتي لوالدي، الذي دون المجمع اللبناني ويوب فصوله وتولى فهرسته، وكان خير حريص على إيراد الموضوعات التي تم تداولها في جلساته بدقة قبل أن يضمها في كتاب يوثق أعماله نستعيد معاً صورة السمعاني النصر الذي انطلق من حصرون باسطاً جناحيه إلى عاصمة الكتلكة، حيث أفرد لنفسه مكاناً ومكانة إلى جانب البابوات السعيدي الذكر الذين وثقوا به وانتمنوه على مكتبة الفاتيكان ومحفوظاتها، وعهدوا اليه همات دبلوماسية وكنسية على درجة عالية من الخطورة فهو حفر عميقاً في ذاكرتنا المارونية ه مطرح في صدارة تاريخ طائفتنا لكونه من الرعاة الأوفياء والبناة المهرة، وأرزة دهرية إمتدت لالها الوارفة لتحتضن في رحابها عناق الشرق والغرب على أرض الأخاء الانساني، مهما قست الاحوال وتكاثرت قوات الجحيم وامتدت النيران”.
وختم: “كم أحوجنا اليوم إلى سماعنة يجددون عهد الاصالة والانفتاح”.
حكيم
وكانت كلمة لرئيس جمعية حصرون للتنمية المستدامة قال فيها :”بعد سنين من العمل الخيري لأهلنا في حصرون من مساعدات مادية وأدوية وتمويل أنشطة و اعمال راعوية أردنا ان تنظم هذه الأعمال إداريا قررنا إنشاء جمعية أسميناها جمعية حصرون للتنمية المستدامة حصلت على علم وخبر سنة 2022 وموافقة خمسة وزارات لبنانية.شكر حار لمن ساعدني على إتمام هذه الرسالة من حاضرين وغائبين خاصة الذين لا علاقة لهم بحصرون”.
أضاف: “أكملت الجمعية أعمالها الخدماتية لرعية حصرون وأبنائها من وراء الكواليس كما حصلت على مساعدات منها أدوات طبية من وزارة شؤون الاجتماعية وغيرها وضعت تحت تصرف مستوصف وبلديةحصرون ويستفيد منها أهل بلدتنا يوميا. أردنا من خلال هذه الندوة الثقافية تذكير وتكريم لأعمال ورسالة ابناء بلدة حصرون من على كتف هذا الوادي المقدس وحاميه من رجال دين في الكنيسة المارونية وتأثيرهم الثقافي والعلمي والإداري على الحياة اليومية لأهلنا في لبنان والشرق والعالم وقيمتهم الاساسية في تأسيس وبناء كنيستنا وبلدنا الحبيب لبنان”.
وتابع: “لقد قاوموا القساوة بالكلمة والعلم والمعرفة والترجمة والعطاء والمحبة حتى انتصرت اللغة الأنسانية ونحن على طريق انتصار المحبة والحق والثقافة الكامل في الجوار القريب والبعيد. فلا ييأسن أحد.الثقافة هي السبيل والوسيلة والطريق والدرب الى المعرفة ولغة الإنسان ولذلك لا يجب أن يتعب ناشرو وحامو الكلمة والحق والمحبة والسلم والثقافة، ونبقى متجذرين فخورين هنا لما أنجز أجدادنا من حصرون وهذا الوادي الأبي كرسالة إنسانية طبعت ثقافة لبنان والشرق والعالم”.
وختم: “باسم مجلس الأمناء ومجلس الإدارة (معربس عواد سمعاني عكاوي وحكيم) وجميع أعضاء جمعية حصرون للتنمية المستدامة الذين أعطوني ثقتهم ارحب بالحاضرين الذين اتوا من البعيد والقريب وخاصة بسيدنا راعي هذا الاحتفال صاحب الغبطة والنيافة الكردينال مار بشارة بطرس الراعي الكلي طوبي الذي مجد لبنان أعطي له ، شاكرين رعايته وحضوره لهذا الحفل وسيادة المطرانين ناصر الجميل وجوزیف النفاع وممثلة وزير الشؤون الاجتماعية السيدة ريتا باسيل والنائب السابق جوزيف اسحق والآباء الكرام من حصرون وخارجها ورئيس بلدية حصرون الاستاذ جيرار السمعاني والمخاتير وكل الحضور الكرام.اهلا وسهلا بكم بوردة الثقافة والمحبة وردة الشمال ولبنان والشرق والعالم والكون حصرون”.
الجميل
بعدها كانت مداخلة للمطران الجميل عرض في مستهلها بعض المجلدات القيمة للسمعاني وقال: “كلّ التحيَّة أوجِّهها الليلة لمنظِّمي هذه الندوة، ولكم جميعًا الحضور الكرام. ورحم الله كلَّ من تعب وشقي حفاظًا على الهويَّة والتراث من أبناء هذه البلدة العريقة. حصرون البلدة اللبنانيَّة العريقة يستصرخها ماضيها الثقافي بامتياز، لتستعيد دورها الطليعي، استقبلت المدرسة المارونيَّة في روما، بين العام 1581 و1760،25 تلميذًا من عائلات حصرون.أوَّلهم 4 تلامذة، منذ الانطلاقة الأولى، أواخر السادس عشر،دفعة واحدة، وهم: يعقوب سمعان، وأنطونيوس فرنسيس، ويوحنَّا بن يعقوب فهد المعروف بـLéopardus،الذي دخل إلى الرهبنة الدومنيكانيَّة، وصار أسقفًا مارونيًّا سنة 1603، وتلميذ يُدعى نعمة. وصلوا سنة 1581. أمَّا التلميذ الأخير اذي دخل إلى مدرسة روما، فهو:يوحنَّا عوَّاد، الذي وصل سنة 1760. وبين الحقبتين لائحة تضمّ مجموعة: من آل عسكر، وفتيان، وجبرايل، ويعقوب، والحوراني، وإيليَّا، ومنَّاع، أو من آل الحصروني متى تعذَّر معرفة اسم العائلة. وتضم اللائحة أيضًا ستة من آل السمعاني،موضوع محاضرتي الليلة،ومثلهم من آل عوَّاد،وواحد سمعاني وعوَّاد في الوقت عينه.
سأحصر مداخلتي بآل السمعاني المعنيِّين بدراستي هذه الليلة. وهم، بحسب التسلسل الزمني:
أ – نعمة بن بربور السمعاني المعروف Gratia SIMONIO (دخل 1653). عم السمعاني الكبير.
ب–المطران الياس السمعاني (دخل سنة 1685).
ج–المطران يوسف شمعون السمعاني،ASSEMANUS أو ASSEMANI(دخل 1696-1768).
د – يوسف لويس السمعاني (1710-1782).
ه–المطران اسطفان عوَّاد السمعاني
و–الخوري سمعان السمعاني (+1821).
ز–الخوري أنطوان السمعاني (1746- بعد 1820).
لن أستعيد سيرة حياتهم التي استفضتُ بكتابتها، مفصَّلةً، في كتاب “المبادلات الثقافيَّة بين الموارنة وأوروبَّا”، منذ أربعين سنة بالتمام. بل سأكتفي ببعض الأضواء على ما يتماشى مع موضوعنا الليلة.
ب -المطران الياس السمعاني: بدأت المسيرة السمعانيَّة مع المطران الياس، الذي لعب دورًا ثقافيًّا ودبلوماسيًّا بارزًا. لمَّا رفعه البطريرك الدويهي إلى الأسقفيَّة، أرسله، سنة 1700،لتجديد الحماية الفرنسيَّة، التي كان قد أتى بها المطران اسحق الشدراوي، سنة 1649.مهمَّتُه الطلب من الملك الفرنسي لويس الرابع عشر التدخُّل لدى الباب العالي لكي يُلحق جبل لبنان بولاية دمشق، وإبعادها عن آل علم الدين، حكَّام المنطقة. والموضوع الثاني يتعلَّق بعلاقة المرسلين اللاَّتين في الشرق مع روما.
وبعدما انتهى من هاتين المسؤوليَّتين، كلَّفه البابا اكليمنضوس الحادي عشر بمهمَّة ثقافيَّة إلى مصر، لكي يجمع ما يتيسَّر من المخطوطات الشرقيَّة لحساب المكتبة الڤاتيكانيَّة. فأبحر في سنة 1707، وعاد محمَّلاً بأربعين مخطوطة. لم يكن الأوَّل في جمع المخطوطات الشرقيَّة: كان قد سبقه إلى ذلك، سنة 1703، جبرائيل حوَّا، أحد مؤسِّسي الرهبنة. ولكن لا هذا ولا ذاك اهتمَّا بفهرسة هذه المخطوطات وتقديمها لعلماء أوروبَّا.فَجَمع المخطوطات وتكديسها لا يفيبالغرض. وهذا ما تنبَّه له يوسف شمعون السمعاني.
ج – يوسف شمعون السمعاني: هو الشخصيَّة المارونيَّة الأبرز والأوفر نتاجًا من تلامذة المدرسة المارونيَّة. فرض نفسه في ميدان الأعمال الكبيرة العلميَّة والتاريخيَّة والتوثيقيَّة، والمسكونيَّة، والفلسفيَّة، واللاَّهوتيَّة. فعلى مدى ستِّين سنة وأكثر، توزَّع نتاجه تأليفًا وتنظيمًا وفهرسةً وحضورًا مشرقيًّا في عاصمة الكثلكة.
بفضله، اقترن اسم عائلته بتاريخ الاستشراق في أوروبَّا. جميع علماء آل السمعاني وعوَّاد وتلامذة المدرسة جميعم، الذين أتوا بعده، باتوا يدورون في فلكه.حين انتهائه من الدراسة، عملاً بالقَسَم الذي كان يُبرزه تلامذة المدرسة، كان عليه أن يعود إلى الوطن. لكنَّ البابا اكليمنضوس الحادي عشر استبقاه في روما، وحلَّه من قسمِه، عملاً بالقاعدة (Roma locuta, causa finita). أوكل إليه مهمَّة فهرسة المخطوطات الشرقيَّة التي كان قد أتى بها، من مصر، نسيبه الياس السمعاني. نتيجة لما قام به، تعيَّن ترجمانًا وكاتبًا للغات الشرقيَّة في المكتبة الڤاتيكانيَّة. وهنا بدأت مرحلة جديدة من حياة السمعاني الكبير: أوفده البابا إلى الشرق على رأس بعثة علميَّة جديدة هدفها جمع المخطوطات الثمينة لحساب البابويَّة. فجال في مصر وأورشليم ودمشق، وقنُّوبين، فحصرون. يُخبر التقليد أنَّه، لمَّا زار والدته، كلَّمته باللغة السريانيَّة. زار حلب أيضًا، لكنَّه لم يتسنَّ له مواصلة جولته إلى أديار حوران، ولا حتى ديار بكر حيث المخطوطات السريانيَّة.هذه الجولة، التي دامت حوالي السنتين ونيِّفًا، كانت محطَّة مهمَّة في الحركة الأوروبيَّة للاستشراق. تحمَّل الكرسي الرسولي مصاريفها التي بلغت حوالي 50 ألف سكودة رومانيَّة.وصل إلى روما بواسطته عددٌ كبير من المخطوطات القديمة والنفيسة بلغات مختلفة: اليونانيَّة، والسريانيَّة، والعربيَّة، والتركيَّة، والأرمنيَّة، والفارسيَّة، والقبطيَّة. ولدى عودته ثبَّته البابا في منصب “حافظ مكتبة الڤاتيكان”. وهنا بدأت أيضًا مهمَّة جديدة. ينبغي ترجمة هذه الكنوز إلى لغة يفهمها علماء أوروبَّا ألا وهي اللاتينيَّة، اللغة المشتركة بين جامعات ذلك العصر كلِّها.
بعد عودته الى روما انكبّ على فهرسة وترجمة ما جناه إلى لغة أكثر انتشارًا ألا وهي اللاتينيَّة. ستشكِّل هذه المخطوطات المادَّة الرئيسة لموسوعته “المكتبة الشرقيَّة” (BibliothecaOrientalis) (1719-1728)، التي لا يزال يُعَوَّل عليها حتى اليوم. ويظهر من خلال هذا المؤلف أنَّه لم يترك لغة مشرقيَّة “من شرَّه”: فاللغات لا تُحصى: يقولون أنَّه كان يعرف أكثر من ثلاثين لغة. ورد في كتابه فهرسةُ مخطوطات سريانيَّة، وعربيَّة، وفارسيَّة، وتركيَّة، وعبريَّة، وسامريَّة، وأرمنيَّة، وإتيوبيَّة، ويونانيَّة، وقبطيَّة، وإيبريَّة، وملاباريَّة. وبتناوله كتَّاب السريان النساطرة والكتّاب العرب والأقباط، فتح آفاق الآداب الشرقيَّة وتاريخها أمام العلماء الأوروبيِّين العالِمة رغم عدم اكتمالها، ورغم بعض الأخطاء التي تشوبها نظرًا إلى سرعة العمل.آثاره الكثيرة ما زالت مخطوطة، وهي تصلح أن تكون مادة لحوالي مئة مجلَّد من الحجم الكبير. كتب في التاريخ الكنسي، والفلسفة، واللاَّهوت،واللغة، والقانون، ولديه الكثير من الترجمات والمراسلات. إنَّه يُدهشنا بعدد اللغات التي أتقنها، وبتنوُّع معرفته، وبغزارة تآليفه وترجماته، بفكر شموليّ وتوثيقي، وموسوعي.
قاد مدرسة من السماعنة لمتابعة ما بدأه من نشر وتآليف وفهرسة. أوَّلهم: ابن شقيقته، اسطفان عوَّاد السمعاني، وابن أخيه، يوسف لويس ، وبطرس مبارك وانداوس اسكندر. هؤلاء شكَّلوا فريق عمله.
د – اسطفان عوَّاد السمعاني: دخل إلى المدرسة المارونيَّة في تشرين 1720، مع ميخائيل الغزيري. تخرَّج عشر سنوات، وعمل بكنف خاله، في المكتبة الفاتيكانيَّة. عاد إلى لبنان سنة 1734، قبيل انعقاد المجمع اللبناني، ورٌسم كاهنًا. بنهايته رُسِم أسقفًا على أفامية في دير مار شلِّيطا مقبس، وأرسِلَ على رأس بعثة إلى ملك فرنسا لطلب تدخُّله لدى الباب العالي من أجل عدم التعرُّض للموارنة من قبل غير المؤمنين والهراطقة والمنشقِّين.
على أثر زيارته، جدَّد لويس الخامس عشر الحماية الفرنسيَّة للموارنة (منذ 1649). في باريس، التقى شخصيَّات عديدة لعلَّ أبرزها مونتسكيو، في 2 حزيران 1737. سأله معلومات عن الصين، وعن Abyssinie.
بعد فرنسا، انتقل إلى إنكلترا وحصل على لقب fellow de la Royal Society. وبعدها عاد إلى روما، ثمَّ إلى فلورنسا من أجل تنظيم مجموعة المخطوطات الشرقيَّة لآل مدسيس، وغيرهم. صدر كتابه:
Bibliotheca Medicae Laurentianae codicum mss. Orientalium catalogus, en 1742.
ثمَّ فهرس مكتبة ثانية: البالاتينا؛ ثمَّ ثالثة ريكَّارديانا. ثمَّ رابعة في روما، هي مكتبة الكاردينال كيدجي (1764) شارك في ترجمة مؤلَّفات مار أفرام السرياني، مع بطرس مبارك.
من مؤلَّفاته الشهيرة: “أعمال شهداء المشرق”.توفِّي سنة 1782. بعدما أمضى 37 سنة في المكتبة الڤاتيكانيَّة.
4- يوسف لويس السمعاني: ابن شقيق السمعاني الكبير. المتخصِّص في الليتورجيا.
فور انتهائه من الدروس، سنة 1737، تعيَّن أستاذ اللغة السريانيَّة في المعهد الروماني، خلفًا لأندراوس اسكندر القبرسي. ذاعت شهرته عند إصداره المخطوطة الليتورجيَّة للكنيسة الجامعة (Codex liturgicus ecclesiae universae, in 12vol.).1749-1766. يتطرَّق فيه إلى الموعوظيَّة، والعماد، والتثبيت والإفخارستيَّا. للأسف لم ينتهِ من كتابته بالكامل. واستمرَّ في التأليف، وأصدر سنة 1766، تعليقًا لاهوتيًّا قانونيًّا نقديًّا على الكنائس وتقديسها. وما كتبه ثمين جدًّا. حتى أنَّ بعض الرتب الشرقيَّة ليست موجودة، مترجمة إلى اللاتينيَّة، إلاَّ في كتبه.
5- سمعان السمعاني: السمعاني الكبير هم عم والده. وهو ابن شقيق يوسف لويس. وثيقة عماده الموجودة في رعية مار ميخائيل في روما تثبت أنَّ والده يُدعى أنطوان، ووالدته هي إيطاليَّة اسمها MartaMariaDEVOTI. ولد في 19 شباط 1752، الساعة الحادية عشرة ليلاً. أمَّا عماده فكان في اليوم التالي، 20 شباط، وأعطي له 3 أسماء: سمعان-بطرس-أنطوان. عرَّابه المطران اسطفان عواد السمعاني، وعرَّابته خالته Angela Mathilde.
بعد تخرُّجه ملفانًا في اللاَّهوت، عاد إلى لبنان، سنة 1776، بحسب القسَم، وانتظم في الرهبنة المريميَّة. أمَّا أهله فظلُّوا في إيطاليا. عمُّه يوسف لويس استدعاه إلى روما بعد سنتين، سنة 1778. يقول سيلفستر دي ساسي أنَّه كان بنيَّته السفر إلى أميركا؛ ولكن، بوصوله إلى جنوى، تعرَّض للسرقة، الأمر الذي اضطرَّه تعديل مشروعه. من هناك انتقل إلى جرمانيا وڤيينا، وعَمِل في المكتبة الملكيَّة فيها. ثمَّ حطَّ رحاله في إكليريكيَّة بادوڤا، أستاذًا للغات الشرقيَّة، وللكتاب المقدَّس، سنة 1785.
في هذه الفترة، لبَّى طلب السيناتور جاك ناني، في البندقيَّة، وأعدَّ فهرسًالمكتبته الخاصَّة. شكَّل مرجعًا للشؤون الشرقية في شمال إيطاليا. مستشرقون عديدون شهيرون، من نواحي أوروبَّا كافَّة، تخرَّجوا عن يده: الأكاديمي من غوتِّنغن، تيشن، الفارس فراهن، أستاذ اللغات في سان بطرسبورغ. من باريس، وفد إليه الأب لورديه (Lurdet) ودرس على يده. وصلت مؤلَّفاته إلى إنكلترا. راسلَ سيلفيستر دي ساسي وآخرين عديدين من علماء ووجهاء أوروبَّا.توفي بعمر 69 سنة، سنة 1821.
6- أنطوان السمعاني: من مواليد طرابلس سنة 1746. دخل إلى المدرسة بعمر 10 سنين. وبعد رسامته كاهنًا، لم يعد إلى البلاد”.
نجيم
بعد ذلك كانت مداخلة للبروفسور طانيوس نجيم بعنوان “السمعاني والبرهان الإلهي” في حصرون قال فيها: “قرأت كتاب الإلهيات للعلامة يوسف شمعون السمعاني، مع مقدمة لأمين ألبرت الريحاني ودرست الفصلين الخامس والسادس من الكتاب الأول المقالة الأولى دراسة تحليلية ونقدية. وقد تسنّى لي منذ مطلع هذه السنة أن أزور مراراً إهدن ، بشري ، الديمان وحصرون، واستكشف سيراً على الأقدام على خطى الطوباوي مار اسطفان الدويهي الطريق الوعرة من حوقا إلى أعماق قنوبين، بل درب السماء من القمم المصغية إلى همس الالوهة حتىمتأكات الصوامع فأعماق الوادي حيث لا يزال رجع أصداء الصلوات الله يتردد في خلوات المغاور ويعكس وجه السماوات معطراً بالبخور في الحنايا والخفايا الحاضنة لمطانيات الزهاد وتضحيات الشعب المضطهد بأكمله ؛ في هذه الأجواء العلوية، الحافلة بحضور الله في كل آنومكان، تساءلت: أيمكن للإنسان أن يكون لا أدرياً أو غير مؤمن؟ واستحضرت براهين السمعاني ومعالجته مسألة العقل والإيمان وإشكالية الأصالة والحداثة.
1-في اللغة: يعتمد السمعاني اللغة العربية بخط الحرف الكرشوني. لئن كان مستوى هذه اللغة ضعيفاً ، كما يرد في المقدمة، أجيب، على سبيل الأمانة العلمية والإنصاف: إنَّها لم تُخطئ أهدافها، في زمن كان الانحطاط ضارباً في الشرق، على صعيد جميع المستويات حسب السمعاني أنه نجح، على الرغم من بعض الهنات، وعبّر بسهولة عن مواضيع بغاية الصعوبة والدقة كالإلهيات.
2-أما القول بأسبقية اللسان اللاتيني على اللسان العربي لديه، فأمر جدير بالتدقيق. يدفعنا التأمل في برامج دروس طلاب المعهد الماروني فيروما إلى التخفيف من حدة التشديد على هذه الأسبقية في ثقافة السمعاني يعزز هذه القناعة التأمل في ما أنجزه :وضع ثلاثة وعشرين كتاباً بالعربية، واثنين بالسريانية وأحد عشر باللاتينية، ولم تذكر المصادر الغة سائر الأعمال.
تتهم المقدمة السمعاني بالليتنة أي إنه بدلاً من أن يسعى إلى حضور ماروني مشرقي مميز، ساهم في ذوبان الشخصية المارونية المميزة فيخضم الشخصية الكاثوليكية العامة .تعود جذور الليتنة إلى محاولات السدة الرومانية منذ الحملات الصليبية استقطاب الكنائس الشرقية. وقد بلغت ذروتها في تأسيس مدارس للشرقيين في روما في أواخر القرن السادس عشر.
ومن نتائجها عقد المجمع اللبناني (1736) بإسهام كبير من السمعاني. لن نخوض في تقييم المجمع اللبناني. لكن لا يسعنا إلا أن نبدي بعضالتأملات في الليتنة وما كان لها من تأثير على الأصالة والحداثة لم يرد السمعاني ليتنة الكنيسة المارونية، بل تنظيمها ونقلها إلى عالمالحداثة، واليوم، لا شك في أنَّ الحكمة تقضي بالحد من مظاهر سطحية دخيلة ظرفية ، أنى كان مصدرها الليتنة أم تغرب وتبعية مزعومة. لكن الحكمة عينها تقضي بالا يتوقف زخم الحداثة ننفحة في الجسد الماروني بكل طاقاته
في الحقيقة، لئن تحول من الكنيسة المارونية إلى الكنيسة الرومانية اللاتينية لم يتنكر لجذوره المارونية حسبه ما نشر عن الموارنة والسريانوالشرقيين. يكفي مشروعه الجبار في المكتبة “الشرقية” الذي أحترق منه ثمانية مجلدات، فضلاً عن كتاب سوريا القديمة والجديدة،ومباشرته بنقل ونشر مؤلفات مار إفرام المعروفة باليونانية إلى اللاتينية مع تعليقات وشروحات. إذا ما استعرضنا ما أنجزه، لوجدنا أنه قامبحركة استشراقية خدمت الغرب.
لكن أهم ما قدمته كان لمصلحة الشرقيين أنفسهم. فضله أنه ابتاع من لبنان وسوريا ومصر وقبرص مخطوطات شرقية، ندرك ما كان يمكن أن يحدث لها لو بقيت في الشرق كغيرها فغدت وقوداً لنيران تنور أو صاج أوموقد،أو طعاماً للعث والفئران والجرذان.
خلاصة البحث “أنَّ الأثر الشرقي في أعمال السمعاني يبقى غالباً، مضموناً ولغة، وإن الجمهور الذي يتوجه اليه ويعمل على تثقيفه،شرقي فيمعظمه و سرياني ماروني بخاصة ما يتيح تصنيفه بامتياز معلماً مارونياً مشرقياً في الغرب” ، بل “علامة كاثوليكياً من أصول تعود إلى جذورمشرقية “4؛ إنّه لشرف أن يُصبح الماروني أو المشرقي علامة بحجم الكثلكة، لاسيما إذا كان ما ينقله نابعا من تراث الشرق وان تم النقلباساليب غربية متقدمة.
في المنهجية: تأثر السمعاني، بنهضة الغرب وذهنيته وعقلانيته. تصميم الكتاب منطقي. وتتعدى عقلانيته الشكل إلى ربط الكل والأجزاء ربطاًمحكماً في إطار من التسلسل المتقن، بحيث يكون الكتاب بكامله عمارة فلسفية متراصة ومتماسكة وفق جدلية برهانية وسياق منطقي. إنهامنهجية الفلسفة المدرسية la scolastique التي كانت تُدعى disputatio في البدء تحديد للمفاهيم في لغات عديدة بينها العبرانية والسريانية والعربية فضلاً عن اليونانية واللاتينية ما يدل على إتقانه هذه اللغات ، بل على تعدّد الروافد في ثقافته واندماجها في قالب واحدوأستيحائها منهجية تفكير شكلها غربي عقلاني.
بعد تحديد المفاهيم والمصطلحات، يقسم السمعاني موضوعه إلى أقسام يُتبعها بسلسلة من البراهين العقلية المبنية على الجدلالمنطقي، وأحياناً اللغوي؛ تدعم أستشهادات كتابية براهينه. ما يدل على اتساع ثقافته الكتابية وأستيعابه الآباء الغربيين والشرقيينوأستشهاده بأي منهم دونما انحياز. حتى النساك لهم مكانتهم في هذه الثقافة الكنسية الشاملة.
ثمَّ يُبرز قضايا اعتراضية، يُلحقها برد أو أكثر. بذهنية فلسفية متأصلة. للفكر الفلسفي جدلية لا مفر لها تقوم على احترام الرأي المضاد وفهمه ونقده تدعيماً للرأي الذي يُراد بيانه طبيعي أن يعتمد السمعاني هذا النهج الفكري الذي تربى عليه في الغرب. ليت العديدين من كتابناومفكرينا يحذون حذوه اليوم بالذات لما كنا نعاني من أحاديات فكرية ولا من عصبياتٍ مُتَأدلجةٍ ؛ بل كنا نصغي واحدنا للآخر ونتحاور بروية وأمل بالتقدم.
مارس السمعاني هذا النهج الفلسفي في اللغة العربية وبالحرف الكرشوني وعمل على نفحه أبناء ملته السريان ليُشاركوا من خلاله بملكيةالإرث الفلسفي الإنساني العام، ويرتفعوا من خلال تعاطيهم الفكر النقدي وجدلية الطرح والطرح المضاد، إلى خلاصات فكرية يتحرّر فيهاالإنسان من حصرية الفكرالمنعزل في بيئة معينة، ليلتقي الفكر الإنساني العام. حبذا لو نرتقي إلى هذا الالتزام لأنه خير خدمة نؤديها لوطننا بانفتاحنا على الإنسانية وخدمتها!
في المضمون: يستوحي السمعاني بشكل عام أفكار الفلسفة المدرسية والتراث اللاهوتي الكاثوليكي. ينفي الفصل الخامس إمكان البرهانعلى وجود الله بالعلة الخارجة. وبالذات والخواص والصفات، لأن عقلنا لا يدرك طبيعة الله من الداخل. لكنه يؤكد إمكان البرهان على الله منمصنوعاته مستشهداً بأدلة كتابية وفلسفية. ثم يبرز رأياً لبعض العلماء مفاده إمكان البرهان على وجود الله بأشياء تعكس لنا ذاته كتصورالقانون الأول الذي يلزم لطلب الخير والهرب من الشر وتصوّر الجوهر الكامل غاية . بعد تحليل هذا الرأي وصوابه ومدى إقناعه الجاهلوالعلماء، يورد خمسة براهين يقتنع بها العلماء، أولها مأخوذ عن تصوّر الله بما أنه موجود من ذاته، أي واجب الوجود […]؛ والثاني يؤخَذُ عن تصوّر الله بما أنه خير محض،أي كامل، وهو الله تعالى، وهكذا دواليك […].
ثم يجيب على الرأي الرافض إمكانية البرهان على وجود الله من مصنوعاته أنطلاقاً من فكرة يقتبسها من مار بولس؛ كما يجيب على القول بأنوجود الله هو اعتقاد إيماني بالعودة إلى مار توما الأكويني: الأشياء المعلومة بالتصور الطبيعي ليست أقسام الإيمان، بل مرشدةً إلى أقسامالإيمان”. وأخيراً يجيب على أعتراضين أولهما تعذّر البرهان على وجود الله غير المحدود من المخلوقات المحدودة غير المناسبة، وثانيهما أن”غير المتناهي لا يمكن تبرهنه بالمتناهي… إذن لا يمكن تبرهن الله بالبرايا “. جوابه أنه إذا كان متعذراً البرهان على ماهية غير المتناهي مماهو متناه”، فإنه يمكن البرهان على وجود غير المتناهي بنسبة الخلائق إلى خالق هو الله.
أما الفصل السادس المعنون في برهان وجود الله”، فيبدأ بالإشارة إلى أن المؤمن بالكتب المقدّسة ليس بحاجة إلى برهان عن وجود الله . لافت تقديره للإيمان. فهو يعفي من البراهين العقلية . لكنه لا يُلغيها. يُقدم خمسة براهين لغير المؤمنين بالكتب المقدّسة . الأول يؤخَذُ عنالحركة وضرورة محرك أول؛ … الثاني يؤخذ عن العلة الفاعلة ، ويُفضي إلى أنه لا بد من وضع علة فعالة أولى، وهي الله تعالى. الثالث يؤخذعن الممكن والضروري وواجب الوجود الذي هو الله تعالى . الرابع يؤخذ عن تدرّج المخلوقات واقترابها من الكائن الكامل الذي هو اللهالخامس يؤخذ عن غائية الأشياء واستنتاج وجود اللهِ مِنَ التأمل في العالم وترتيبه.
خاتمة: يطرح البرهان الإلهي أسئلة قديمة قدم العقل المتسائل عن معنى لوجوده وللألغاز التي تحيط به. إن كان الله موجوداً فهل يحتاج إلىبرهان؟ وما طبيعته؟ هل هي ادلة عقلية أم إيمانية؟ وما فعاليتها؟ إنها أسئلة نطرحها اليوم بعد تألق فلسفات وجودية وثورتها على المذاهبالشاملة. نجد عند السمعاني عروضاً تأخذ بالمذهب المدرسي في الفلسفة، لكنها تطرح الأسئلة وتقدم أراء كأنها نابعة من قلب حداثة القرن العشرين المشبعة بالوجودية.
لا عجب أن يُثير السمعاني إشكالية الإيمان والعقل، فهو مؤمن ومفكر عقلاني. في البيئة التي نشأ فيها، لا يمكن المرء إلا أن يكون مؤمناً. جمالاتها الطبيعية ترتفع بالروح إلى الله. ولا غرو فقد تكللت قبابها بمعابد وأديرة ومحابس تقرب العطشى إلى الكمال من مبتغاهم، ما جعلشعراءها الملهمين، والرحالة الأجانب يدعونها بقاديشا أو أرض القديسين؛ لكأنَّ الطفل، منذ إطلالته على النور، يرتوي إيماناً مع النسائم التيتتغلغل إلى صدره. وإذا أضفنا إلى هذه النواة البعيدة الغور في أعماق السمعاني، ما تراكم فوقها بفعل الخبرة في عاصمة الكثلكة، والتأملفي تحف الإيمان الفنّية، لفهمنا أهمية الإيمان عند هذا الماروني المشبع بأصالة الشرق وإبداع الغرب.
لا تتنافى معطيات الإيمان مع العقل ولا تلغي دوره. الله يمنح نعمة الإيمان والعقل نعمة من لدنه تسبغ على الإيمان معناه. تؤدي إليه كمابشائر الفجر إلى وضح النهار ، تكمل دوره ببلورة مفاهيمه والنتائج التي يُفضي إليها.
في كل هذا يتبين جلياً أن السمعاني ليس مارونياً تليتن فأضاع ذاتيته؛ إنه علامة ماروني أخذ بالحداثة الأوروبية في زمانه، فقدم للعالم خلاصةًفكرية مميزة فيها الشرق والغرب متناغمان، والإيمان والعقل متكاملان، فيها الفلسفة المدرسية التقليدية والحكمة المشرقية والعلمالحديث. لا يجوز أَنْ نُجَرَدَه من أصالته المارونية والمشرقية ليست الأصالة الحقيقية أن ننعزل وننكفئ على ذواتنا ونتحجر، ولا الحداثة أننتنكر لماضينا وناخذ بأي جديد ونعيش في غربة عن ذواتنا.
قد يكون الحل الأمثل المؤالفة بين الأصالة والحداثة، أن يكون الماروني بالفعل مارونياً أصيلاً ، أي منفتحاً على الغير وعلى الحقيقة أينماوجدت، وعلى الحداثة أنى هبت رياحها. ولعل مثل السمعاني، بمعزل عن بعض التفاصيل الظرفية، جدير بأن يُحتذى به. هذه هي العبرة لنافي محنتنا الوجودية، فإذا كان العقل والإيمان قد التقيا لدى السمعاني على القناعة بوجود الله، فما أحرى بنا أن نأخذ بها ونعمل بموجبها لامجال لللاأدرية واللامبالاة لاسيما بعد المفاجأة الدامغة الكبرى التي أقرّ العلم بموجبها البرهان الإلهي في كتاب
Michel-Yves Bolloré et Olivier Bonnassies, DIEU, LA SCIENCE, LES PREUVES, L’AUBE D’UNE REVOLUTION, Guy Trédaniel, 2021
وختم: “عسى أن يحفزنا مثال العلامة السمعاني وتطويب كبير بطاركتنا مار اسطفان الدويهي، على ترسيخ إيماننا بالله وتعزيز رجائنا باستعادة لبنان إشراقه فتنهض إلى تحقيق رسالتنا الدهرية في إغناء بيئتنا والعالم بأسره بالمؤمنين والملافئة والقديسين”
خليل
من ثم كانت مداخلة للدكتور روني خليل قال فيها:”صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبي، منظمي الاحتفال المحاضرين، مديرة الندوة، أيها الحضور الكريم. نجتمع الليلة في رحاب بلدة الفكر والوطنية والرجالات العظام..فخر لي أن أتحدث عن علامة قل نظيره، فبات علامة فارقة في تاريخ كنيستنا، ومهما تحدثنا عنه يبقى القليل، ولن تستطيع ايفاءه حقه. ومنأجدى به أن يكون عالمًا كالماروني، فصفة العلامة التصقت به
وسبقت كل المراتب التي تولاها والرتب التي استحقها.
1- يوسف السمعاني حصروني الأصل والنشأة، ولد في طرابلس في ٢٧ أب ١٦٨٧ من بيت كهنوتي قدم للكنيسة عمه المطران يوسفالسمعاني، رئيس أساقفة طرابلس الذي أرسله إلى روما لمتابعة علومه في المدرسة المارونية وهو بعد في الثامنة من العمر نبع في العلوم واللغات العديدة، سيم كاهنا في ٢٥ اب ۱۷١٠. مهمات ورتب عديدة استلمها، ومن أبرزها
الترجمة في المكتبة الفاتيكانية، للغتين العربية والسريانية،الملفنة في الفلسفة واللاهوت،حافظ المكتبة الفاتيكانية ثم رئيسا لها،خادم شرفي في قاعة الحبر الاعظم،مؤرخ في مملكة نابولي بطلب من ملكها،مستشار في مجمع انتشار الايمان،عضو في مجمع التوبة،وأسقف على صور.
توفاه الله في ١٣ كانون الثاني ،۱۷۶۸ ، تاركًا مؤلفات بالمئات تناولت مواضيع لاهوتية، تاريخية، فلسفية أدبية …
إن أبرز ما تركه لكنيستنا كانت بصماته في المجمع اللبناني.
٢ – المجمع اللبناني
ا – فترة ما قبل المجمع شكلت الكنيسة المارونية قبيل عقد المجمع مسرحًا لبعض الخلافات داخل الكنيسة والتدخلات في شؤونها من السلطة السياسية المتمثلة أنذاك بسلطة الاقطاعيين، نظرا لغياب قانون يسير شؤونها وشؤون اخبارهاويشرح لكل منهم حقوقه وواجباته… ومن تلك المداخلات، مسألة تنزيل البطريرك يعقوب عواد عن السدة البطريركية بين ۱۷۱۰ و ۱۷۱۳ ، وإعادته بعد تدخل الكرسي الرسولي، إضافة إلى أن المجامع التي سبقت عقد المجمع اللبناني لم تكن شاملة بمضامينها واقتصرت على نواح معينة، فارتفعت الأصوات المطالبة بالاصلاح الكنسي وترتيبه، ومن بينها مطالبة المطران عبدالله قرالي بمرجع يستند إليه لمعرفة حقوقه الأسقفية، فلم يجد.
راسل قرالي المجمع المقدس طالبا تعيين من يقضي ويُشرع في هذه الأمور، فأوفد الأخير القن جبرائيل حوا قاصدًا رسوليا إلى الكنيسةالمارونية، فعقد مجمعًا أوضح من خلاله بعض المسائل الداخلية بين أصحاب السلطات، لكنه لم يكن شاملا.
مع البطريرك يوسف ضرغام الخازن، رفعت إلى المجمع والى الحبر الأعظم اقلیمنضوس ۱۲ رسالة من أركان الطائفة سنة ١٧٣٤ ، تطالببإرسال العلامة يوسف السمعاني الإصلاح القوانين البيعية. وعليه، أصدر الحبر الأعظم ٤ براءات للسمعاني وللكنيسة المارونية بهذاالخصوص. وصل السمعاني في ١٧ حزيران ۱۷۳۶ قاصدًا من قبل الكرسي، حاملا معه لائحة من ۱۲ بندا اصلاحيا ارتكز عليها في جلساتالمجمع (ارشيف) بكركي، وثيقة رقم ١٥ خزانة البطريرك يوسف الخازن). استهل المجمع بجلسات تمهيدية عقدت في دير مار سركيس فيريفون ثم انتقل المشاركون من أركان الطائفة وأعيانها إلى دير سيدة اللويزة بين ۲۷ أيلول و ۳۰ منه، وهو الموقع الوسطي بين المناطق اللبنانية وهو دير عامر بالحضور الرهباني، وحالته جيدة، وما إليها من الضروريات لعقد مجمع بهذا الحجم.
إن إقامته في هذه المنطقة تضعنا أمام واقع جديد، إذ شهدت الطائفة تحولات جذرية اعتبارًا من أوائل ذاك القرن، فمن الناحية السياسية،اتصفت بالهدوء النسبي والانتقال من مناطق اعتبرت أماكن حماية للموارنة، إلى مناطق اخرى في وسط البلاد. ومن الناحية الدينية ستشهد كنيستنا انتشارًا في بناء الأديرة في كسروان والمتن وغيرهما من المناطق. ومن الناحية الديمغرافية، عرفت تقدما ملموسا عدديًا على حساب تراجع نسبي في الديمغرافية الدرزية، وكذلك في زعامة الأخيرة سياسيا نتيجة التناحر الداخلي ولا سيما المعارك القيسية اليمنية في عين داره سنة ۱۷۱۱ لتتجلى هذه التغيرات بوضوح أواسط القرن ۱۹ ليلعب الموارنة دورًا رئيسيا في الحكم إضافة إلى عامل التقرب من عائلات غير مسيحيةتنصرت خلال تلك الفترة.
ثبت البابا أعماله بنسخته اللاتينية سنة ١٧٤١، وبعد جدال لن ندخل في تفاصيله هنا، في ما يتعلق ببعض الفروقات بين الترجمة اللاتينيةوالعربية، حسم الأمر بشكل نهائي سنة ١٨٨٤ بقرار من الكرسي الرسولي باعتماد النسخة اللاتينية بعهد بطريركية بولس مسعد.
ب أبرز ما تضمنه المجمع اللبناني
مثل المجمع رمز الإصلاح والتنظيم في كنيستنا، في تاريخها الحديث والمعاصر. فالسمعاني اعتبر رمزا من رموز الحداثة الأوروبية، طبع كنيستنا الشرقية جاءت بنوده مستوحاة من المجمع التريدنتي ومن افكار السمعاني النهضوية التغييرية، شملت النواحي الإيمانية،الاجتماعية، التنظيمية والوطنية. أعاد التأكيد على هوية كنيستنا الانطاكية السريانية المارونية المرتبطة بالكنيسة الكاثوليكية الرومانية والمناهضة لكل انواع البدع والهرطقات ألزم التعليم الابتدائي قبل الثورة الفرنسية بعقود من الزمن ، ص ٤٩٤ ، وأوصى بضرورةتثقيف طالبي الكهنوت واقتناء الكتب، سمح باستخدام اللغة العربية في القداس مع استمرار استخدام السريانية كلغة أساسية، ما يؤكد على اعتبار اللغة العربية قبل عصر النهضة العربية، ص ٢١٤ – ٢١٦ ، حدد واجبات وامتيازات وحقوق الاكليروس والرهبنات وكيفية ممارسة الاسراروالاهتمام بالكنائس وطريقة هندستها والرسامات الكهنوتية والاسقفية وشروط الانتخاب حدد الاعياد والاصوام وتكريم الصور والذخائر وتبريك الزيت عينجغرافية الكرسي البطريركي وابرشياتها وبعض مراكزها الاسقفية التي تغيرت مع الوقت حدودها نظرًا للمتغيرات الديمغرافية والاجتماعية فصل الاديار المشتركة، وسواها من البنود التنظيمية.
إنه دستور بكل ما للكلمة من معنى. لم تزل كنيستنا تعتمده، يُحترم ويطبق. فكنيستنا مؤسسة منظمة شديدة التنظيم بهيكلية واضحة وأهداف وطنية وروحية واجتماعية ثابتة باستمرارية ١٤٠٠ سنة، وبتطور مستمر في مؤسساتها كافة، في حين نتخبط سياسيا في أي استحقاق زمني….
إنه لمسار واضح المعالم والخُطى ومصير مفتوح الأفق، لم ولن تقوى علينا صعوبات الايام.
مجمع لبناني وليس مارونيا، وهو التنظيم الديني الوحيد الذي ارتبط عنوانه باسم لبنان. رسخ هوية وطنية ومشرقية كاثوليكية للكنيسة المارونية ولبنن إيماننا المسيحي وثبت مفهوم الكيان اللبناني بكل دلالاته الوطنية والجغرافية باستخدام كلمة لبنان؛ اولا، في عنوان المجمع،وثانيا في مواقع عديدة في لصوصه، وعلى سبيل المثال في ص ٣٥٦ ، ص ٣٦٠، وفي رسالة وجهها السمعاني إلى البابا اقليمنضس ۱۲ بتاريخ ۱۷كانون الثاني ۱۷۳۷ تتضمن خلاصة اعمال المجمع، يورد فيها عبارة سكان لبنان وانتيليبان، ص ۱۷۶ – ۱۷۸ من ذيل المجمع اللبناني.
وعبارة الرهبانية اللبنانية التي انقسمت سنة ۱۷۷۰) إلى لبنانية حلبية والى لبنانية بلدية في العديد من صفحاته وبذلك يكون المجمع قد مهد للبنان الكبير قبل قرنين من الزمن.
وما نهج بكركي وسيدها منذ قرون من الزمن، حتى يومنا هذا الا تأكيدًا واضحًا على ديمومة كيان لبنان ومع صاحب الغبطة الكاردينال الراعي،ونداءاته المتكررة بمبدأ الحياد سوى استكمال المسار تاريخي وخطاب وطني عرفته بكركي فلتبق بكركي حصنا من حصون لبنان المنيعة. عشتم عاشت كنيستنا بأركانها وشعبها، عاش وطننا الحبيب وشكرا.
جبارة
بعدها تحدث الخوري القاضي أنطونيوس جبارة عن أثر الخورسقف عبدالله السمعاني المتحدر من سلالة السماعنة الاوائل ناهل المعرفة وناشرها في رعية حصرون وقال: “لا بد من التوقف عند مزايا شخصيته حتى نفهم قيمة الوقت الذي كرسه في خدمة بلدته حصرون فالرعية كانت أشبه بدير للرهبان والجميع ملتزم بالصلوات صباحاًومساءً وساحة الكنيسة في حصرون أصبحت محطة ثابتة لكافة المؤمنين الذين يتجمّعون قبل الصلاة والقداس .فشخصية الاب عبدالله هي نادرة في عالم اليوم حيث حفر في تاريخ البلدة نهجاً لا يزال ساري المفعول حتى في غيابه .ونحن نكمل ما بدأه نحاول تثمين الوزنات التي منحنا اياها الله لقد أسسنا ذاكرة حصرون وهي كناية عن مجموعة من المهتمين هدفنا البحث عن تاريخ البلدة وجعله حاضراً وقد أصدرنا كتابين على أمل ان نصدر كل سنة أوسنتين كتاباً جديداً .وحصرون غنيّة برجالاتها العظام وتاريخها لذلك نطلب من الرب ان يبارك جهودنا كي نفي كل من له تعب على بلدتنا حقّه وامل ان تأخذ المبادرات التي اطلقها المطران نفاع وتأخذ طريقها نحو التنفيذ واضعا امكانيات الرعية في تصرف مشاريع نهضوية تعيد لحصرون امجادها”.
يرق ومرعب
من ثمّ كانت كلمة مقتضبة للخوري جورج يرق الذي عدد الانجازات التي قام بها السمعاني مؤكدا ان اسم الموارنة يعود للبطريرك يوحنا مارون واشار الى الجهد الذي قام به الكاتب جاك السيّد والناقل مرعب مرعب لتحقيق الكتابين اللذين نشرا بعد ان دققهما “صفحات من تاريخ حصرون” و”سنكسارحصرون١٩٣٨.” املا ان تستكمل كافة التحقيقات لاصدارات لاحقة تغني مكاتبنا وتسلط الضوء على تراثنا العريق.
الناقل مرعب اشار الى “غنى مضمون كتاب السنكسار1938 الروحي بالصلوات معتبرا انه جوهرة دينية تلريخية متمنيا ان يكون في كل بيت حصروني”.
اما الكاتب جاك السيد فقال: “اجمل انواع الكتابة هي التي تعيد صياغة التاريخ وتقدمه للاجيال القادمة بصورة جديدة ،. وكتاب صفحات من تاريخ حصرون، هو الوفاء للوردة الحمرا، التي لقّبها الشاعر الفرنسي لامارتين، ب”وردة الجبل”. ومن هنا يجب علينا ان نحافظ على إرث أجدادنا، الذين جعلوها وردة الجبل، كي لا تزبل. وعندما نتكلم عن تاريخ حصرون، يجب ان نذكر شاهين المشروقي، اب عائلات حصرون، الذي نزح من صدد الى حصرون سنة 1470، بسبب بطش وظلم الحكام في سوريا حينها. تشعبت ونمت اسرة المشروقي بحسب الدويهي الى 6 فروع: : السّمعاني، عوّاد، مسعد، الشدياق، فرحات مطر، والحاج، وبرز منّها شخصيات حصرون الدينية الذين نذكرهم اليوم.
كل الباحثين والمؤرخين، أجمعوا على انّ حصرون، معروفة بالبلدة التي اعطت للمسيحية وللطائفة المارونية بشكل خاص، رجالات دين كثر. ويوجد فصل رجالات الدين، بكتاب صفحات من تاريخ حصرون، وهو اكبر فصل ويتضمن اكتر من 100 صفحة وقسّمنا البطاركة والاساقفة الى قسمين: من مواليد حصرون، ومن اصل حصروني. (اصل حصروني يعني الذين ارتحلت أسَرُهم في القرن السابع عشر الى كسروان، وغيرها من المناطق اللبنانية، بداعي الهجرة الداخليّة.
أعطت حصرون بطريركين من مواليد حصرون ومن تلاميذ المدرسة المارونية في روما البطريرك يعقوب عواد والبطريرك سمعان عواد ،وبطريركين من اصل حصروني ،البطريرك بولس مسعد من مواليد عشقوت والبطريرك يوحنا الحاج من مواليد دلبتا.
وتحدث عن بطاركة آل عواد اللذين كان لهما دور في القيادة الدينية، وكانوا يتمتعون بنفوذ في المجتمع اللبناني، في ظل الضغط العثماني وحكم آل حماده، الامر الذي دفعهما مرارا الى الانتقال والهرب من الظلم واضطهاد الحكام وعن البطريركين بولس مسعد ويوحنا الحاج قال: يعود نَسَبُهما للمقدّم خاطر الحصروني. وكانوا يتميزون بحنكة دبلوماسية، وتعاملوا بمهارة مع السلطات العثمانية ومع الكنيسة الكاثوليكية في روما، لضمان بقاء المجتمع الماروني
وتابع:”اما بالنسبة الى الاساقفة، فحصرون اعطت 17 أسقفا 11 من مواليد حصرون ( 6 من تلاميذ المدرسة المارونية في روما)و6( من اصل حصروني) ولكل واحد منهم دور ورسالة في تاريخ الكنيسة، وكتبوا اسمهم من ذهب على صفحات تاريخ حصرون وتاريخ الطائفة المارونية”.
واضاف: “يقول البطريرك الطوباوي الدويهي في منارة الاقداس:” وأما درجات الكهنوت، فهي أشرف من درجات الأرض والسماء، ولذلك يجب على الكاهن ان يجتهد في حسن السلوك مع نفسه ومع القريب. على هذا ا الايمان تربى رجالات الدين في حصرون، خدموا البيعة والطائفة المارونية بكل تفان واخلاص، واستحقوا بدون شك ان يقول الرب لهم: “احسنتم ايها العبيد الصالحين”.
وختم “صلاتنا اليوم للرب كي يعطينا دعوات كهنوتية صالحة على مثال رجالات حصرون الدينية. أمين”
وشكرا
البطريرك الراعي
وفي الختام تحدث البطريرك الراعي وقال: “أنا لم أحضر لقاء مثل هذا اللقاء ، أولاً أشكر الرابطة المارونية وجمعية حصرون للتنمية المستدامة وأشكر جميع المحاضرين الذين أغنونا بمحاضراتهم وأتمنى أن يكون هذا اللقاء للشبيبة الدارسين والجامعيين كي يعرفوا أنّحصرون أعطت كنسياًّ أربع بطاركة وسبعة عشر مطراناً وكهنة ورهبان وراهبات لا يحصوا ولا يُعدّوا” .
أضاف: “حصرون الفكر، حصرون الثقافة ، حصرون الفكر، ويا ليت أجيالنا الجديدة تحضر مثل هذا اللقاء. لان هذا اللقاء سيعيشوه اليوم، وبالنسبةللاكليروس اليوم الذين يحضرون لشهادة الدكتورة يختارون مواضيع غريبة عجيبة في الوقت الذي يجب عليهم أن يأخذوا مواضيع من تراثناالماروني والاتكال بهذا الموضوع على سيدنا مارون ناصر في توجيههم على الدراسات العلمية للتراث الماروني لانه تراث عظيم كما رأيتم . تراث عظيم لا تملكه أية كنيسة ولا أية بلدة أخرى لان إلهنا زرع في هذه الأرض المواهب الفريدة . المجمع اللبناني منذ ١٧٣٦ لا يزال حتى يومنا هذا ساري المفعول . البارحة صدرت قوانين جديدة لكنها لا تلغيه ودائماً نرجع اليه وهذا كان عمل السمعاني الكبير وهذا العمل الذي كان يقوم به كان من خلالالله الذي أعطانا هذه الشخصيات لحصرون ولكل لبنان” .
وتابع: “في الحقيقة ، عندما كنت أسمع كل محاضرٍ كان لدي فحص ضمير كيف كنت مقصرّاً لمعرفة هذا الكنز الثمين ولكن على الشبيبة والمدنيين والكهنة التعرّف على هذا الكنز . إنّي أهنئكم يا حضرة الكاهن على المتحف الذي أقمتموه باسم المونسنيور عبد الله الذي سيكون فيه كل هذا التراث العظيم” .
وختم: ” في النهاية، أقول شكراً للمنظمين والحاضرين وشكراً لكل واحد فرداً فرداً منكم وشكراً لكل ما سمعناه وللطاقة الذي خلقها الله فينا وشكراًخاصة لحصرون ، هذه البلدة الغنية بتاريخها العظيم” .
وكان عشاء تكريمي على شرف البطريرك والمشاركين.