لمناسبة الذكرى السنوية الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا أجرى موقع فاتيكان نيوز الإلكتروني مقابلة مع السفير البابوي في كييف المطران فيسفالداس كولبوكاس الذي قدم صورة عن الأوضاع الراهنة في البلاد، لافتا إلى أن المواطنين يستطيعون البقاء على قيد الحياة بفضل المساعدات الدولية، وأن ملايين الأطفال والفتيان حُرموا من الأعوام الدراسية، وأكد الدبلوماسي الفاتيكاني أن الكهنة والمتطوعين أنشأوا شبكة لوجستية للنقل، موضحا أن الأساقفة يقفون اليوم في الصفوف الأمامية ساعين إلى مساعدة السكان المحتاجين.
في حديثه لموقعنا الإلكتروني شاء المطران كولبوكاس أن يسلط الضوء على فسيفساء من المشاعر والاحتياجات والمعاناة في بلد يحاول البقاء على قيد الحياة، على مدى السنتين الماضيتين، على الرغم من الحجم الهائل للموت والدمار، وهو يجد نفسه اليوم داخل نفق لا يرى في آخره النور بعد.
قال السفير البابوي في كييف إن الوضع ما يزال مطبوعاً بالألم والمعاناة، لافتا إلى وجود آلاف الأسرى الذين يعيشون في ظروف لا تليق بالإنسان، وفقاً لشهادات الأسرى العائدين إلى الوطن. وأضاف سيادته أنه يرفع الصلوات إلى الله في كل يوم، على نية هؤلاء الأشخاص، وعلى نية الأطفال الذين أُبعدوا عن أهلهم، ويعيشون أوضاعاً مأساوية ولا يجدون من يساعدهم. وقال إن السكان الذين بقوا في المناطق الحدودية هم إما من المسنين العاجزين عن ترك بيوتهم أو الفقراء الذين لا يستطيعون البحث عن مكان آمن. وأوضح أن هؤلاء يعتمدون تماما على المساعدات الإنسانية الدولية من أجل البقاء على قيد الحياة، بما في ذلك مياه الشرب والخبز. ولفت هنا إلى وجود شبكة تتألف من كهنة ومتطوعين تسعى إلى تلبية احتياجات هؤلاء الأشخاص، وتقوم الشبكة أيضا بتوفير خدمات النقل لإبعاد السكان عن المناطق الأشد خطرا.
بعدها تحدث المطران كولبوكاس عن وجود ملايين الفتيان والفتيات الأوكرانيين، لاسيما في المناطق الشرقية، العاجزين عن التوجه إلى المدرسة وذلك منذ جائحة كوفيد ١٩، ما يعني أنهم لا يتابعون تحصليهم العلمي منذ أربع سنوات، مع أن من بينهم من يتمكنون من متابعة الدروس عبر الإنترنت. هذا وأشار سيادته إلى أن موظفي السفارة البابوية في كييف يعجزون أحياناً كثيرة عن الوصول إلى مقر عملهم بسبب الإنذار من شن غارات جوية، وأحياناً كثيرة يبقون عالقين في السفارة لساعات طويلة قبل أن يتمكنوا من العودة إلى بيوتهم. دون أن ننسى بالطبع الأعداد الكبيرة من القتلى والجرحى ومن أصيبوا بإعاقات دائمة، فضلا عن ملايين المهجرين واللاجئين.
تابع الدبلوماسي الفاتيكاني حديثه لموقعنا الإلكتروني متوقفاً عند الأوضاع الراهنة على جبهات القتال وروى أن بعض الجنود حدثوه عن حياة الصلاة والإيمان التي يعيشونها على الجبهة، خلال الأوقات العصيبة التي يمرون بها، لافتا إلى أن شهادات هؤلاء الجنود تحفّز الإيمان لديه أيضا. وقال إن هؤلاء يقولون إنهم يصلون بحرارة كبيرة تحت القصف ومن بينهم من يقولون إنهم يشعرون أن الرب موجود إلى جانبهم. وأشار أيضا إلى الشهادات التي سمعها من بعض الأسرى السابقين، الذين وصفوا له الأوضاع المزرية التي كانوا يعيشونها، مضيفا أن اللسان يعجز أحياناً كثيرة عن وصف حالتهم.
ردا على سؤال حول إمكانية التوصل إلى حل دبلوماسي يضع حدا للصراع المسلح الدائر منذ سنتين، قال السفير البابوي في كييف إنه لا يرى في الوقت الراهن أي بوادر تبشّر بالتوصل إلى حل من هذا النوع، متمنياً أن يكون مخطئا. لكنه أكد أنه بفضل نعمة الله كل شيء يصبح ممكنا، ومن هذا المنطلق لا بد أن يضع المؤمنون ثقتهم التامة بالله الرحوم. وشاء أن يذّكر سيادته هنا بأن أبرز المساعي الهادفة للتوصل إلى حل دبلوماسي للحرب الروسية – الأوكرانية تأتي من البلدان والمنظمات الدولية التي قررت عدم الانحياز لأي من الطرفين.
في سياق حديثه عن الدور الهام الذي تلعبه الكنائس من أجل مساعدة السكان قال المطران كولبوكاس إن الدعم الذي تقدمه الكنائس بالغ الأهمية، وهذا يصح أيضا من الناحية الروحية. وقال إن العديد من الأشخاص يتساءلون كيف يمكن أن تقع أحداث مروعة كهذه في القرن الحادي والعشرين، وهذا الأمر يولد لديهم نوعاً من فقدان الإيمان والثقة. مع أن الصلاة والإيمان يبقيان مرساة النجاة الوحيدة بالنسبة للجنود على جبهات القتال. وبالإضافة إلى الدعم المعنوي والروحي تنشط الكنائس في أوكرانيا على صعيد المساعدات الإنسانية، وهذا ما تقوم به بنوع خاص المؤسسات والدوائر التابعة للكرسي الرسولي، فضلا عن المنظمات الخيرية الدولية، والكنائس المحلية، الكاثوليكية وغير الكاثوليكية، لافتا في الختام إلى أنه شاهد في مناسبات عدة أساقفة يوزعون بأنفسهم المساعدات على المحتاجين.