تحت شعار” تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قدرتك، ومن كل فكرة وقريبك مثل نفسك”، اقيمت صلاة الوحدة من أجل المسيحيين في كنيسة الشهيد مار جرجس القديس الأنبا ابرآم-هليوبوليس-القاهرة وذلك بدعوة من مجلس كنائس الشرق الأوسط بالتعاون مع مجلس كنائس مصر.
ترأس الصلاة، قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بمشاركة رؤساء الكنائس في مصر، الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط الدكتور ميشال عبس، الأمين العام لمجلس كنائس مصر القس يشوع يعقوب، مطارنة وآباء كهنة وقساوسة واخوات راهبات وجمهور كبير من المؤمنين.
بداية الصلاة، كانت كلمة للقمص سرجيوس سرجيوس وكيل عام البطريركية رحب فيها بالجميع متحدثاً عن تاريخ بناء الكنسية مند العام ١٩٥٨ ولغاية اليوم.
من ثم، كانت كلمة لنيافة الأنبا بيشوى حلمي الأمين العام المشارك عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مجلس كنائس مصر تحدث في خلالها عن تاريخ وحدة الكنيسة مؤكداً أن اسبوع الوحدة قد حقق إنجازات، وان الكنائس في مصر قد أحرزت تقدما في الكثير من المواضيع بالرغم من أن الطريق إلى الوحدة المنشودة ما زال طويلاً. لذلك فإن الأمر يحتاج إلى صلوات دائمة في كل حين ليكون الجميع واحداً. هنأ مجلس كنائس الشرق الأوسط بالسنة الخمسين لتأسيسه كما مجلس كنائس مصر بالسنة الحادية عشرة لتأسيسه أيضاً.
بعدها، كانت كلمة مسهبة لأمين عام مجلس كنائس الشرق الأوسط الدكتور ميشال عبس قدم في مستهلها كلمة محبة وعزاء لقداسة البابا تواضروس الثاني وللكنيسة ولعائلات الرهبان الثلاثة الذين استشهدوا في جنوب أفريقيا، حملت عنوان ” المسيحيون والاضطهاد والحرية” قال فيها:
“من المحاكمة والجلد وطريق الجلجلة فالصلب والقيامة الى رمي المسيحيين طعاما للضواري الى اقتلاعهم من ديارهم، الخط واحد، مستقيم، لا تعرج فيه ولا لبس لا في فهم مساره ولا في تأويله.
تاريخ المسيحية منذ نشؤها وعبر تصاعدها، طريق محفوف بالمخاطر والتضحيات والشهادة على طريق القيامة. ان ازكى الشهادات هي شهادة الدم.
على خطى السيد المتجسد الذي فدانا بمجيئه، ما برح المسيحيون يسيرون في كل بقاع انتشارهم. يبلسمون الجراح ويأتي من يجرحهم، ينشرون العلم فيغتالهم الجهلة، يكرسون الحرية فيطعنون من ممتهني العبودية، يضيئون ليل العالم فتأتيهم الظلامية لكي تقضي عليهم.
أما آن لهذا الليل ان ينجلي؟
الرهبان الثلاثة الذين قتلوا في جنوب افريقيا يشكلون اكليل غار إضافي في درب نشر رسالة المحبة والسلام.
لا يسعنا ان نقول لكنيستهم، لأهلهم، لمجتمعهم وللإنسانية الا: المسيح قام.”
ثم قدم كلمته المخصصة للمناسبة وهي تحت عنوان “خمسون” ورد فيها:
“لَمَّا حَلَّ يومُ الخَمسينَ، كانَ الرُّسُلُ كُلُّهُم مَعاً في مكانٍ واحد” (أع 1:2)
هذه الآية هي الشعار الذي اتخذه مجلس كنائس الشرق الأوسط في ذكرى تأسيسه الخمسين، وقد صممه فريق العمل، مع دائرة التواصل في المجلس، بشكل يدمُج سنة الخمسين بشعار المجلس المعروف من الجميع، تضاف إليهم الآية – الشعار ونجومٌ أربعة، تيمنا بالعائلات الأربعة التي يتكون منها المجلس.
لقد كان مباركا ذلك اليوم الذي اجتمعت فيه بيعة السيد، في جزيرة قبرص، نجمة المتوسط، في مايو 1974، لتعلن انها توافقت على توطيد العلاقات بين مكوناتها، في مؤسسة أجمعت على تسميتها مجلس كنائس الشرق الأوسط. لقد كانت هذه المرحلة ذروة مسارٍ استمر عقوداً بُذلت خلالَها جهود حثيثة من مجموع كبير من القيادات الكنسية ومن المؤمنين الخُلّص، النيرين، الذين يتوقون الى رؤية عمل مسيحي مشترك، يسمى العمل المسكوني.
يومها، ايقن القيمون على الأمور جدية ما هم قادمون عليه، فوظفوا ما اوتوا من طاقة ودراية في تنظيم هذه المؤسسة الناشئة، الواعدة، وكرّسوا وقتهم للعمل على القيام بكل ما يؤمن استمرارَها ونجاحَها، وكان الأمين العام الأول من مصر، من ارض النيل، من بيت العائلة المقدسة.
لقد ضم المجلس آنذاك ثلاث عائلات كنسية، ومن ثَم، انضمت العائلة الرابعة الى المجلس في التسعينات، وأصبح مكونا من العائلات الارثوذكسية الشرقية، والارثوذكسية، والانجيلية، والكاثوليكية.
خلال الفترة التي تفصلنا عن مرحلة التأسيس، مر المجلس بمراحلَ وتحولاتٍ كثيرةٍ، على صعيد البرامج والاهتمامات والبنية التنظيمية، كما تأثر خلال تلك الفترة بالتحولات الإقليمية والدولية التي انعكست عليه، ولكنه استطاع الاستمرار بفضل القيمين عليه، من رؤساء وامناء عامين ومشاركين.
على صعيد البنية التنظيمية، المجلسُ مكون من جمعية عامة تلتئم كلَ اربعة سنوات، او عندما تدعو الحاجة، فتتلقى تقارير الإنجازات وتناقشُها، وتقر توجهات مستقبلية يقدمها لها فريق العمل بعد التشاور مع اللجان المختصة، وبعد موافقة اللجنة التنفيذية، كما تعمَد الى انتخاب لجنةٍ تنفيذيةٍ وامينٍ عامٍ للسنوات الأربعة التالية. بدورها، تقوم اللجنة التنفيذية بتعيين ثلاثة أمناء عامين مشاركين من العائلات الكنسية الثلاثة التي ليست عائلة الأمين العام. في السنوات الثلاثة الماضية شهد المجلس استعادةً لدور الأمناء العامين المشاركين التاريخي، في سياق إرساء نظام اخذ القرارات بأوسع تشاور ومشاركة.
المجلس في سنته الخمسين، مؤسسةٌ متقدمةٌ على صعيد البرامج، حيث انه يتعاطى مع حاجات متنوعة، تبدأ بالإغاثة في حالات الطوارئ، وصولا الى مشاريع التنمية التي تشمل التدريب والدعم المهنين، في المجال الحرفي والزراعي وغيرهم من المجالات الضرورية لتأمين الدخل للأسر الأكثرَ حاجةً. كما تشمل برامجه التوعية على الحقوق، والتوعية الصحية، والمساعدة على الشفاء من الصدمات وحماية البيئة، والندوات التي تُعنى بالكرامة الإنسانية، والحوار الاجتماعي وغيرها من وسائل بناء الرأسمال الاجتماعي. إضافة الى كل ذلك، اهتم المجلس بترميم الأبنية والمؤسسات الكنسية، ورمم البيوت المتضررة من جراء الزلزال الذي ضرب المنطقة العام الماضي. والجدير ذِكره ان هناك مشاريع كثيرة هي برسم التحضير وسوف ترى النور قريبا. في كل ذلك، يجسد مجلس كنائس الشرق الأوسط قيم ومثال السامري الصالح.
المجلس في سنته الخمسين هو أيضا مؤسسة متقدمة على صعيد التنظيم والإدارة، حيث يجري بناء قدراته الإنسانية عبر التدريب والتعليم، ويقوم في نفس الوقت بتطوير اساليبه الإدارية والمالية عبر تنمية تنظيماته الاجرائية الداخلية وتجديدها، تماشيا مع ما يجري في العالم في مجال تنظيم وإدارة الهيئات الدينية-الاهلية واستجابة لمتطلبات الهيئات الدولية الشقيقة. في نفس الوقت، يجري تجديد نظامه المحاسبي، توخيا للسرعة والفعالية في العمل المالي والمحاسبي، توصلا الى كفاءة مالية عالية.
في كلا المجالين، البرامجي والإداري-المالي، يُظهر المجلس فعالية وشفافية رفيعتين، مما يعطيه مصداقية عالية لدى الشركاء الدوليين، الكنسيين وغير الكنسيين منهم، بدليل توافدهم الى التعامل معنا واعطاءَنا أولوية في برامجهم ومشاريعهم.
كل ذلك يقود الى ان تتكون في المجلس ثقافةٌ مؤسساتيةٌ جديدة، كانت قد تراجعت على ضوء التغيرات التي حصلت على صعيد الفريق العامل، وكلنا يعلم ان ثقافة المؤسسات تجد ضمانتها واستمراريتها في استمرارية الافراد الذين هم وعائها وذاكرتها التاريخية.
المجلس اليوم متواجد في دول أربعة من الشرق الأوسط، ويتوق الى العودة الى دولٍ كان متواجداً فيها ولم يعد، وكنائسنا لم تبخل يوما على المجلس لا بالاستضافة ولا بالدعم، وهذا امر يعرفه القاصي والداني، خصوصا شركاؤنا الدوليون.
أصحاب القداسة والغبطة والنيافة والسيادة والاحترام،
هذا هو وضع مجلسكم في سنته الخمسين، وإذا كان لا بد من تهنئة، فهي تكون منا لكم، لاستمراركم معا في هذه المؤسسة لنصف قرن رُغم الصعوبات التي مرت بها المنطقة والمؤسسة على حد سواء.
ان الروح المسكونية تتجلى بوجودكم معا، وآخر ما شهدناه من تجلياتها كان في شهر مايو/أيار 2022، حيث عُقدت جمعية عامة في مركز لوغوس البابوي – دير الانبا بيشوي، في وادي النطرون، بعد غياب دام ست سنوات بسبب الجائحة، وقد توجت هذه الجمعية العامة الثانية عشرة الخمسين سنة الأولى من عمر المجلس.
هذه الروح المسكونية، والثقافة المسكونية المشتقة منها، مهما كان رأيُ البعضُ فيها، هي في مسارٍ متقدم، بزخم، قد يتغير تبعا لبعض الظروف، ولكنها لم تشهد قطعا ايةَ انتكاسةٍ.
اما بالنسبة الى السنة الخمسين، التي تسمى اليوبيل الذهبي، ونحن نكتفي بتعبير السنة الخمسين، فقد شددت اللجنة التنفيذية على ان تكون سنة تقييمٍ وتفكيرٍ وتأملٍ واستشراف، بعيدا عن البهرجة او ايةِ مظاهرَ لا نجدها مناسِبة، ولحسن تدبير الأمور الرباني”.
و ختم، “في كل ذلك، ومن اجل خدمة الانسان باسم المخلص، نطلب بركاتَكم ودعمَكم، لكي يرعانا الرب ويساعدنا على أداء الخدمة الفضلى.”
بعد ذلك، القى الأمين العام لمجلس كنائس مصر، القس يشوع يعقوب، كلمته التي شدد فيها على “أن صلاة الوحدة تتطلب مثابرة ومشاركة وان إظهارها يعطي منارة للعالم، معدداً النشاطات التي يقوم بها مجلس كنائس مصر”.
بعدئذ، كانت كلمة للأمين العام الفخري لمجلس كنائس الشرق الأوسط الدكتور جرجس صالح، تحدث فيها عن شعار اسبوع الوحدة لعام ٢٠٢٤ الذي وقع اختياره في وقت يعاني فيه العالم والشرق الأوسط من حروب وأزمات، لذلك أتى هذا الشعار ليحثنا على السير نحو الصلاة والعمل معاً في محبة متبادلة “.
كذلك تكلم عن مجلس كنائس الشرق الأوسط والجمعية العامة الثانية عشرة التي عقدها سنة 2022 في مركز لوغوس البابوي – دير الانبا بيشوي في وادي النطرون بضيافة قداسة البابا تواضروس الثاني.
وتخللت صلاة الافتتاح تلاوة العديد من النصوص الكتابية والتسابيح والصلوات الكنسية بلغات متنوعة.
في ختام الصلاة، ألقى قداسة البابا تواضروس الثاني كلمة روحية بعنوان “مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟” (مر ١٠: ١٧)،
قدم في مستهلها التعزية بالرهبان الثلاثة الذين استشهدوا في جنوب إفريقيا ، مشيرًا إلى أنه يتابع الأمور الخاصة بهذا الموضوع لحظة بلحظة، معزياً أسرهم والكنيسة في جنوب إفريقيا.
وأشار فيها إلى علامات الصوم الثلاثة: الصدقة (الرحمة) والصلاة (الخلوة) والصوم (التوبة)، حتى ننال الحياة الأبدية،
كما تناول آيتيْن من الرسالة الأولى لمعلمنا بولس الرسول إلى تلميذه تيموثاوس في الأصحاح الأول، وهما: “وَأَمَّا غَايَةُ الْوَصِيَّةِ فَهِيَ الْمَحَبَّةُ مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ، وَضَمِيرٍ صَالِحٍ، وَإِيمَانٍ بِلاَ رِيَاءٍ. الأُمُورُ الَّتِي إِذْ زَاغَ قَوْمٌ عَنْهَا، انْحَرَفُوا إِلَى كَلاَمٍ بَاطِل” (١تي ١: ٥، ٦)، وأشار إلى أن غاية وصية الكتاب المقدس لتكون معالم سلوكنا ونرث الحياة الأبدية، من خلال:
١- المحبة من قلب طاهر:
تنطلق المحبة الحقيقية من القلب الطاهر في صورة الفعل والعمل، وأن يُقدم هذا القلب التوبة باستمرار، ولا يكتفي بالعبادات الشكلية، “مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ” (أف ٥: ١٦)، وفي فترة الصوم ندخل المخدع للصلاة، ونغلق الباب (الفم)، لننفرد بالله في خلوة.
٢- ضمير صالح:
الضمير الحيّ والمستيقظ يرشد الإنسان، فعندما نحصل على نعمة الروح القدس نصير شديدي الحساسية، والضمير هو أحد موجودات الله فينا، فنقدم أعمالنا بضمير صالحًا لارتباطه بالكلمة المقدسة، “قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي” (مز ٥١: ١٠).
٣- إيمان بلا رياء:
هي طاقة الإيمان التي منحها الله فينا، والثقة في عمل الله في الأزمات، فإن الله محب البشر وصانع الخيرات وهو ضابط الكل، وكل شيء في الخليقة تتم بمعرفته وقوته، لذلك يجب أن يكون إيماننا راسخًا وثابتًا.
وأوصى قداسته أن نجعل هذه العناصر الثلاثة محور تأملنا في فترة الصوم، لكي نرث الحياة الأبدية.”.
في الختام، رفع الجميع صلاة الأبانا على نية الكنيسة والشعوب المتألمة.
إشارة، إلى أن قداسة البابا تواضروس كان قد استقبل الوفود المشاركة في صالة الكنيسة ومشدداً على فضيلة المحبة التي تجمع الكل ومقدماً للوفود المشاركة هدايا تذكارية.