بدعوة من سلطة إقليم البتراء التنموي السياحي، ولأوّل مرّة في العصر الحديث، ترأس سفير حاضرة الفاتيكان لدى المملكة الأردنيّة الهاشميّة المطران جوفاني بييترو دال توسو، قداسًا إلهيًا وذلك في الكنيسة البيزنطيّة في مدينة البتراء.
خارطة الحج المسيحي
وقال رئيس مجلس مفوضي سلطة إقليم البتراء الدكتور فارس البريزات إنّ هذه الصلاة التي أقيمت في الكنيسة البيزنطية بمدينة البتراء إيذانًا ببدء إضافة البتراء على خارطة الحج المسيحي في الأردن بعد المواقع الخمسة الموجودة والمعترف فيها وهي: جبل نيبو ومكاور في مادبا، وموقع معموديّة السيد المسيح (المغطس) ومزار سيدة الجبل ومار الياس في عجلون.
وأضاف البريزات، في تصريحات لجريدة الدستور الأردنيّة، أنّ السلطة تسعى إلى أن تكون الكنائس العشرة الموجودة والمؤكدة في البتراء مؤهلة لأن تكون جزءًا من مسار الحج المسيحي في الأردن وربطها بالكنيسة الطينية الموجودة في العقبة لخلق منتج سياحي جديد وإطالة أمد إقامة السائح في البتراء، وجذب مزيد من الحجاج المسيحيين إلى المملكة بشكل عام والبتراء بشكل خاص.
وأوضح البريزات بأنّ هذا المنتج سيكون منتجًا سياحيًا جديدًا تعمل السلطة على ترتيبه وتطبيقه خلال الفترة المقبلة، كما نأمل في تعزيز نشر رسالة عمّان في العيش المشترك والتسامح من خلال مثل هذه الفعاليات، وإبراز الصورة الملائمة عن المملكة أمام زوار المنطقة من مختلف دول العالم.
طريق للتواصل والمشاركة
وفي كلمته خلال القداس، رفع المطران دال توسو الشكر للرب لوجوده في هذه الكنيسة التاريخيّة، وهو تعبير عن تنوّع الأردن والثقافات العديدة التي جمعت هذا المكان: الحضارة النبطيّة والرسالة المسيحيّة والثقافة البيزنطيّة، وكلّ هذا يجعل البتراء مكانًا فريدًا في العالم.
وأوضح بأنّ هذا القدّاس يتزامن مع احتفال الكنيسة الكاثوليكيّة بعيد ظهور المسيح إلى جميع الأمم، بعد ولادته في بيت لحم، مشيرًا إلى أنّه في هذا العيد يتم استذكار ثلاثة مجوس، أو حكماء، جاءوا من المشرق، وعبروا الشرق الأوسط، لكي يسجدوا للطفل المولود حديثًا في بيت لحم، وفيها رسالة بليغة بأنّ هذه المنطقة مدعوّة لكي تبقى طريقًا للتواصل والمشاركة بين الناس من مختلف الثقافات.
وأشار إلى أنّه وبحسب التقليد فإنّ هؤلاء الحكماء جاءوا من بلاد فارس، وفي تقليدٍ آخر من شبه الجزيرة العربية، مشيرًا إلى احتماليّة أنهم جاؤوا عبر البتراء، لأنهم أحضروا ذهبًا وبخورًا ومرًّا كهدايا للمسيح الطفل، وهي منتجات كان الأنباط يتاجرون بها في البتراء، حيث كانت المملكة النبطيّة واقعة على طريق التجارة بين شبه الجزيرة العربية إلى فلسطين ومنها إلى أوروبا.
فضيلة الحكمة في هذا الزمن
ولفت سيادته إلى أنّ النجم الذي رافق هؤلاء المجوس، يدلّ على فضيلة الحكمة التي نحن في أمسّ الحاجة إليها في الوقت الحالي، وخاصة في ميادين السياسة والثقافة والاقتصاد والدين. وقال: إنّنا نعيش اليوم في زمن يحمل معه تغييرات عديدة، حيث يحتاج شبابنا إلى رؤية واضحة للمستقبل؛ ليس مجرد أفكار، بل أمثلة حيّة ذات مصداقية، تعمل على توجيه الشعوب في الطريق الصحيح نحو تحقيق السلام والعدالة والحريّة، وليس الكراهيّة والحروب والمصالح الشخصية، وبالتالي لجعل الشرق الأوسط مكانًا يمكن للناس أن يعيشوا معًا.
وشدّد المطران دال توسو على أنّه من دون حكمة الرب، فإنّه سيكون من الصعب جدًا فهم الطريق الصحيح لمستقبل منطقة الشرق الأوسط التي تعاني. وخلص سيادته رافعًا الصلاة إلى الله تعالى لكي ينعم على شعوب هذه المنطقة بفضيلة الحكمة التي تساعد في حلّ النزاعات بطريقة لا تؤدي إلى صراعات جديدة، بل تفتح الطريق للتفاهم المتبادل والمصالحة والسلام.
الكنيسة البيزنطية
يُشار إلى أنّ كنيسة البيزنطيّة تعتبر ثاني كنيسة في البتراء بعد تحويل ضريح الجرة لكنيسة في 446. وتتكوّن الكنيسة من مبنى ذو 3 أروقه بطول 28م وعرض 17م، بالإضافة إلى ساحة وبرج من الجهة الغربية وغرف جانبية من الشمال والشرق. ويعود تاريخ بنائها على الأرجح إلى نهاية القرن الخامس الميلادي، ولقد دُمرت بفعل حريق أو زلزال في منتصف القرن السادس للميلاد. واستعمل في بنائها العديد من الحجارة المزخرفة المأخوذة من أبنية سابقة في البتراء.
وتتميّز الكنيسة بأرضيتها المرصوفة بالفسيفساء في الرواقين الشمالي والجنوبي وبالرخام في الرواق الأوسط، وتحتوي التصاوير الفسيفسائية على أشكال هندسيّة وتصاوير آدمية ترمز إلى الفصول الأربعة والبحر والأرض والحكمة ورسومات فسيفسائيّة منوعة لتقدّم هذه الكنيسة أفضل النماذج لفن العمارة الكنسيّة الرخامية المكتشفة في المنطقة.