أود أولاً الترحيب بالشخصيات والمسؤولين في منظمة فرسان مالطه ذات السيادة، مع التحية لجميع الحاضرين المشاركين في هذا اللقاء وهو: إطلاق برنامج زراعي – إنسانيّ جديد للمنظمة. فالشكر كل شكر لها على هذا المشروع الذي يضاف الى ما حققت من مشاريع لخدمة اللبنانيين في مختلف حاجاتهم. وإنّي بكلمتي أتوقّف عند أربعة من أبعاد هذا المشروع.
البعد الأول، الروحانيّة
1. يكشف المشروع قدسيّة الأرض والعلاقة بين الخالق والإنسان. يتضح من سفر التكوين أن الله خلق الأرض وسلّمها للإنسان لكي يحرثها ويستثمرها، فيعيش منها بكرامة. وسلّمه اياها لكي يحرسها محافظاً عليها. لأنّ منها يستمدّ هويّته ورسالته، وعليها يكتب تاريخه وحضارته. فأرضه جميلة لا يحق له تشويهها، وهي أرض إرث لا يحق له تبديده.
وبفضل التجسّد الإلهي في هذا الشرق المتألم أصبح للأرض قيمة خلاصية ينبغي الإعتناء بها والمحافظة عليها واحترامها، لأنها لم تعد أرض الإنسان وحده، بل أصبحت أرض التجسّد الإلهي، وصاحبة رسالة، وهي الشهادة لله خالقها ومعطيها. المشروع الزراعيّ-الإنسانيّ يساهم في إحياء روحانيّة الأرض وتعزيزها
البعد الثاني، التجذّر
2. هذا المشروع الزراعي – الإنساني يشكّل وسيلة للحدّ من نزيف الهجرة بسبب التوترات السياسية والأمنية وهبوط المستوى الإقتصادي والمالي. كما أنّه يحدّ من بيع الأراضي من أجل سدّ الجوع أو تأمين متطلبات الحياة الإجتماعية. أنه وسيلة للتجذّر في الأرض ولإبراز قيمة هذا التجزّر فيها، ليس فقط من حيث ملكيّتها التي نتصرف بها على هوانا، بل على الأخص لأنّها إرث من الآباء والأجداد. وهي بالتالي وديعة ثمينة. إن هذا المشروع سيساهم في إبراز قيمة الأرض التي نملكها، ويكشف عن إمكانية استثمارها بطرق أفضل من بيعها، مهما اشتدت الضائقة المالية، وكبر حجم الإغراءات لبيعها، كما هو حاصل اليوم.
البعد الثالث، الأرض إرث وطني
3. قيمة هذا المشروع الزراعيّ-الإنسانيّ أنّه يحمل على النظرة إلى الأرض كعنصر أساسي للإنتماء إلى الوطن. فقدانها يشبه نوعاً من اليتم الوطني. عندما أراد الملك آحاب أخذ أرض نابوت وإستبدالها بأرض أو بمال، أجاب نابوت جوابه الشهير: “معاذ الله أن أبيعك ميراث آبائي” (1 مل3:21). الحفاظ على الأرض حفاظ على الهوية والكيان والديمومة. الأرض هي الوطن والكيان، عليها نحافظ على حضارتنا ووجودنا ورسالتنا. وعليها نلتقي ونعيش معاً ونكون جماعة وطنية تغتني بوحدة تنوّعها الثقافي الديني. إنّ للمشروع الزراعيّ-الإنسانيّ دورًا كبيرًا في هذا المجال.
البعد الرابع، التنمية الزراعية والإنسانية
4. إنّ لهذا المشروع الزراعي – الإنساني قيمة إنمائيّة للمزارع وللزراعة على حدّ سواء. فالمزارع يحتاج إلى تجاوز نوعيّة الزراعة التقليدية من جهة، والوسائل التقليدية المستعملة من جهة أخرى. من شأن هذا المشروع أوّلًا تعريف المزارعين على الزراعات الجديدة التي تحتاجها الأسواق العالمية، وعلى وسائلها المتطوّرة، وثانيًا دعم المزارعين في ما يحتاجون إليه من أساليب وقاية لمواسمهم.
ولأنّ الزراعة لا تقبل الغشّ في التعاطي معها، فإنها مدرسة تنمية إنسانية وأخلاقية وروحية للمزارع. ولأنّ الأرض والزرع الجيّد صادقان ، فإنّهما يقتضيان من المزارع الصدق في التعامل، والمصالحة الدائمة معهما.
نحن نأمل أن يكون المشروع الزراعي – الإنساني مدرسة لمساعدة المناطق الريفية في الإعتناء بالزراعة، وتوفير الطرق الحديثة لتسهيلها وزيادة إنتاجها وتنويعه، وإيجاد الأسواق الخارجية لتسويقها. فيتأمن العيش الكريم والكافي للمزارعين وعائلاتهم. إنّ الله أنعم على لبنان بفصول متمايزة وشمس وهواء وماء وساحل وجبال وتربة مهيأة للزراعة المتطورة والعلمية، فيلتقي مشروع منظّمة فرسان مالطة مع الهبة الإلهيّة.
الخاتمة
5. يسعدني أن أعرب، بإسم مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، عن الشكر من صميم القلب لمنظمة فرسان مالطة ذات السيادة، على اهتمامها بلبنان من خلال مؤسّساتها المتنّوعة والموزّعة في مختلف المناطق اللبنانية. ويزاد عليها اليوم المشروع الزراعي – الإنساني، الذي ستكون له ثمار وافرة للمزارعين وقطاع الزراعة. نسأل الله أن يكافئ هذه المنظّمة والقيّمين عليها والعاملين فيها والمحسنين المساندين، بفيض من نعمه وبركاته.
مع الشكر لإصغائكم!