قدّاس عيد أبينا القدّيس مارون – بيروت

لمناسبة عيد مار مارون، احتفل غبطة أبينا البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بالقدّاس الإلهي في كاتدرائيّة مار جرجس المارونيّة في وسط العاصمة بيروت، عاونه فيه رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس عبد الساتر والنائب البطريركي العام المطران حنا علوان، بمشاركة بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، والسفير البابوي في لبنان المونسنيور باولو بورجيا، وبطريرك الأرمن الأرثوذكس آرام الأوّل كيشيشيان ممثّلًا بالمطران شاهيه بانوسيان، ومتروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، ورئيس الكنيسة الكلدانيّة في لبنان المطران ميشال قصارجي، ومتروبوليت بيروت وجبيل وتوابعهما للروم الملكيّين الكاثوليك المطران جورج بقعوني، وراعي أبرشيّة بيروت للسريان الأرثوذكس المطران إقليموس دانيال كورية، والمطران بولس مطر، وراعي الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة في لبنان الأب أندراوس الأنطوني، وراعي الكنيسة الإنجيليّة الوطنيّة في بيروت القس الدكتور حبيب بدر، والوكيل البطريركي لكنيسة المشرق الآشوريّة على أبرشيّات استراليا ونيوزيلاندا ولبنان المطران ميلس زيا ممثّلًا بالأب جورج يوحنّا، ورئيس عام الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة الأباتي هادي محفوظ ممثّلًا بالأب طوني عيد، ورئيس عام الرهبانيّة الأنطونيّة المارونيّة الأباتي جوزيف بو رعد ممثّلًا بالأب بطرس عازار، ورئيس عام الرهبانيّة المريميّة الأباتي إدمون رزق ممثّلًا بالأباتي بيار نجم، والرئيس الإقليمي للشرق الأدنى لليسوعيّين الأب مايكل زميط ممثّلًا بالأب دنيز ماير، والأب المدبّر بشارة إيليا، والنائب العام في أبرشيّة بيروت المارونيّة المونسنيور أغناطيوس الأسمر والنائب الأسقفي لشؤون القطاعات المونسنيور بيار أبي صالح، ورئيس كاريتاس لبنان الأب ميشال عبود، ورئيس الجامعة الأنطونيّة الأب ميشال السغبيني، ولفيف من الآباء وكهنة الأبرشيّة، وبحضور الرئيسات العامّات وعدد من الراهبات، ووزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال جوني القرم، ووزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين ممثّلًا بمستشاره الإعلامي سعد الياس، والسفير الفرنسي الجديد في لبنان هيرفيه ماغرو، والسفير المصري الجديد في لبنان علاء موسى، والنواب راجي السعد وفريد البستاني وسليم الصايغ وملحم خلف، وقائد الجيش العماد جوزيف عون، ومدير عام الأمن العام اللواء الياس البيسري، ومدير المخابرات في الجيش العميد الركن أنطوان قهوجي، والمفتش العام في قوى الامن الداخلي العقيد فادي صليبا، ورئيس التفتيش المركزي القاضي جورج عطيّة، ومدير عام الدفاع المدني العميد ريمون خطار، والوزيرة السابقة مي شدياق والنائبين السابقين نعمة الله أبي نصر وحكمت ديب، ونقيب المحامين في بيروت فادي المصري، ونقيب الصيادلة جو سلّوم، ومدراء المستشفيات، ورئيس الرابطة المارونيّة السفير خليل كرم وأعضاء الرابطة، ورئيس المجلس العام الماروني المهندس ميشال متّى وأعضاء المجلس، ورئيس جامعة الحكمة البروفسور جورج نعمة ومجلس الجامعة، وعدد من المدراء العامّين، وفعاليّات سياسيّة وعسكريّة وقضائيّة ونقابيّة واجتماعيّة وإعلاميّة، وحشد من المؤمنين الوافدين من مختلف رعايا ومناطق أبرشيّة بيروت المارونيّة ومؤسّساتها.
وفي مستهلّ القدّاس، كانت كلمة للمطران عبد الساتر توجّه فيها إلى صاحب الغبطة والنيافة بالقول: “نشكر لكم يا صاحب الغبطة والنيافة تلبيتكم دعوتنا إلى ترؤس الاحتفال بقدّاس عيد قدّيسنا مارون في كاتدرائيّة مار جرجس، كاتدرائيّة العاصمة بيروت العزيزة على قلبكم.
وأرحّب بكم بين أولادكم المؤمنين الذين قدموا من كلّ أنحاء الأبرشيّة ليسمعوا من أبيهم كلمة الإيمان والرجاء والتشجيع، وكلمة الحق التي تقولونها من دون تردد ومن دون خوف على مسامع الفاسدين والمتسلّطين والمستبدّين، علّهم يتغيّرون.
أحببتم بيروت يا صاحب الغبطة منذ تولّيتم مسؤوليّة رعاية وتدبير الشعب المارونيّ في لبنان والعالم. فكنتم إلى جانبها ومع أهلها في أيّام الازدهار وفي أيّام الشدّة وبعد انفجار مرفأ بيروت وحتى اليوم.
وبيروت أيضًا تحبّكم يا صاحب الغبطة وتفرح بلقياكم وتطلب صلاتكم من أجلها ومن أجل خلاص لبنان، آمين”.
وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى البطريرك الراعي عظة جاء فيها:
“حبة الحنطة، اذا وقعت في الأرض وماتت، أتت بثمرٍ كثير” (يو 12: 24)
1.ربنا يسوع المسيح هو حبة الحنطة بامتياز. فمن موته على الجلجلة وُلدت البشرية الجديدة المتمثّلة في الكنيسة. وعلى مثاله بالتقشف ونكران الذات مات القديس مارون عن نفسه في منطقة قورش ما بين حلب وأنطاكية، فوُلدت الكنيسة المارونية، بإرثها السريانيّ الأنطاكيّ، على ايمان الكنيسة الجامعة. هذا النهج تركه لنا المسيح ربنا بسرّ موته وقيامته :موت وقيامة بالمفهوم الروحي والإجتماعيّ. وهذا ما أكّده الرب يسوع بقوله : “من يحبب نفسه يهلكها، ومن يبغض نفسه في هذا العالم يحفظها لحياة الأبد” (يو 12 : 26). ما يعني أنّ التضحية بالذات وبمصالحها الخاصّة تنتج ثمار الخير في المجتمعات البشريّة.
2. يُسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهية، تكريمًا لأبينا القديس مارون، ابي الطائفة المارونية وشفيعها ومثالها. وكون العيد وطنيًا في لبنان، فإنّا نهنّىء كل اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، ونوّجه تهنئة خاصة الى كل أبناء كنيستنا وبناتها، أساقفة وكهنة ورهبانًا وراهبات ومؤمنين العائشين في النطاق البطريركي المشرقي وفي بلدان الإنتشار. وأوّد أن أشكر سيادة أخينا المطران بولس عبد الساتر، رئيس أساقفة بيروت، على الدعوة للإحتفال معكم بهذا العيد وعلى كلمته اللطيفة في مستهلّ احتفالنا؛ كما أشكر ايضًا صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان وأصحاب الغبطة الذين أوفدوا السادة الأساقفة لتمثيلهم، وسيادة السفير البابوي والآباء، وأصحاب المعالي الوزراء وسعادة النواب والسفراء وسائر المقامات المدنية والعسكرية، والإخوة والأخوات الأحباء. ولا أستطيع في المناسبة أن أخفي عليكم دمعة القلب لغياب رئيس البلاد للسنة الثانية، هو الذي كان يتقدّم المشاركين في قدّاس العيد. ولسنا ندري لماذا لا يُدعى المجلس النيابي للإنعقاد والقيام بأول واجب عليه أساسي وهو ان ينتخب رئيسًا للجمهورية لكي تنتظم جميع المؤسسات الدستورية وأولها مجلس النواب ومجلس الوزراء والقضاء ومسيرة العدالة، ولكي تبدأ مسيرة الإصلاحات والنهوض بالاقتصاد وضبط الفساد. بتنا في هذه الحالة نشكّ بالنوايا، ونرى في تعطيل انتخاب الرئيس خلفيّات مشبوهة غير مقبولة ومدانة.
3. وُلد القديس مارون نحو سنة 350 وتوفي نحو سنة 410.. كتب سيرته المطران تيودوريتس أسقف أبرشية قورش في كتابه “أصفياء الله” ما بين سنتي 440 و444. لم يكن يعرفه شخصيًا، بل عرفه من خلال تلاميذه الذين نهجوا نهجه بالعيش في العراء والزهد والصلاة والتجرّد. فشبّههم “بالحديقة التي غرسها مارون، وأزهرت في “القورشيّة”، وامتدّت في أرجاء سوريا.
4. أطلّ تلاميذ القدّيس مارون، الذين سمّوا “موارنة”، على الواقع الكنسيّ، بتراثهم السريانيّ الأنطاكيّ الموروث خاصّةً من مار أفرام السرياني ومار يعقوب السروجيّ؛ وأطلّوا بنهج حياتهم النسكيّة لعيش الإنجيل وأمانتهم لمارون وصولًا إلى يومنا الحاضر؛ وأطلّوا بروحانيّة مريميّة ملأت كتبهم الليتورجيّة وتقواهم الشعبيّة، وقد استقوها من مجمع أفسس (431) الذّي أقرّ أنّ مريم هي والدة الإله يسوع المسيح ببشريّته الكاملة؛ وأطلّوا بروحانيّتهم المسيحانيّة وفق عقيدة مجمع خلقيدونية (451) الذي أثبت أنّ في المسيح طبيعتين كاملتين، الواحدة إلهيّة والثانية بشريّة في أقنوم واحد. على أسس هذين المجمعين المسكونيين تكوّنت الشركة التامّة بين الكنيسة المارونيّة وكرسيّ بطرس في رومية، وبفضل هذه الشركة في الإيمان اعترفت الكنيسة المارونية بجميع المجامع المسكونيّة السابقة واللاحقة. وإذ تكوّنت كنيسة بطريركيّة في أواخر القرن السابع، أدركت أنّها تحمل دعوة إلهيّة ورسالة في لبنان والعالم العربيّ وفي علاقتها على الأخصّ مع الإسلام، ساعية إلى تعزيز الخدمة والمحبّة والعيش معًا والحرية والاحترام المتبادل والتكامل.
فلا يحاولنّ أحدٌ تحويل الموارنة من رسل أحرار إلى أتباع، ولا جعلهم بدون تاريخ فيما لهم تاريخ خاص بهم لا يُمحى. (راجع المطران أنطوان حميد موراني: الهوية المارونية في مجاليها اللبناني والعربي، صفحة ١٥).
5. هل من أحدٍ يجهل، أو ربّما يتجاهل، أنّ الموارنة لعبوا الدور الحاسم في إنشاء دولة لبنان الكبير، بالتعاون طبعًا مع سواهم. وقد توّج مسيرتهم البطريرك المكرّم الياس الحويّك الذي ترأس شخصيًّا الوفد اللبنانيّ الثاني إلى مؤتمر الصلح في فرساي بفرنسا، والمؤتمر الثالث بانتداب نائبه المطران عبدالله الخوري. فكان إعلان “دولة لبنان الكبير” في أوّل أيلول 1920، متميّزًا عن سائر دول المنطقة بالخصائص التالية:
‌أ- لبنان يفصل الدين عن الدولة، فيما البلدان المجاورة دينيّة إسلاميّة، وإسرائيل دولة يهوديّة.
‌ب- الإنتماء إلى لبنان عبر المواطنة، لا عبر الدين.
‌ج- لبنان يعتمد التعدّديّة الثقافيّة والدينيّة.
‌د- لبنان قائم على ميثاق العيش المشترك بين المسيحيّين والمسلمين المنظّم في الدستور بحيث يتعاونون بالمساواة في الحكم والإدارة.
‌ه- لبنان يقرّ جميع الحريّات المدنيّة ولا سيما حريّة المعتقد والتعبير.
‌و- بنتيجة هذه الخصوصيّات، لبنان من طبعه وطبيعته ذو نظام حياديّ إيجابيّ يعطيه دور وساطة ولقاء وحوار من أجل توطيد العدالة والسلام، وحماية حقوق الشعوب.
لا يسعنا في هذا العيد إلّا أن نذكر بصلاتنا البطاركة الموارنة الذين قادوا المسيرة التكوينيّة للبنان منذ عهد البطريرك القدّيس يوحنّا مارون وصولًا إلى إعلان دولة لبنان الكبير مع البطريرك الياس بطرس الحويّك وخلفاؤه يحافظون حتّى يومنا على هذه الوديعة لصالح لبنان وكلّ اللبنانيّين .
6. أمّا اليوم فنرانا أمام عمليّة إقصاء مبرمج للموارنة عن الدولة بدءًا من عدم إنتخاب رئيس للجمهوريّة، وإقفال القصر الجمهوريّ والعودة الى ممارسة حكم الدويكا بالشكل الواضح للعيان، وغير المقبول. وما القول عن إقصائهم وسائر المسيحيّين من الوزارات والإدارات العامّة؟ والكلّ بانتهاك الدستور عبر بدعة “الضرورة” التي يعتمدها مجلس النوّاب ليشرّع عن غير حقّ، ومجلس الوزراء ليجري التعيينات وكلّ ما يفوق تصريف الأعمال العاديّة، عن غير حقّ أيضًا. ففي غياب الرئيس يُستباح الدستور كما نرى، ولا من سلطة تصلح وتوقف هذا الواقع الشواذ. فهل أصبحنا في دولة نظامها استبداديّ يحلّ محلّ النظام المعلن في مقدّمة الدستور: “أنّ لبنان جمهوريّة ديمقراطيّة برلمانيّة” (بند ج)؟.
7. يقولون أنّ لبنان بحاجة إلى رئيس لا يستفزّ هذا أو ذاك من الأفرقاء. فعلّق أحد المحلّلين السياسيين كاتبًا: “واقعُ البلادِ يَستلزمُ رئيسًا لا يَستفِزُّ أحدًا، ولا يتحدّى أحدًا… لكنَّ 1) إنقاذُ البلادِ يَستدعي رئيسًا يَتحدّى كلَّ من يُعطِّلُ الدستورَ ويُطيحُ الميثاقَ الوطنيَّ فيَضرِبُ صيغةَ الشراكةِ والمودة. 2) إنقاذُ البلادِ يَستدعي رئيسًا يَضعُ حدًّا لحكوماتِ الوِحدةِ الوطنيّةِ الزائفةِ ويُحيي اللُعبةَ البرلمانيّةَ في النظامِ الديمقراطيِّ اللبناني. 3) إنقاذُ البلادِ يَستدعي رئيسًا يرفض كلَّ سلاحٍ غيرِ شرعيٍ. 4) إنقاذُ البلادِ يَستدعي رئيسًا يَتحدّى كلَّ من يتطاولُ على السيادةِ والاستقلالِ لئلا يُمسيَ لبنانُ دولةَ التبعيّةِ والاحتلال. 5) إنقاذُ البلادِ يَستدعي رئيسًا يَتحدّى أولئك الَّذين يمنعون إغلاقَ الحدودِ السائبة بين لبنان وسوريا بقصدِ إبقاءِ علاقاتِ لبنان مع أصدقائِه منهارةً ومع أخصامِه مزدَهرة. 6) إنقاذُ البلادِ يَستدعي رئيسًا يَتحدّى الدولَ التي تَعملُ على توطينِ اللاجئين الفِلسطينيّين والنازحين السوريّين. 7) إنقاذُ البلادِ يَستدعي رئيسًا يَتحدّى جميعَ الشواذاتِ المنتشرةِ في الدولةِ اللبنانيّة ومؤسّساتِها ومجتمعِها الإنسانيّ. إذا لم يَستَفِز رئيسُ الجُمهوريّةِ الجديدُ جميعَ هذه الفئاتِ الخارجةِ على الشرعيّةِ، ويَتحَدَّ جميعَ هذه التجاوزات القاتلةِ، فسيَتحدّاه الجميعُ ويَستفِزُّونه. ليس لبنانُ بحاجةٍ إلى رئيسٍ يَستفِزُّ أو يُستَفَزُّ لئلّا نَدخلَ في دَوّامةِ صراعٍ مفتوحِ”.
أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء،
8. نصلّي إلى الله، بشفاعة أبينا القدّيس مارون، ملتمسين منه نعمة تساعدنا على عيش مقتضيات الإنجيل مثله، وتجعل من الصلاة وسيلةً لإتحادنا بالله، ولشدّ أواصر الوحدة مع جميع الناس. له المجد والشكر الآن وإلى الأبد، آمين!”.
وبعد القدّاس الإلهي الذي خدمته جوقة مؤلّفة من رعايا سيّدة الورديّة – كفرشيما ومار شربل – الفنار والسيّدة- الحدت ومار يوسف- بيروت والسيّدة- الفنار والطلاب الإكليريكيّين، تقبّل البطريرك الراعي يحيط به البطريرك يونان والمطران عبد الساتر والمطران علوان التهاني بالعيد في صالون الكاتدرائيّة.