ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين.
بعد الإنجيل ألقى عظة بعنوان “المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور”. وقال: “نسمع في إنجيل اليوم قول الرب الواضح لتوما: «لأنك رأيتني آمنت، طوبى للذين لم يروا وآمنوا». لم يكن توما ملحدا، ولم يجاهر بأي نوع من الإلحاد، لكنه شك، والشك مشروع لدى المؤمن الراغب في تثبيت إيمانه، لا الإبتعاد عن الرب. أراد توما أن يتأكد من أن المسيح قام، لأن الأقاويل في الشارع اليهودي كانت تتهم الرسل بأنهم سرقوه وادعوا أنه قام. توما لم يكن مع الرسل عند الظهور الأول للمسيح، لذلك ربما يكون قد تأثر بتلك الأقاويل. لكن الرب لا يشاء أن يبقى أحد من أحبائه في حيرة من أمره، لذلك حضر ثانية، خصيصا من أجل توما، وقال له: «لا تكن غير مؤمن بل مؤمنا». هذا الكلام موجه لكل منا، نحن البشر الذين لا نؤمن ما لم نتأكد شخصيا، فناب توما عنا في التأكد من القيامة البهية، لكي يكون إيماننا ثابتا على صخرة اليقين، لأن القيامة هي أساس إيماننا المسيحي كما يقول الرسول بولس: «إن لم يكن المسيح قد قام، فباطلة كرازتنا، وباطل أيضا إيمانكم» (1كو 15: 14).”
أضاف: “يجاهر كثيرون اليوم بأنهم ملحدون، مفاخرين بعدم إيمانهم، منجرين وراء موجة تجعلهم يظهرون عصريين أمام أترابهم، معتقدين أن الله أصبح فكرة قديمة، وهو يعيق حريتهم وفكرهم وتطورهم. لكن الفكر الإلحادي ما هو إلا تسيير شيطاني لضعيفي الإيمان، إذ يستخدمهم الشيطان من أجل اصطياد من شابههم في الفكر والفتور الإيماني. لقد ظهرت عبر التاريخ جماعات سياسية، أو فلسفية، عملت على التشكيك بكلام الكتاب المقدس، وبجميع الأحداث الخلاصية، حتى إنها نصبت شرخا بين الدين والعلوم، متهمة الكنيسة بأنها ترفض العلم لأنه يفضح هشاشة الإيمان بإله غير منظور، وتاليا غير موجود، غير مدركين أن التقدم في العلم يؤدي إلى إيمان أعمق، لأن العالم يدرك ضعفه ومحدوديته أمام عظم قدرة الخالق. يدعي الملحدون أن الكتاب المقدس يحتوي على أساطير وخرافات، وبأنه كتاب غامض ومشوش وغير أكيد. تنبع أفكارهم هذه من عدم فهمهم لأحداث الكتاب، ولا للعمل الخلاصي الذي ابتدأ منذ العهد القديم، فأخذوا يحيكون النظريات والمؤامرات لكي يقنعوا قليلي الإيمان بما يدعون، فأضلوا الكثيرين. هنا، لا بد من التحذير من بعض الجماعات التي عادت إلى العمل بنشاط، مرتدية ثوب الحمل، وما هي إلا ذئاب خاطفة، كجماعة شهود يهوه التي تزور المنازل بحجة التبشير بالله، فتقود ضعيفي الإيمان إلى الهاوية. فاحذروا من هؤلاء، وتدرعوا بقراءة الكتاب المقدس وفهمه، عبر الإطلاع على تفاسير الآباء القديسين، والرجوع إلى كهنة رعاياكم، أي إلى الكنيسة الحقيقية، ولا تصدقوا من يأتونكم بلا صفة واضحة ويشوشون عقولكم”.
وتابع: “يظن البعض أن الإلحاد تطور، ويدل على انفتاح فكري، وأن الإبتعاد عن التدين يجعل الإنسان قريبا من كل البشر مهما كان انتماؤهم أو جنسهم أو عرقهم، متجاهلين قول الرسول بولس: «لأنكم جميعا أبناء الله… ليس يهودي ولا يوناني، ليس عبد ولا حر، ليس ذكر وأنثى، لأنكم جميعا واحد في المسيح يسوع» (غلا 3: 28). كثيرا ما نسمع بعض الفنانين والمشاهير يتحدثون بهذه الطريقة، الأمر الذي يدل على جهلهم للكتاب المقدس الذي يعبق بالمحبة، ويذخر بأقوال الرب الداعية إلى قبول الآخر، حتى الأعداء، ويحذر من تنصيب البشر أنفسهم قضاة ديانين، ويشدد على أهمية الحرية التي منحها الله للإنسان عندما خلقه على صورته ومثاله. ينسى هؤلاء أن الله خلق العلم والعلماء، والطب والأطباء، فكيف يفصلون بين الخالق وخليقته؟ تكمن المشكلة في من يعتنقون أفكارا غريبة عن إيمانهم ليصبحوا مقبولين من الآخرين، فيما المؤمن لا يسعى إلا إلى أن يكون مقبولا من ربه، ووارثا لملكوته، فيكون الأكثر حرية والأكثر انعتاقا من القيود والأغلال لأنه عرف الحق فحرره. كثيرة تدخلات الرب في حياتنا حتى لا نفقد إيماننا. لكننا نختار أحيانا كثيرة أن نصم آذاننا، ونعمي عيوننا وقلوبنا عن معرفة الحقيقة ورؤية الآيات والمعجزات اليومية الحاصلة بتدبير إلهي. صحيح أن العلم اكتشف الكثير، إلا أن أمورا عديدة لا تزال خفية عليه ويقف عاجزا عندها. لهذا، ينتهي إنجيل اليوم بالقول: «وآيات أخر كثيرة صنع يسوع أمام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب، وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا بأن يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون لكم، إذا آمنتم، حياة باسمه».
وقال: “كما شك توما بقيامة الرب كثيرون يشكون بقدرة لبنان على النهوض. إن قوى الشر والفساد والضلال لن تقوى عليه وإن بدت أنها الأقوى، وأنها غلبت المتشبثين بالحق والخير، لأن الباطل سيسحق والشر سيغلب، وهذا الليل الذي طال سينجلي ما دام هناك نساء ورجال شرفاء، يعملون من أجل إنقاذه من براثن الفساد والشر المعششين في بعض القلوب المظلمة، التي عملت طيلة سنوات على استنزافه، واستغلال طاقاته، ونهب ثرواته، وإفراغه من دوره ومن أبنائه، معرقلة انتخاب رئيس ومعطلة عمل المؤسسات. لكن الغلبة دوما للحق، والرب القدير الذي غلب الموت وداس الجحيم وأقام الموتى إلى حياة جديدة سيقيم لبنان من سقطته بفضل المؤمنين من أبنائه، ذوي النفوس الكبيرة والقلوب الرحيمة، المتشبثين به والعاملين على تطبيق دستوره، وصون حدوده وحماية أبنائه، الناشرين مفاهيم السلام والعدالة والمساواة والأخوة. وصانعو السلام يطوبهم الرب، والمؤمنون به لا يخزون”.
وختم: “دعوتنا اليوم أن نؤمن بالمسيح مخلصا لحياتنا، حتى لو لم تشاهده عيوننا، وأن نصلي من أجل كل من يشكك بوجوده وبأعماله الخلاصية، حتى يبصروا الحقيقة ويهتفوا مثل توما: «ربي وإلهي».