ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين.
بعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: “أحبائي، عيدنا البارحة للظهور الإلهي، أي لمعمودية الرب يسوع على يد النبي الكريم والسابق المجيد يوحنا المعمدان الذي نعيد له اليوم، كونه أدى دورا مهما في هذا الحدث العظيم. لقد تمت معمودية المسيح عند بلوغه سن الثلاثين، أي قبل أن يبدأ عمله التعليمي، وقبل آلامه اللاحقة من أجل خلاص جنس البشر. بدء النشاط في سن الثلاثين يعني أن التكون البيولوجي للإنسان بلغ كماله، وهذا يجعله أكثر قبولا عند يهود ذلك الزمان. لذا اعتمدت الكنيسة هذا العمر في سيامة الكهنة فلا يسام كاهن قبل بلوغه الثلاثين. لا يخبرنا الكتاب المقدس عن أحداث كثيرة حصلت في الزمن الممتد بين دخول المسيح إلى الهيكل ومعموديته. ما نعرفه هو الهرب إلى مصر مع أمه مريم ويوسف، والعودة منها، إضافة إلى حضور المسيح في الهيكل بعمر الثانية عشرة الذي ذكرته الأناجيل لأنه كان علامة مبكرة على كونه ابن الله”.
أضاف: “من الأحداث التي نسمع عنها في حياة المسيح معموديته على يد يوحنا المعمدان. سمي هذا الحدث «الظهور الإلهي» لأن الثالوث ظهر إذ انشقت السموات، والروح نزل بشكل حمامة، وسمع صوت الآب قائلا: «أنت ابني الحبيب الذي به سررت»، واعترف السابق المجيد قائلا: «أنا قد عاينت وشهدت أن هذا هو ابن الله.» بما أن معمودية يوحنا قادت البشر إلى تحسس خطاياهم وهيأت الشعب لتقبل معمودية المسيح الأكثر كمالا، وبما أن المسيح كان إلها تاما ولم يعرف خطيئة، فلماذا اعتمد إذا؟ يقول القديس يوحنا الدمشقي إن المسيح لم يعتمد لأنه كان محتاجا إلى التطهر إنما ليسحق رؤوس التنانين التي في الماء، إذ كان الاعتقاد السائد أن الشياطين تعيش في الماء. إعتمد لكي يغسل الخطيئة ويدفن آدم القديم في الماء، ولكي يبارك من عمده، إذ إن يوحنا لم يبارك المسيح، بل تبارك من المسيح عندما وضع يده على رأسه. إعتمد لكي يحفظ الناموس، لأنه هو وضعه ويجب ألا يظهر مخالفا له، ولكي يكشف سر الثالوث القدوس، ويصير مثالا لمعموديتنا التي هي معمودية كاملة تتم بالماء والروح القدس.”
وتابع: “خلال اعتماد المسيح، ظهر الثالوث القدوس. أحد أهداف التجسد الإلهي، كما معمودية المسيح، كان إظهار الإله الثالوثي، إذ رغم أن لله جوهرا واحدا وطبيعة واحدة، إلا أنه ثلاثة أقانيم (أشخاص)، الآب والابن والروح القدس. يقول القديس غريغوريوس بالاماس إن الإله الثالوثي يظهر عند خلق الإنسان وتجديده، مثلما حصل عند الخلق حيث قال الله: «لنصنعن الإنسان على صورتنا كمثالنا» (تك 1: 26). هذا الظهور الثالوثي خلال إصلاح الإنسان، يدل على أن الإنسان عضو أرضي وعابد للثالوث المقدس، وهو المخلوق الوحيد المصنوع على صورة الإله المثلث الأقانيم. إن شهادة الآب بأن المعتمد ليس إنسانا عاديا بل هو ابنه الوحيد، تشير إلى ألوهية الكلمة ومساواته لأبيه في الجوهر. أما ظهور الروح القدس بهيئة حمامة فيشير إلى رحمة الله للمسكونة، موضحا أيضا أن ما هو روحي يجب أن يكون وديعا وبسيطا، لا شر فيه ولا غش. التزامن بين صوت الآب ونزول الروح القدس بشكل حمامة يدل على الإشتراك في الجوهر بين أقانيم الثالوث القدوس، كما إلى التمايز بين المسيح ويوحنا المعمدان الذي كان الشعب يحترمه كثيرا. من ناحية أخرى، يعني انفتاح السماوات أنها أغلقت بعصيان آدم وخسر الإنسان شركته مع الله، أما الآن فانفتحت مجددا مع طاعة المسيح، آدم الجديد، وصار الإنسان قادرا على بلوغ الشركة مع الله”.
وقال: “فيما نعيد اليوم للنبي يوحنا المعمدان، كم نفتقد الأصوات الصارخة في برية هذا البلد. كم نفتقر إلى الأصوات الناطقة بالحق كصوت المعمدان، التي لا تخشى إلا ربها ولا تبتغي إلا مصلحة هذا الوطن الذي تنتمي إليه. كم نفتقر إلى مسؤولين يخافون على وطنهم أكثر بكثير مما يخافون على مصلحتهم أو على أنفسهم. معظم الزعماء والمسؤولين عندنا يتجولون محاطين بالمرافقين ولا أدري مما يخافون. عندما يأتي اليوم الذي نرى فيه الزعماء والحكام يسيرون بين الناس دون خوف أو قلق، وعندما يتقلص عدد رجال المواكبة وسيارات المرافقين أو يزول، عندها فقط يكون لبنان قد أصبح في أيد أمينة، يخاف أصحابها على لبنان أكثر مما يخافون على أنفسهم. عندها يكونون قد بنوا بلدا ذا سلطة قوية، تحكم بالحق والعدل، بسلطة القانون، يعرف كل مسؤول فيه ومواطن واجباته، ويقوم بعمله بصدق وأمانة وشفافية، مطبقا القوانين، ومحترما أخاه في الوطن، لا يؤذيه ولا يطعنه ولا يحسده ولا يطلب منه رشوة لإتمام معاملته. كل هذا يحصل متى كان المسؤول مسؤولا بالفعل لا بالقول، قدوة في الوطنية والنزاهة والأمانة والعمل الصامت، يقوم بما هو واجب عليه ولا يقصر أو يعمل لمصلحته، فلا يعود يخشى أحدا بل يكون محبوبا ومحترما”.
أضاف: “وفي الحديث عن الواجبات، ألم يدرك مجلس النواب أن تقاعسه عن انتخاب رئيس يساهم في تفكك هذا البلد وفي تيئيس المواطنين وتهجيرهم، وفي جعل البلد عرضة للتطاول عليه وانتهاك سيادته كما حصل مؤخرا؟ أليس غياب الدولة سبب ما يحصل من تطاول واستباحة وتجاوزات؟ لقد أصبح بلدنا موطئ قدم للشر لأن المواطنين والمسؤولين تركوا الرب وساروا خلف المصالح والأنانيات”.
وختم: “ليعد هذا الشعب إلى الله، الذي لن يتخلى عن أبنائه بسبب مصلحة خاصة، كما يفعل المسؤولون الأرضيون. لنتكل عليه ونسمح لله الثالوث القدوس بالظهور في ظلمة حياتنا من أجل إنارتها بنور المعرفة والمحبة والعدل والحق”.