بقلم: سلفيا جوليانو ، ترجمة: سامح المدانات :
ليس هناك حاج لم يلتفت، على الأقل خلال القرون الثلاثة الأخيرة، إلى اللوحة التي تتربع على الجزء العلوي من صرح القبر المقدس، فوق الباب المنخفض الذي يؤدي إلى كنيسة الملاك.
إنها لوحة قيامة السيد المسيح، زيت على قماش، والتي هي بدون أدنى شك، من عمل الفنان باولو دي ماتيس، الرسام المولود في بيانو فيترالي دي أوريا، والتي تقع حاليًا في مقاطعة ساليرنو (إيطاليا)، ويعود تاريخ اللوحة إلى ما بين نهاية القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر.
تشكّل اللوحة الآن كيانًا واحدًا تقريبًا مع القبر المقدس: وتتميّز اللوحة القماشية بشيء فريد للغاية، عن كل اللوحات التي تصور قيامة السيد المسيح، حيث تم وضعها في المكان الذي وقع فيه الحدث بالضبط، وهي تظهر لحظة الذروة في الإيمان المسيحي.
قال الأب اسطفان ميلوفيتش، رئيس كنيسة القبر المقدس (القيامة): “لقد اكتشفنا توقيع الفنان قبل عشر سنوات فقط، وذلك عندما ظهر إلى النور بعد ثلاثة أشهر من الترميم. فقد بات العمل على اللوحة ضروريًا بسبب الغبار، ولكن بشكل خاص بسبب الدخان الأسود المنبعث من الشموع الموجودة أسفلها، وكلها عوامل، إلى جانب موقعها، لم تسمح بالتعرف على هوية الرسام بشكل صحيح.
واسترسل الأب اسطفان قائلا: “بناءً على رغبة مالك المعرض الفرنسي ماوريتسيو كانيسو، والبروفيسور نيكولا سبينوزا، مدير متحف كابوديمونتي (نابولي)، فقد تم ارسال اللوحة، بعد عرضها في قصر فرساي تحت عنوان: “كنز القبر المقدس”، تم إرسالها لترميمها في مشغل “سيرج تييه” في باريس بين نهاية عام 2013 وبداية عام 2014.
وقد تبين أن هذا الترميم كان له أهميّة خاصة لأنه من خلاله تم حماية القماش بلوحٍ من الزجاج الخاص، (من الجهة الأمامية). أما الجهة الخلفية فقد تم حمايتها بلوح من مادة البولي بروبيلين السنخي التي تسمح للوحة بالتنفس دون أن يعلوها الغبار أو أن تتحول إلى اللون الأسود.
في هذه اللوحة، يتم إعلان الانتصار على الموت من خلال شخصية السيد لمسيح الممجّد ملتحفًا بنور رقيق ودافئ. ويظهر جسده بمرونة تذكرنا بالمنحوتات الكلاسيكية اليونانية، لكن هذا ليس المسيح البطولي أو المعظم: بل إنه يميل أكثر نحو نشوة الانتصار.
عيناه هما اللتان تلفتان الانتباه، لأنه في التجسد الناعم لوجهه الهادئ، فإن عيناه تنظران إلى السماء، حيث يصعد جسده إليها برقة وغموض.
تدعو حركة المسيح كل المؤمنين الذين يتوقفون أمام القبر المقدس إلى التفكير في الحقيقة الأخيرة التي ستنفتح لكل شخص ابان نهاية حياته الأرضية: وهي أن ملكوت الله، الذي يتألق فيه الوشاحُ ذو اللون اللازوردي الأزرق، والذي ينسدلُ حتى الوركين، هو ملكوتٌ منفتحٌ للأعلى كما لو كان في مهب الريح.
في بعض الجوانب، تعيد لوحة القبر المقدس، التي رسمها باولو دي ماتيس، إلى الأذهان، لوحة الرسام لوقا جيوردانو، وهو أحد أعظم ممثلي الرسم النابولي الباروكي، ولكن أناقة هذا العمل والرسم الذي يظهر الملامح بشكل أكثر إشراقًا ولطفًا، هي من الخصائص التي تمثل بالفعل الممر من عصر الفن الباروكي إلى عصر فن الروكوكو، والذي حدث في إيطاليا على جانبي القرن السابع عشر.
ويضيف الأب اسطفان قائلا: “لقد تم وضع اللوحة هنا منذ نهاية القرن السابع عشر”. ويسترسل قائلا: “لربما كان ذلك بناءً على رغبة أحد المتبرعين من نابولي، وهو راهب من جمعية رهبان الإخوة الأصاغر الذين يقصدون القدس”.
مع مرور الوقت، تمكنت الثلاث جماعات التي يعود إليها قبر السيد المسيح، وهي الكاثوليكية والأرثوذكسية اليونانية والأرمن، من الاحتفاظ بالمصابيح والشمعدانات واللوحات داخل وخارج الضريح. أما هذه اللوحة، فبفضل موقعها الخاص، هي بالتأكيد واحدة من أكثر الأعمال الفنية التي تصوّر حدث القيامة، وحظيت بمزيد من المشاهدة وإلاعجاب.