عصر الجمعة وبمناسبة عيد العذراء مريم سيّدة الحبل بلا دنس، توجّه قداسة البابا فرنسيس إلى ساحة اسبانيا في روما لكي يقوم بفعل التكريم السنوي التقليدي، وبعد تلاوة طلبة العذراء تلا الأب الأقدس هذه الصلاة:
أيتها العذراء الطاهرة! نأتي إليك وقلوبنا منقسمة بين الرجاء والألم نحن بحاجة إليك يا أمنا! لكن أولاً نريد أن نشكرك، لأنك بصمت، كما هو أسلوبك، تسهرين على هذه المدينة، التي تغمرك اليوم بالزهور لكي تُظهر لك حبّها. بصمت، ليلا ونهارا، أنتِ تسهرين علينا: على العائلات، بأفراحها وهمومها -التي تعرفيها جيدًا-؛ على أماكن الدراسة والعمل؛ على المؤسسات والمكاتب العامة؛ على المستشفيات ودور رعاية المسنين؛ على السجون؛ وعلى الذين يعيشون في الشوارع؛ على الرعايا وجميع جماعات كنيسة روما.
شكرًا على حضورك المميز والدائم الذي يمنحنا التعزية والرجاء. نحن بحاجة إليكِ يا أمنا لأنك أنت سيّدة الحبل بلا دنس. إنَّ شخصك، وحقيقة وجودك يذكراننا أنَّ الشر لا يملك الكلمة الأولى ولا الأخيرة؛ وأن مصيرنا ليس الموت بل الحياة، ليس الكراهية بل الأخوَّة، وليس الصراع بل التناغم، ليس الحرب بل السلام. وإذ ننظر إليك، نشعر بالثبات في هذا الإيمان الذي تمتحنه أحيانًا الأحداث التي نعيشها. وأنتِ يا أمنا، وجّهي عينيك الرحيمتين نحو جميع الشعوب التي يُثقِّلها الظلم والفقر، وتمتحنها الحرب؛ أنظري إلى الشعب الأوكراني المعذب، وإلى الشعب الفلسطيني والشعب الإسرائيلي، اللذين سقطا مجدّدًا في دوامة العنف.
اليوم، أيتها الأم القديسة، نحمل إلى هنا، تحت نظرك، العديد من الأمهات اللواتي يتألّمن مثلك. أمهات يبكين أبناءهنَّ الذين قتلوا بسبب الحرب والإرهاب. أمهات يرَين أبناءهنَّ يغادرون في رحلات مليئة بالرجاء اليائس. وأمهات يحاولن تحرير أبناءهنَّ من قيود الإدمان، وتلك اللواتي يسهرن على أبناءهنَّ في مرض طويل وقاسٍ.
اليوم يا مريم، نحن بحاجة إليك كامرأة، لكي نوكل إليك جميع النساء اللواتي تعرضن للعنف واللواتي ما زالنَ ضحايا له، في هذه المدينة، في إيطاليا وفي جميع أنحاء العالم. أنت تعرفينهنَّ جميعًا، وتعرفين وجوههنَّ، نسألك أن تجفِّفي دموعهنَّ ودموع أحبائهنَّ وأن تساعدينا لكي نقوم بمسيرة تربية وتطهير، فنعترف بالعنف الذي يعشِّش في قلوبنا وعقولنا ونكافحه ونسأل الله أن يحرِّرنا منه.
أظهري لنا مجدّدًا، يا أمنا، درب الارتداد، لأنه لا سلام بدون مغفرة، ولا مغفرة بدون توبة. إنَّ العالم يتغير إذا تغيرت القلوب؛ وعلى كلِّ واحد منا أن يقول: بدءًا من قلبي. ولكن الله وحده قادر على أن يغير القلب البشري بنعمته: تلك التي أنت فيها يا مريم، غُصتِ منذ اللحظة الأولى. نعمة يسوع المسيح ربنا، الذي ولدته في الجسد، والذي مات وقام من أجلنا، والذي تدلينا إليه على الدوام. هو الخلاص لكل إنسان وللعالم. تعال أيها الرب يسوع! وليأتِ ملكوتك، ملكوت الحب والعدالة والسلام! آمين.