تستمر في العاصمة الألبانية تيرانا فعاليات “ميد ٢٤ – حجاج رجاء. بناة سلام”. لقاء وصل هذا العام إلى نسخته الرابعة، بعد أن سبق أن التأم في باري وفلورنسا، بإيطاليا، ثم في مارسيليا بفرنسا. بدأت الأعمال في الخامس عشر من الجاري على أن تنتهي يوم غد السبت. للمناسبة أجرى موقعنا الإلكتروني مقابلة مع رئيس أساقفة تيرانا المطران أرجان دوداج الذي تحدث عن العمل المتواصل مع الشبيبة من أجل بناء شبكة للسلام بين بلدان المتوسط.
الفرح والبهجة طبعا لقاء ميد ٢٤ لهذا العام والذي تستضيفه العاصمة الألبانية، بدعوة وتنظيم من قبل كنائس منطقة البحر الأبيض المتوسط. عن هذا اللقاء حدثنا رئيس أساقفة المدينة المطران دوداج الذي أشاد بالجهود التي يبذلها الشبان القادمون من أوضاع وخبرات مختلفة، والذين دعاهم البابا فرنسيس في رسالة وجهها للمشاركين إلى أن يكونوا حجاج سلام ويسيروا وراء علامات الله فيصبح المتوسط بحراً للأخوة عوضا عن كونه مقبرة.
يشهد اللقاء هذا العام مشاركة زهاء خمسين شاباً وشابة قدموا من خمسة وعشرين بلداً مطلاً على البحر الأبيض المتوسط. عن هذا الموضوع قال المطران دوداج في حديثه لموقعنا الإلكتروني إننا نعلم أن المتوسط مطبوع بواقع لا يخلو من الصراعات والحروب، والوضع لا يختلف كثيراً في منطقة البحر الأسود، ومع ذلك يحتفظ هؤلاء الشبان بقوة عاتية هي قوة الأمل والرجاء، وبالتالي فإن أيام اللقاء كانت شاهدة على المقاسمة، مقاسمة المتاعب والمحن، وفي خضم هذه الخبرة المشتركة برز الرجاء والفرح وهذا شكل مدعاة سرور لجميع المشاركين في هذه المسيرة.
مضى سيادته إلى القول إن المنظمين وجهوا أنظارهم إلى يوبيل ٢٠٢٥ الذي يستعد الجميع لعيشه، وبالتالي وقع اختيارهم على موضوع اللقاء ألا وهو حجاج رجاء، وتساءل الأسقف الألباني عن أي رجاء نتحدث، مجيباً أنه الرجاء بأن السلام ممكن، وقابل لأن يُبنى، خصوصا في قلوب الأشخاص المتحررين من الأحكام المسبقة ومن الوقائع التي أثرت سلباً على السلام. وأضاف أن هؤلاء الأشخاص هم بنوع خاص الشبان والشابات، لافتا إلى أن جيلهم قادر حقاً على بناء السلام. وذكّر بأن البابا فرنسيس أراد أن يوكل إليهم هذه المهمة، أي أن يحولوا منطقة المتوسط إلى حديقة، لا إلى مقبرة.
وتوقف رئيس أساقفة تيرانا مرة جديدة عند رسالة الحبر الأعظم إلى المشاركين في اللقاء لافتا إلى أنه دعاهم للتعلم معاً، التعلم من الخبرات المختلفة والمتنوعة، ودعاهم أيضا إلى قراءة علامات الأزمنة. وقال سيادته إنه يعتقد أن واقع ما يُسمى بمسار الهجرة البلقاني، والذي يمر بنوع خاص في ألبانيا، هو علامة من علامات الأزمة التي تحدث عنها البابا. وأشار إلى أن الألبان شعب مضياف، ولديهم مثل شعبي يقول “البيت لله وللضيف”.
وأوضح أن الجماعات المحلية الألبانية لا تتأخر في مد يد المساعدة إلى المهاجرين الذين يعبرون أراضي البلاد، ضمن المسار البلقاني. ويحظون أيضا بمساعدة الكنيسة والمؤسسات الكاثوليكية التابعة لها، شأن كاريتاس، وقد خُصصت لهم أماكن يجدون فيها قسطاً من الراحة كي يستعيدوا قواهم، وحيث يلقون المساعدة والدعم المطلوبَين. واعتبر سيادته أن ما يفعله هؤلاء المواطنون الألبان يمكن أن يشكل علامة بالنسبة لمنطقة المتوسط بأسرها، وهكذا يستطيع الخير الموجود في قلب ذوي الإرادة الطيبة أن يوحّد الأشخاص، تماماً كما يتوحد الشبان المشاركون في اللقاء.
لم تخلُ كلمات المطران دوداج من التطرق إلى مسألة سبق أن تحدث عنها البابا الراحل بندكتس السادس عشر، ألا وهي “الصحارى الخارجية” التي تتسع بقدر ما تنمو “الصحارى الداخلية”. ولفت سيادته إلى أن الإنسان يحتاج قبل كل شيء آخر لأن يجعل نفسه تُزهر، وأن ينمّي علاقته مع الله. ومن هذا المنطلق، تابع يقول، تحتاج منطقة المتوسط أن تستعيد الصفات التي جعلتها منطقة هامة. ورأى أن المتوسط ليس فقط باباً تعبره أوضاع ووقائع وثقافات متنوعة تميز المنطقة، إذ إنه فسحة تجلى فيها إيمان شعوب، تتكون من أبناء إبراهيم، شعوب ظهرت على مر تاريخ الخلاص وقد أراد الله أن يتحقق اللقاء فيما بينها أيضا من خلال البحر المتوسط.
واعتبر سيادته أنه من الأهمية بمكان أن نقرأ اليوم علامات الأزمنة التي تميّز منطقة المتوسط، حيث يلتقي صوت الله مع صوت الضمير. وأكد أنه من خلال هذا الحوار، الحوار بين البشر والحوار بين الله والبشر، يمكن أن نستعيد السلام، لأنه بفضل الله وحده وبفضل العلاقة معه يمكن أن تُستعاد الكرامة البشرية، تلك الكرامة التي فُقدت وللأسف، والتي تُداس عندما تندلع الحروب وتقع الصراعات.
في سياق حديثه عن لقاء ميد ٢٤ قال رئيس أساقفة تيرانا إنه يتميز ببساطته، وفي هذه البساطة تكمن قوة أن نكون رجال سلام، وإمكانية أن تجد الثقافات والأوضاع المختلفة فسحة للحوار. وقال المطران دوداج إنه واثق بأن الشبان قادرون اليوم على أن يكونوا بدورهم حاملين للسلام، كلٌ ضمن بيئته الاجتماعية والثقافية والوطنية، وهكذا يصبحون رجال سلام على غرار عمدة فلورنسا الأسبق جورجيو لا بيرا.
في ختام حديثه لموقعنا لفت رئيس أساقفة تيرانا إلى الذكرى السنوية العاشرة لزيارة البابا فرنسيس إلى ألبانيا، والتي تصادف غداً السبت، مشيرا إلى أنه خلال السنوات الماضية نما لدى الشبان الوعي بضرورة نشر التناغم، على أمل أن يصبح ما يعيشونه مختبراً يعود بالفائدة على جميع الأخوة الذين يزورون تيرانا.