بعد ٤١ عامًا، وضع رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس عبد الساتر حجر الأساس لبناء كنيسة حيّ الرويسات في بلدة مجدليّا في قضاء عاليه، على اسم القدّيسة تقلا، أولى الشهيدات وشفيعة الرعيّة التي احتفل أبناؤها مع صاحب السيادة بالقدّاس الإلهيّ رافعين الشكر للربّ على نعمه.
وعاون سيادته بالذبيحة الإلهيّة النائب العام المونسنيور اغناطيوس الأسمر والقيّم العام الأبرشي الخوري جورج قليعاني والكهنة سليم مخلوف وعمانوئيل قزي وشربل موسى، بحضور مشايخ بلدة مجدليا، ووزير المهجرين عصام شرف الدين ممثلًا بالمدير العام أحمد محمود، والنواب نزيه متى وأكرم شهيّب وسيزار أبي خليل، ورئيس الصندوق المركزي للمهجرين العميد نقولا الهبر، ومسؤول دور العبادة في الصندوق المهندس أديب عليوان، ورئيس بلديّة مجدليّا محمود سلمان مطر وأعضاء المجلس البلدي، والمختارين زين الدين نعيم صبح وهلال حميد حيدر، وشخصيّات عسكريّة وأمنيّة وفعاليات سياسيّة وحزبيّة واجتماعيّة ونقابيّة، ولجنة الوقف، وحشد من المؤمنين.
وبعد الإنجيل المقدَّس، ألقى المطران عبد الساتر عظة جاء فيها:
– فرحان أنا في هذا الصباح المبارك الذي فيه وضعت حجر الأساس لبناء كنيستكم التي هي على اسم شفيعة رعيّتكم العزيزة القدّيسة تقلا أولى الشهيدات. وكم أتمنّى أن تكون هذه الكنيسة دومًا مكانًا للقاء بالله وبالآخر، الأخ والأخت، مكانًا نرفع فيه الصلاة على نيّة منطقتنا وبلدنا وبلدتنا وعلى نيّة أهلنا جميعًا، الأحياء من بينهم والموتى.
– وإنني أصلّي لتكون بلدة مجدليّا علامة دائمة على هوية الجبل كمكان العيش الكريم لكلّ إنسان، وعيش الأخوّة الصادقة، وكأرض القيم الإنسانيّة والوطنيّة والتعاون من أجل بناء مجتمع متنوّع ينمو فيه كلّ أحد ويبلغ ما فيه خيره المادي والروحي.
– وأصلّي أيضًا على نيّة كلّ من عملوا، من كلّ الجهات، من أجل عودة هذه البلدة العزيزة إلى حقيقتها بعد سنين الحرب السوداء ويعملون على تخطي الماضي وإصلاح أخطائه حتى لا تتكرّر المآسي التي يستنكرها الجميع ويزيد الألم ويكبر الحزن من جديد.
– وأشكر كلّ من ساهم وسيساهم في إعمار هذه الكنيسة إن كان بصلاته أو بجهده أو بماله. وأودّ هنا أن أعبّر عن إعجابي بمدى ثبات إيمانكم على الرغم من المِحَن وبتعلّقكم بشفيعة رعيّتكم القدّيسة تقلا، هي التي أحبّت حتى بذل الذات، وأطلب من الربّ أن يكافئكم على تمسّككم بكنيستكم وببلدتكم.
– وأشكر أخيرًا حضوركم معنا في هذا الصباح يا أصحاب السعادة والمعالي ويا مسؤولينا وشركاءنا وإخوتنا في طائفة الموحدين الدروز، وأطلب من الربّ، إلهنا ومخلّصنا، أن يغدق عليكم وعلى بلدتكم الغالية كلّ نعمه وبركاته لنبقى جميعًا ملح الأرض ولتبقى مجدليّا أرض العزة والشهامة، مزدهرة وجامعة لكلّ أبنائها.
وفي ختام القدّاس الذي خدمته جوقة مؤلّفة من إكليريكيّي الأبرشيّة، كانت كلمة للخوري جورج قليعاني قال فيها: “سيادة راعينا المفضال المطران بولس عبد الساتر السامي الاحترام، رئيس أساقفة بيروت.
يا أبانا، عندما قرّرتم المجيء إلى رويسات مجدليا، عمّت الفرحة والغبطة قلوب المؤمنين. أعمالكم وسمعتكم وأفعالكم سبقتكم. تماماً كما حصل مع الربّ يسوع وامرأة سوخار.
يا أبانا، جئتم إلينا اليوم، وهذا هو اليوم الذي صنعه الربّ لبيعته في رويسات مجدليّا، وقد عاينتم الأطفال والشبان، استقبلوكم حاملين سعف النخل، هاتفين لكم بالهوشعنا: “مبارك الآتي بإسم الربّ”. سمعتم هتاف النسوة بالزغاريد والأناشيد، فهذا اليوم هو شعانين رويسات مجدليا على الأرض، والأجداد الشهداء والضحايا أمام عرش الحمل يهتفون ذات الهتاف من السماء.
يا أبانا، نستقبلكم لا لإعتبارات دنيويّة باطلة، بل لأنّكم الصوت الصارخ في وجه الباطل. تشهدون للحق وتدعون للإلتزام بالقيم. تدافعون عن الإنسان ومعكم نتقدّس، أنتم الذين قلتم “من أجلهم أقدّس ذاتي”.
بعد الإشتراك بصلاة وضع حجر الأساس والقدّاس الإلهي أتوجّه بالقول لسيادتكم ولعموم أبناء مجدليا وكل مواطن في هذا الجبل من ذوي الإرادة الصالحة:
إنّ قصّة إختبار هذه الرعيّة وأبنائها مشابهة لإختبار شعب الله في العهد القديم. فقد أبعدتهم الحرب وانتشروا في المناطق اللبنانيّة وبلدان الإغتراب، لكن قضية الأرض لم تفارقهم وإيمانهم لم يتزعزع فقد شيّدوا كنيسة ومدافن في عين نجم وحَظَوا على الدوام على رعاية المطارنة أسلافكم.
ولمّا حان زمان العودة إلى أرض ميعادهم، شيّدوا المدافن أولاً لنقل عظام آبائهم وعاشوا إختبار كنيسة الرسل في العهد الرسولي والكنيسة الناشئة، إذ لا كنيسة من حجر بل كنيسة من بشر يقيمون القداديس والصلوات في بيوتهم.
مع فجر مصالحة الجبل سنة ٢٠٠١ لم تتمكّن لجنة الوقف من المباشرة في البناء لعدم توفّر الأموال. سنة ٢٠١٧ استجابت وزارة المهجرين وقرّرت المساعدة. سنة ٢٠١٨ صرف مبلغ من المال لكنّ تداعيّات الأزمة الإقتصاديّة سنة ٢٠١٩ كانت سلبيّة وتوقّفت الأعمال.
في العام ٢٠٢٣ لاح نجمٌ من خلف المحيطات من كندا، إذ قرّر البير حارس هيكل ابن الرعيّة، التكفّل ببناء الكنيسة من ماله الخاص، داعين له بالبركة والصحة والرحمة لأمواته.
اليوم بحسب تدبير الربّ يسوع لكنيسته، والرسل من بعده، وعلى يد خلفائهم الأساقفة خلفاً عن سلف، وعن يقين وإيمان، تحلّقنا حول راعينا واحتفلنا بصلاة وضع حجر الأساس لهذه الكنيسة من حجارة الكنيسة الأثريّة، كما أنّ أعمال الحفر لحيطان الدعم وصلت إلى حيطان الكنيسة الأثريّة.
لأنّنا أبناء النور ولسنا أبناء الظلمة، ولأنّنا أبناء القيامة ولسنا ابناء الموت، ولأنّنا أبناء الأحد ولسنا ابناء السبت، نتطلّع إلى المستقبل كحجّاج رجاء، مجدّدين علاقاتنا، ومثبّتين شراكتنا، كما مع الله وكذلك مع عموم أبناء بلدة مجدليّا وحيّ الرويسات، والذي يتجسّد أمامنا في هذا الحضور المتنوّع من أبناء الميرون ومن أبناء بني معروف. هكذا نشهد معكم وأمامكم للربّ يسوع قولاً وعملاً، وغير ذلك نكون أنصاف مؤمنين. لكم رأيكم ولنا رأينا. لكم إيمانكم ولنا إيماننا. هذا التنوّع الإيجابي يجب المحافظة عليه وتوريثه للأجيال حتى يوم الدين وغير ذلك هو من الشرير.
أشكر: المحسنين لهذا الوقف، وأسماؤهم معروفة لدى القديسة تقلا، وأعضاء لجنة الوقف ومؤازريهم، والمهندس عبده أبي شقرا، والمتعهدين قبلان ونجا وريبال حيدر، النواب والفعاليّات وكافة والمشايخ، والجيش اللبناني، ودائرة التواصل ومكتب الإعلام والطلاب الإكليريكيّين في الأبرشية، وكهنة الجوار الخوري عمانوئيل قزي وشربل موسى والرعايا المجاورة، والخوري سليم مخلوف وقدس النائب العام م.اغناطيوس الأسمر.
أبانا ورئيس كهنتنا وملاك الأبرشيّة، بتعيينكم للجنة الوقف الجديدة، وبحضوركم اليوم، أعدتم رعيّة رويسات مجدليا إلى خريطة رعايا الأبرشيّة، كما صنع الملاك جبرائيل ببشارة العذراء في بلدة الناصرة.
فرحتنا تكتمل عند الإنتهاء من الإعمار والإحتفال بتكريس الكنيسة وقرع أجراسها.
صلاة القديسة تقلا أولى الشهيدات والمعادلة للرسل، تكون مع سيادتكم وصحبكم ومع هذا الجمع الحاضر وبارك يا أبانا رئيس كهنتنا. آمين”.
وبعد القدّاس، التقى المطران عبد الساتر أبناء البلدة وبناتها.
بعد ٤١ عامًا وضع المطران عبد الساتر حجر الأساس لبناء كنيسة حيّ الرويسات في بلدة مجدليّا
