بطريرك القدس للاتين يتحدث عن المعنى الحقيقي للسلام الذي تحتاجه الأرض المقدسة

ألقى بطريرك القدس للاتين الكاردينال بيرباتيستا بيتسابالا محاضرة في جامعة اللاتيران الحبرية بروما حول موضوع “الصفات والمعايير لرعوية السلام”، وعلى هامش الحدث كان لغبطته لقاء مع الصحفيين أكد خلاله أن بلوغ السلام الدائم يتطلب وقتاً طويلاً مشدداً على ضرورة السعي حالياً للتوصل إلى وقف لإطلاق النار كخطوة أولى باتجاه حلول سياسية، ولفت إلى أنه من الصعب أن تُحدد المسارات الواجب اتباعها طالما أن الصراع مستمر.
طالب بطريرك القدس للاتين بإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين وبعض السجناء الفلسطينيين على الأقل، مضيفاً أن المسيحيين يمكنهم خلق مساحات توفر مكاناً تلتقي فيه الهيئات والمؤسسات والسياسيون ورجال الدين. وأكد أن الكنيسة ملتزمة في خلق الظروف الملائمة لتسهيل هذه المسيرة. هذا ما أكد عليه غبطته في المحاضرة التي ألقاها أمام عدد كبير من الطلاب ورجال الدين والرجال والنساء الملتزمين في العمل لصالح السلام. وكان من بين الحاضرين الأب فرانشيسكو باتون، حارس الأرض المقدسة.
تابع بيتسابالا يقول إن ما يحدث في الأرض المقدسة هو مأساة غير مسبوقة وأشار إلى أنه “بالإضافة إلى خطورة السياق العسكري والسياسي المتدهور بشكل متزايد، فإن السياق الديني والاجتماعي يتدهور أيضا”. وأوضح أن التعايش بين مختلف المكونات بدأ يتفكك تدريجيا، في وقت تنمو فيه مواقف من انعدام الثقة وقال إنه لا يوجد نقص في عناصر الأمل ولكن يجب “الاعتراف بشكل واقعي بوجود هذه الحقائق وبأن الصورة العامة لا تزال مقلقة للغاية”، كما قال.
بعدها أوضح غبطته أن مصطلح السلام يبدو كلمة بعيدة اليوم، وكأنها “يوطوبيا” خالية من المحتوى، فضلا عن كونها موضوعا يُستغل باستمرار. ولفت إلى أن السلام ليس فقط شيئاً من صنع البشر أو هدفا للتعايش البشري وحسب، بل هو حقيقة تأتي من الله ومن العلاقة معه. وذكّر بأن من يبشرون بالإنجيل يعلنون السلام حتى للأعداء، تماما كما فعل بطرس مع كرنيليوس، الذي كان قائد المئة للقوات العسكرية التي تحتل أرضه. وشدد بيتسابالا في هذا السياق على سمة يجب أن تميز أولئك الذين يطلبون السلام: “أن يكونوا مدركين لضعفهم” محذراً من خطر فتح سيناريوهات لحروب مستمرة، عندما يصبح الشخص الآخر عدواً، يجب الخوف منه أو القضاء عليه”.
هذا ثم قال غبطته إن السلام ليس فقط مجرد اتفاقية اجتماعية، أو مجرد هدنة أو غياب الحرب، نتيجة الجهود الدبلوماسية والتوازنات الجيوسياسية العالمية أو المحلية، التي يتم نسفها للأسف في الأرض المقدسة. وأكد أن معاني السلام هي واسعة جداً، وقال إنه من الضروري أن يُعاد الإنسان إلى المحور، أي العودة إلى مركزية الشخص البشري وكرامته التي لا تضاهى. وأكد في هذا السياق أنه “عندما يذوب وجه الآخر، يختفي وجه الله أيضا، وبالتالي يختفي السلام الحقيقي”.
وشدد بطريرك القدس للاتين في الختام على أن السلام يتطلب المجازفة دائما، معتبراً أنه يتعين على الإنسان أن يكون مستعداً للموت مثل يسوع. وقال إن “سلام أورشليم”، الذي يتحدث عنه المزمور ١٢١، ليس قمع الخلافات، وإلغاء المسافات، وليس هدنة أو ميثاق عدم قتال تضمنه المواثيق والجدران”، مشدداً على ضرورة إفساح المجال للمعرفة واللقاء والثقة، حيث تكون الاختلافات فرصا للتعاون وليست ذريعة للحرب.