ألقى مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف المطران إيتوريه باليستريرو مداخلة أمام المشاركين في أعمال الدورة الخامسة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان والتي تخللها حوار تفاعلي بشأن تقرير المفوض السامي حول التبدلات المناخية. وسلط الضوء على الصلة القائمة بين تغير المناخ والنقص في الغذاء في أشد البلدان فقرا، مذكراً بأن التنمية البشرية الأصيلة لها طابع أخلاقي، وهي تفترض مسبقا احترام الشخص.
استهل سيادته المداخلة مشيرا إلى أنه في العام ٢٠٢٣ واجه أكثر من ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين مليون شخص مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، وفقاً للإحصاءات، وأكد أنه من المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى حوالي ستمائة مليون شخص بحلول العام ٢٠٣٠. ولفت إلى أن تغير المناخ هو السبب الرئيسي للارتفاع الحالي غير المسبوق في آفة الجوع على الصعيد العالمي، موضحا أن الكرسي الرسولي مقتنع بأن الحقوق المترابطة في الغذاء والبيئة النظيفة والصحية ينبغي أن تشكل حجر الزاوية في السياسات الاقتصادية والمناخية.
بعدها توقف الدبلوماسي الفاتيكاني عند تقرير المفوض السامي لحقوق الإنسان الذي أكد أن العالم قادر على توفير الطعام لسكانه، وأوضح أن الكرسي الرسولي مقتنع تماما بأن إلقاء اللوم على الفقراء أو على معدلات الولادات المرتفعة وتحميلها مسؤولية تغير المناخ وانعدام الأمن الغذائي هي مسألة مضللة وكاذبة وغير مقبولة. وقال بهذا الصدد إن الأطفال هم مورد وليسوا مشكلة بحد ذاتهم.
وأكد سيادته أن الانبعاثات للفرد الواحد في البلدان الأكثر ثراء وتقدماً تتخطى بشكل كبير تلك الموجودة في البلدان الفقيرة، علما أن هذه الأخيرة، والتي تضم نصف سكان العالم تقريباً، مسؤولة بالكاد عن عشرة بالمائة من الانبعاثات السامة. ومع ذلك، فإن آثار تغير المناخ تلقي بثقلها على الفقراء وتساهم في تفاقم المشاكل القائمة أصلا، شأن الجوع وسوء التغذية. وذكّر المطران باليستريرو في هذا السياق بأن البابا فرنسيس اقترح في أكثر من مناسبة إنشاء صندوق يهدف إلى القضاء على الجوع، من خلال استخدام الموارد الهائلة المخصصة حاليا للأسلحة والصراعات.
تابع الدبلوماسي الفاتيكاني مداخلته مسلطاً الضوء على أهمية العمل البشري الحاسم من أجل التصدي لتغير المناخ خصوصا لأن هذا الظاهرة ناجمة في المقام الأول عن النشاطات البشرية. ومن الأهمية بمكان أن تُعتمد التدابير اللازمة من أجل التخفيف من حدة الظاهرة، تكون مرفقة بأنظمة الضمان الاجتماعي التي تغطي مخاطر المناخ وتأثيره. وأضاف سيادته أن تدمير الإنسان للبيئة ممارسةً خطيرة للغاية، وذلك ليس فقط لأن الله قد ائتمن الإنسان على العالم ولكن لأن الحياة البشرية هي في حد ذاتها هبة يجب الدفاع عنها من أشكال مختلفة من التدهور.
وأكد المطران باليستريرو في الختام أن التنمية البشرية الأصيلة لها طابع أخلاقي أيضا، يقتضي الاحترام الكامل للإنسان المدعو بدوره إلى الاهتمام أيضا بالعالم من حوله. وهذا موضوع سلط عليه البابا فرنسيس الضوء في رسالته العامة “كن مسبحاً”، مؤكدا أيضا أنه لا بد من الأخذ في عين الاعتبار طبيعة كل كائن بشري، وترابطه مع “منظومة منظمة”، كما كتب أيضا البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته العامة “الاهتمام بالشأن الاجتماعي” الصادرة في العام ١٩٨٧.