الراعي ترأس قداسًا في عيد البشارة وذكرى خدمته البطريركية وتلقى رسائل تهنئة من البابا وبارولين وكرادلة: ما أحوج لبنان إلى الشركة والمحبة في وقت يسوده التباعد وسعي البعض إلى تعطيل الدستور لمآرب خاصّة

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداسًا في عيد البشارة وفي الذكرى الثالثة عشرة لبداية خدمته البطريركيّة في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي عاونه فيه المطارنة: سمير مظلوم، بولس مطر، حنا علوان وانطوان عوكر، ومشاركة السفير البابوي المونسينيور باولو بورجيا، القائم بأعمال السفارة المونسينيور جيوفاني بيشيريه، مطارنة الطائفة والرؤساء العامين والرئيسات العامات و عدد من الكهنة والراهبات والمؤمنين.
بعد الانجيل المقدس القى البطريرك الراعي عظة شكر في مستهلها للسفير البابوي نقل تهنئة البابا فرنسيس و امين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين، بالذكرى الثالثة عشرة لبداية خدمته البطريركيّة وقال في العظة:
“أنا أمة الربّ، فليكن لي حسب كلمتك” .(لو 1: 38).
أشكركم إخواني السادة المطارنة الأجّلاء، وقدس الرؤساء العامّين على مشاركتم وصلاتكم وتهانيكم. كافأكم الله جميعًا بفيض من نعمه.
2. عندما حمل جبرائيل الملاك البشرى لمريم، عذراء الناصرة المخطوبة ليوسف، لتكون أمّ يسوع، إبن العليّ، بقوّة الروح القدس، أجابت: “أنا أمة الربّ، فليكن لي حسب كلمتك”. (لو 1: 38).
بهذا الجواب أعربت عن إيمانها بكلام الله، إيمانًا مميّزًا بالجهوزيّة والخدمة، وها نحن اليوم نتعلّم منها الإيمان بكلمة الله، والجهوزيّة والخدمة في مسؤوليّاتنا. فكلّنا دعينا إلى الكهنوت والأسقفيّة، وبعضنا إلى الحالة الرهبانيّة بالسير على خطى المسيح، المطيع والعفيف والفقير نحو المحبّة الكاملة. وانطلقنا بإيمان قابلين الدعوة من فم المسيح الربّ، ومعلنين جهوزيتنا لقبولها مجّددًا كلّ يوم، وجاعلنيها خدمة دائمة في حياتنا اليوميّة. فلنجدّد اليوم إلتزامنا بدعوتنا على مثال أمّنا وسيّدتنا مريم العذراء.
3. إنّ مناسبة عيد بشارتها الذي نقلناه إلى اليوم بسبب وقوعه هذه السنة يوم إثنين الآلام، تجمعنا ككلّ سنة لتذكار بداية خدمتي البطريركيّة في 25 آذار 2011، وها نحن في ذكراها الثالثة عشرة بنعمة من الله. فلا يسعني في المناسبة إلّا أن أذكر بالصلاة سينودس أساقفة كنيستنا المقدّس الذي أولاني الثقة فاختارني “أبًا ورأسًا” لكنيستنا المارونيّة، في جوّ من الصلاة واستلهام الروح القدس. كما أذكر بالصلاة السعيد الذكر البابا بندكتوس السادس عشر الذي منحني الشركة الكنسيّة. إنّ الجوّ الذي ساد جلسات السينودس الإنتخابيّة أوحى إليّ شعار خدمتي البطريركيّة: “شركة ومحبّة”.
معًا نقيم قدّاس الشكر لله على الثلاث عشرة سنة من الخدمة بمؤازرتكم وصلاتكم ومحبّتكم. ونقيمها ذبيحة استغفار عن كلّ خطيئة وخطأ ونقص، وذبيحة استلهام أنوار الروح القدس لنسير معًا على هديه، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، سيّدة البشارة.
4. يشكّل شعاري “شركة ومحبّة” مرتكز رسالتنا المشتركة وروحانيّتها. فالشركة تقتضي التزام بعديها: العمودي كاتّحاد بالله، والأفقيّ كوحدة فيما بيننا، وبين أبناء كنيستنا وسائر الناس. لكنّ هذه الشركة لا يمكن أن تثبت إلّا برباط المحبّة. فالمحبّة من أجل ثبات الشركة هي كالإسمنت لتثبيت مداميك الحجارة. إنّ أساس وحدتنا قائم على المعموديّة التي جعلتنا أعضاء في جسد المسيح السرّي الذي هو الكنيسة. المسيح رأس هذا الجسد، يجمعنا بالروح القدس في وحدة الإيمان والحقّ والمحبّة لنكون على مثال وحدة الثالوث القدّوس (راجع “نور الأمم” 4 و 7). هنا تقع مسؤوليّة الأسقف في أبرشيّته، والبطريرك في كنيسته البطريركيّة، والرؤساء العامّون في رهبانيّاتهم. فعلينا أساقفة وبطريركًا أن نعمل جاهدين ومن دون إهمال أو تأجيل على إصلاح الخطأ وإعادة بناء الوحدة (راجع “نور الأمم”، 7 و13). وهذا واجب الرئيس العام ومجلسه في رهبانيّتهم. ويجب أن نعمل جميعًا على إيجاد الحلول داخليًّا للمشاكل المطروحة، قبل التوجّه إلى السلطات العليا. وهذه علامة على حسن النيّة، والبناء على الحقيقة. بهذا التصرّف نحترم ذواتنا ونكون موضوع احترام من غيرنا.
5. ما أحوج كلّ مجتمع بشريّ اليوم، وبخاصّة المجتمع اللبنانيّ إلى الشركة والمحبّة، وهو في حالة تباعد ونزاعات وعداوات ولا ثقة ونفوذ البعض وتعطيله نصوص الدستور لمآرب خاصّة، كما هي الحال لعدم انتخاب رئيس للجمهوريّة المأخوذ كرهينة لحسابات شخصيّة وفئويّة، من دون أي اعتبار لتفكّك الدولة وفقر المواطنين ربمّا المقصودين. باتت هذه الحالات تعطّل ميزات لبنان الدستوريّة الأساسيّة وهي:
أ- المساواة بين المواطنين على اختلاف أديانهم، لكونهم ينتمون إلى لبنان الدولة بالمواطنيّة لا بالدين. ما يعني أنّ لبنان دولة تفصل بين الدين والدولة، و”تحترم جميع الأديان في عقائدها، وتضمن قوانين أحوالها الشخصيّة” (المادة 9 من الدستور). وبالتالي لا يوجد دين للدولة في لبنان، ومصدر الدستور مدنيّ صرف. ولكن من المؤسف أن نشاهد اليوم ممارسات تناقض كلّ هذه الميزات، وتعطي لبنان وجهًا طافيًّا بغيضًا.
ب- التعدّديّة الثقافيّة والدينيّة التي تتنافى مع الأحاديّة. من هذه الصفة تتحدّر الحريّات العامّة في نظام لبنان، بدءًا من حريّة الضمير والمعتقد، وحريّة الرأي والتعبير، وحريّة النشر والكتابة، وحريّة التجمّعات والأحزاب، كما يقرّها الدستور.
ج- ميثاق العيش معًا مسيحيّين ومسلمين المعروف بالميثاق الوطنيّ (1943) الذي جدّده اتفاق الطائف (1989) وأدخله الدستور (1990). فاعتبر أن “لا شرعيّة لأي سلطة تناقض العيش المشترك” (مقدّمة الدستور، ي). يقوم هذا الميثاق على أمرين.
1- حياد لبنان.
2- المشاركة المتوازنة والمتساوية في الحكم والإدارة، من دون أن تكون هذه المشاركة قائمة على محاصصة طائفيّة وحزبيّة وتكتّليّة نيابيّة، هذه المحاصصة تحرم أكثر من نصف المواطنين اللبنانيّين من هذه المشاركة.
6. إنّ الكنيسة مدعوّة لتوجّه أبناء وبنات مجتمعنا إلى سماع كلام الله، وحفظه في قلوبنا، على مثال أمّنا مريم العذراء، ونكون المثال أمامهم في الإيمان والجهوزيّة والخدمة، رافعين نشيد المجد والتعظيم للثالوث القدّوس، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.