الدعوة إلى رفض الحرب وإلى السعي إلى السلام من العلامات الجوهرية لحبرية البابا فرنسيس

مع بلوغ حبرية البابا فرنسيس عامها الحادي عشر تجدر الإشارة إلى دعوات قداسته المتواصلة إلى رفض الحرب التي تزرع الموت والدمار، وإلى السعي إلى السلام، وهو ما لم يتوقف الأب الأقدس عن المناداة به عقب الحربين الأخيرتين في أوكرانيا والأرض المقدسة.
قبل عام بالضبط، ومع مرور عشر سنوات على انتخابه خليفة للقديس بطرس، جدد البابا فرنسيس التعبير عن تقاسمه الألم الكبير لآلاف الأمهات في العالم جراء موت أبنائهن الشباب في الحرب، وكانت الإشارة في تلك الفترة إلى الحرب التي تعاني منها أوكرانيا جراء الاعتداء الروسي. وخلال السنة الأخيرة وحتى اليوم لم يتوقف الأب الأقدس عن التذكير بهذا الألم وببشاعة الحرب، وذلك مع التحذير من جهة أخرى بخطر توسع النزاع في أوروبا الشرقية ومن الحديث عن إرسال محتمَل لقوات عسكرية إلى أوكرانيا. ويجدر التذكير هنا بتكليف البابا فرنسيس رئيس مجلس أساقفة إيطاليا الكاردينال ماتيو زوبي بمهمة حملته إلى روسيا وأوكرانيا، وأيضا الولايات المتحدة والصين، سعيا إلى حل سلمي للحرب في أوكرانيا.
ومنذ تشرين الأول أكتوبر الماضي اندلعت حرب أخرى، في الأرض المقدسة هذه المرة، وعاد البابا فرنسيس إلى إدانة الحرب التي كرر في أكثر من مناسبة كونها هزيمة، كما وتعددت نداءات قداسته من أجل وقف إطلاق النار. وكان البابا فرنسيس قد تحدث عشرة أيام عقب بداية العمليات العسكرية الإسرائيلية عن الأوضاع الإنسانية المأساوية لسكان غزة، أوضاع تتواصل مأساويتها بل وتتزايد وصولا إلى مقتل ما يزيد عن ٣٠ ألف شخص حتى الآن، الكثير من بينهم من الأطفال والنساء، ناهيك عن معاناة السكان وافتقارهم حتى إلى الضروريات الأساسية. وقد بلغ عدد نداءات البابا فرنسيس من أجل وقف معاناة سكان غزة ما يزيد عن ٦٠ نداءً حتى الآن.
هذا ولم يَخلُ أي لقاء للبابا فرنسيس أو مقابلة عامة أو حديث إلى المؤمنين، عقب تلاوة صلاة التبشير الملائكي مثلا، من تأكيد قداسته والدعوة إلى القرب من المتضررين من الحروب، ومن دعوة الأب الأقدس إلى السلام والتحلي بالشجاعة للتفاوض حسبما ذكر مؤخرا في المقابلة التي أجرتها معه هيئة الإذاعة والتلفزيونية السويسرية. وأدان الأب الأقدس كثيرا جنون الحرب كما وكرر النداء من أجل تطبيق الحكمة التي يجب أن تكون لها الغلبة على المصالح الخاصة. وشدد البابا فرنسيس في مناسبات عديدة على أن الحرب لا يمكنها أن تَحلَّ شيئا، ودعا إلى إسكات صوت السلاح والإصغاء إلى صرخة الشعوب، الأطفال والأخوة والأخوات المتضررين من الحرب التي تزرع الموت والدمار وتغذي مشاعر الكراهية والرغبة في الانتقام، بل وتمحو الحرب المستقبل، كرر الأب الأقدس مرات كثيرة.
كثيرة هي أيضا دعوات البابا فرنسيس للجميع كي يقولوا لا للحرب، لأي حرب، لمنطق الحرب في حد ذاته، هذا إلى جانب حديث قداسته عن حاجة الناس إلى الخبز لا السلاح. وأشار قداسة البابا في هذا السياق إلى أن الأشخاص يطالبون بالسلام ويتطلعون إليه إلا أن كثيرين قد لا يعلمون كمَّ الأموال العامة المخصَّصة للتسلح، وشدد قداسته على ضرورة الإعلام بهذا الواقع المؤسف ليَعلم الجميع مَن يكسب من الحروب.
رفض الحرب والتشديد على ضرورة السعي إلى السلام هما بالتالي محور مداخلات كثيرة لقداسة البابا منذ بداية حبريته، وقد أشار خلال تطرقه إلى هذه المواضيع إلى أهمية الانفتاح على الآخرين وفتح قنوات صداقة بين البشر مشددا على أن السلام لا يمكن بلوغه بالانغلاق على الذات. شجاعة السعي إلى السلام هي أيضا إحدى النقاط الجوهرية التي أشار إليها الأب الأقدس مرات كثيرة، هذا إلى جانب الحاجة إلى الإبداع وأيضا إلى تأكيد الثقة في أن عالما آخر، مختلفا، أفضل، هو ممكن، عالم يكون فيه الجميع أخوة وأخوات. ومن بين الدعوات التي وجهها قداسة البابا فرنسيس هناك الدعوة إلى الاستلهام خلال وضع المشاريع واتخاذ القرارات من الرسالة العامة “السلام في الأرض” للبابا القديس يوحنا الثالث والعشرين، والتي كانت موجَّهة إلى العالم في فترة امتلأت بالتوتر أي ما كانت تُعرف بالحرب الباردة. وثيقة من بين ما كتب فيها البابا القديس أن العلاقات الدولية، على غرار العلاقات بين الأفراد، لا يمكن أن تسوّى بقوة السلاح، بل إنما قاعدتها ناموس الحكمة أو بعبارة أخرى ناموس الحقيقة والعدل والتضامن الودي.