البطريرك يونان يرعى ويبارك اللقاء الأول لمسؤولي وخدّام الحركات الشبابية الكاثوليكية في لبنان من تنظيم اللجنة الوطنية لراعوية الشبيبة والتابعة لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان Apecl-Jeunes بعنوان “حجّاج الرجاء”

في تمام الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم الأحد 28 نيسان 2024، رعى وبارك غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، اللقاء الأول لمسؤولي وخدّام الحركات الشبابية الكاثوليكية في لبنان، من تنظيم اللجنة الوطنية لراعوية الشبيبة، والتابعة لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان Apecl-Jeunes، بعنوان “حجّاج الرجاء”، وقد عُقِدَ هذا اللقاء بضيافة الكنيسة السريانية الكاثوليكية، وذلك في دير سيّدة النجاة البطريركي – الشرفة، درعون – حريصا، لبنان، على أن تعقبه لقاءات مماثلة في كلٍّ من الكنائس الكاثوليكية في لبنان.
أشرف على اللقاء صاحب السيادة مار اسحق جول بطرس مدير إكليريكية سيّدة النجاة البطريركية بدير الشرفة ومسؤول رعوية الشبيبة، يساعده فريق عمل يضمّ مسؤولي الحركات الشبابية في الكنيسة السريانية الكاثوليكية في لبنان. وقد شارك في اللقاء أعضاء اللجنة الوطنية راعوية الشبيبة، وممثّلون عن مختلف الحركات الشبابية للكنائس الكاثوليكية في لبنان، من كهنة وشمامسة ورهبان وراهبات وعلمانيين وعلمانيات.
وخلال اللقاء، وجّه غبطة أبينا البطريرك كلمة أبوية إلى المشاركين، هنّأ فيها وشكر “المسؤولين الذين هيّأوا هذا اللقاء وجميع الذين ساعدوهم”، مذكّراً أنّ “الرب يدعونا دائماً أن نتبعه”، سائلاً إيّاه “أن يباركنا خاصّةً بعدما أمضيتم هذا النهار معاً، شبّاناً وشابّاتٍ، إخوةً وأخواتٍ بالمسيح، وهذا يجعلنا نفتخر بالشبيبة في لبنان الملتزمة بإيمانها، ليس فقط بالقول، بل أيضاً بحياة مستمرّة مع الرب يسوع الذي سيظلّ يرافقنا أينما كنّا وفي كلّ ظروف حياتنا”.
ونوّه غبطته إلى أنّ “اليوم هو أحد الشعانين لدى إخوتنا السريان الأرثوذكس وجميع الشرقيين الذين يتبعون التقويم اليولياني. نطلب من الرب أن يجمعنا دائماً بالوحدة، ولو أنّ الوحدة المنظورة هي بالنهاية عمل الروح القدس. نصلّي كي يجعلنا الرب الشهود لمحبّته، فنجتمع دائماً ونشجّع على اللقاءات، أكانت بين الكاثوليك، أو بين المسيحيين، وحتّى أيضاً مع غير المسيحيين، ولا سيّما مع الغالبية المسلمة التي نعيش معها، أكان هنا في لبنان، أو في الشرق”.
وتضرّع غبطته “إلى الرب يسوع، بشفاعة أمّه وأمّنا مريم العذراء، التي هي سيّدة النجاة في هذا الدير، وهي سيّدة لبنان، وأمّ الكنيسة، أن يبارككم ويرافقكم، ونحن نتذكّر دوماً أنّ الرب يدعونا، وأنّه مهما كان واقع حياتنا والمعاناة التي نعانيها، فسنبقى نفتخر بالرب يسوع. وهنا نودّ أن نذكّركم أنّ علاقتنا مع الرب هي علاقة إيمانية، إذ أنّ كلمة “الدين” بالعربية مشتقّة من الآرامية – السريانية، وتعني الحُكم، لأنّهم قبلاً كانوا يفكّرون، كما في العهد القديم، أنّ الله هو الديّان والحاكم، فعلاقتنا به هي علاقة حاكم ومحكومين، أمّا مع يسوع الإله المتأنّس، فعلاقتنا هي علاقة محبّة وحرّية، وقد عبّر عنها الرب يسوع بأنّها علاقة الأب وأبنائه”.
ثمّ أتيح المجال لطرح الأسئلة، فأجاب غبطته على الأسئلة التي وجّهها إليه الشباب:
فلفت غبطته إلى أنّنا “ككنيسة نحاول كلّ جهدنا أن نرافق شبيبتنا، ونذكّرهم بدعوتهم المسيحية مهما كانت الصعوبات، فآباؤنا وأجدادنا عاشوا الكثير من الآلام والمعاناة، وكثيرون منّا هم أولاد مهجَّرين بعد مذابح الإبادة عند الأرمن والسريان والكلدان والبيزنطيين في تركيا عام 1915، نحن أحفاد هذه العائلات المسيحية الملتزمة التي لم تتردّد في سفك دمائها من أجل الإيمان بالرب يسوع. نسعى جهدنا كي نشجّع شبيبتنا على البقاء رغم كلّ المخاطر والتحدّيات، ونساعدهم قدر الإمكان، في المدارس، على سبيل المثال، عن طريق الإعفاء من الأقساط المدرسية للسنة الدراسية الرابعة على التوالي، ونشجّع الشبيبة من خلال عقد المخيّمات والمؤتمرات، وندعم العائلات التي نعاني معها من نزيف الهجرة من العراق ثمّ من سوريا، وهي تحتاج إلى المساعدة”.
وأشار غبطته إلى أنّنا “لا نريد أن نكون حالمين، بل واقعيين، ونقول لشبابنا، أينما كنتم، شرقاً أو غرباً، شمالاً أو جنوباً، تذكّروا أنّكم مسيحيون، وأنّكم أبناء الله وإخوة يسوع، فلا يجب أن تخجلوا من إعلان إيمانكم. المادّية تتفشّى، وعلينا أن ننخدع، صحيح أنّ التقنيات تجذب وتأخذ بمشاعر وسلوك الكثيرين منّا، لا سيّما بين فئة الشباب، وصحيح أنّ العالم يقدّم لنا هذه الوسائل كلّها، ولكنَّ الأساس هو أن نبقى نتطلّع إلى فوق. فإذا بقينا نتطلّع إلى بعضنا أفقياً، لن نستطيع الوصول إلى الهدف الذي هو راحة نفوسنا والسلام الداخلي”.
وتناول غبطته “التحدّي الكبير في المفاهيم الجديدة في بلاد الغرب، إذ أصبحت الحرّية تحرّراً، والكرامة الإنسانية تعالياً على الآخرين، وأضحى المطلوب فقط ألا يتعدّى أحدٌ ظاهرياً على غيره، كلاماً أو فعلاً، ويقولون إنّ الإنسان حرٌّ ويعمل ما يريد، بينما يعلّمنا إيماننا المسيحي أنّ الجوهري هو أن نعيش علاقتنا مع الله، وأن يرتفع قلبنا إليه تعالى. فحياتنا على الأرض ليست سوى حجّاً إلى الأبدية، لأنّنا إذا فكّرنا فقط بهذه الأرض فلن نصل، بل سنشعر يوماً بالقرف من هذه الحياة إن لم يكن لدينا هذا السموّ الروحي”.
واعتبر غبطته أنّه “إذا تشبَّهنا بالعالم، علينا أن نعرف كيف نكون أذكياء، فننفتح على الإنجازات والتقدُّم الذي يحصل في العالم، وخاصّةً في الأجيال الأربعة الأخيرة، حيث انتشرت علوم الإنترنت بشكل لا يستطيع أحدٌ أن يوقفه، حتّى وصلنا اليوم إلى ما يُسمَّى بالذكاء الإصطناعي. نحن نعيش في هذا العالم، لذا علينا أن نكون أذكياء، فنعرف كيف نستعمل الوسائل التي يقدّمها لنا العالم بالطريقة الصحيحة، ولا نتخلّى عن إيماننا. وقد قال يسوع لتلاميذه عندما اختارهم: أنا اخترتُكم، لستم من العالم، أنا أرسلكم إلى العالم، لكنّكم لستم من روح العالم، والعالم سيبغضكم”.
وتطرّق غبطته إلى “لقاءاتنا مع الإخوة البطاركة والكرادلة والمطارنة، حيث نذكّرهم أنّنا اليوم في الكنيسة الكاثوليكية إزاء تحدٍّ كبير، البعض يفهمون أنّ علينا أن نعرف كيف نفهم العالم، أي أن نتمثّل بالعالم، كأنّه لا شيء لدينا والعالم هو الذي سيملأ نفوسنا بما نحتاج إليه، في الوقت الذي نذكر أنّه في القرون الثلاثة الأولى للمسيحية، هناك الشهداء المسيحيون الكُثُر الذين فضّلوا البقاء أمناء للرب يسوع ولم يعبدوا الأمبراطور، حتّى سفك الدم. ومثال على ذلك، القديس مار جرجس الشهيد الشهير عالمياً، والذي احتفلنا بعيده منذ بضعة أيّام، وقد كان ضابطاً، ولم يقبل مفهوم ما يُسمَّى الاعتقاد الوثني بأنّ الأمبراطور هو إله يجب أن نعبده، وقد سفكَ دمَه في سبيل إيمانه بالرب يسوع”.
وشدّد غبطته على أنّنا “اليوم إزاء هذه التحدّيات الكبيرة، علينا أن نبقى ثابتين في إيماننا، وفي الوقت عينه حكماء، نعرف كيف ننفتح على العالم كي نفيد أنفسنا وأولادنا وكنائسنا بما توصّل إليه العالم من تقدُّم وتطوُّر، لكنّنا لا ننسى الرب يسوع الذي هو مخلّصنا. إنّ قلبنا مع الشباب، ويقولون إنّ الشباب هم مستقبل الكنيسة والوطن، في حين أنّهم الحاضر، لأنّنا اليوم نحتاج إليهم، كي، مع جيل الأهل، يكونوا شعلة الرجاء، ويساعدوهم ليتغلّبوا على شعور الفراغ في الحياة التي يعيشونها. دور الشباب كبير، ولا يجب أن يفكّروا أنّهم سيظلّون بحاجة للآخرين الأكبر منهم، إنّما عليهم أن يفكّروا أنّ بإمكانهم أن يعطوا هم أيضاً، والرب يسوع سيلهمهم كيف يمكنهم أن يؤدّوا هذه الرسالة”.
وأكّد غبطته على “أنّنا شعب الرجاء، والرجاء اليوم هي الكلمة التي تُكتَب ويُبشَّر بها في كلّ المجالات، وقداسة البابا فرنسيس يذكرها كثيراً في كلماته، ونحن أيضاً كذلك، لأنّنا عانينا الكثير ككنيسة سريانية، ليس فقط في الماضي، بل في الحاضر أيضاً، لا سيّما في لبنان والعراق وسوريا، إذ لا يمكننا أن نفصل ذواتنا عن إخوتنا في الشرق. يجب أن نعطي دائماً للرجاء المعنى الحقيقي والمجال الأوسع. كما علينا أن نرى كيف يمكننا أن نقدّم الإيمان والتراث الذي هو تراث إنساني، ثمّ النِّعَم التي بإمكاننا أن نقوم بنشرها في مجتمعاتنا، حتّى نبني المستقبل مع الآخرين. فإن لم يحافظ الإنسان على إرثه، سيخسر كثيراً”.
وفي ختام اللقاء، قدّمت اللجنة الوطنية لراعوية الشبيبة إلى غبطة أبينا البطريرك هدية بنوية، هي عبارة عن درع، عربون شكر وتقدير وامتنان، وتخليداً لهذه المناسبة.
هذا وقد تضمّن اللقاء قداساً إلهياً في كنيسة الدير احتفل به سيادة المطران جول بطرس، وورشات عمل للتعريف بالكنيسة السريانية الكاثوليكية وتاريخها ولغتها وليتورجيتها وتراثها وتقاليدها.