في تمام الساعة الحادية عشرة والنصف من ليل يوم الأحد 24 كانون الأول 2023، احتفل غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بقداس منتصف ليل عيد ميلاد الرب يسوع، وذلك على مذبح كاتدرائية سيّدة البشارة، المتحف – بيروت.
عاون غبطتَه في القداس المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية، بمشاركة الأب ميشال حموي الكاهن المساعد في رعية سيّدة البشارة. وخدم القداس جوق الرعية، وبعض أعضاء حركة مار شربل فيها، بحضور ومشاركة جموع غفيرة من المؤمنين من أبناء الرعية.
في بداية القداس، أقام غبطته الرتبة الخاصّة بعيد الميلاد بحسب الطقس السرياني الأنطاكي. وفي نهايتها، رنّم غبطته الإنجيل المقدس، وخلاله أشعل ناراً في موقدة وزيّح فوقها الطفل يسوع. ثمّ قام بتطواف في الكنيسة حاملاً الطفل يسوع، يتقدّمه الإكليروس، فيما الجوق ينشد تسبحة الملائكة “المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر”، وترانيم الميلاد. وبعد ذلك، وضع غبطتُه الطفلَ يسوع في المكان المُعَدّ كمذود داخل المغارة التي نُصِبَت بجانب المذبح.
وبعد الإنجيل المقدس، استهلّ غبطة أبينا البطريرك موعظته بالتحيّة الميلادية “وُلِدَ المسيح، هللويا”، وجاءت الموعظة بعنوان: “أمّا مريم فكانت تحفظ كلّ هذا في قلبها وتتفكّر به”، معبّراً عن الفرح الروحي الذي يعمّ العالم في هذا العيد المجيد، “عيد ميلاد المخلّص، حيث علينا أن نتأمّل ونفكّر ونعود إلى قلوبنا ونسأل الله ماذا يريد أن يكلّمنا”.
ونوّه غبطته إلى أنّنا “سمعنا من الرسالة إلى العبرانيين أنّ الله كلّم البشر بطرق عديدة، وفي آخر الأزمنة كلّمهم بابنه. لذلك نقول إنّ يسوع ابن الله هو كلمة الله، الله يعطي الكلمة، والكلمة هي أهمّ تعبير للكائن الحيّ والعاقل. وبما أنّ الله هو الخالق والمدبّر، وهو النور الذي ينير طريق الناس، فكلمته مهمّة جداً، لذلك كان موضوع رسالتنا للميلاد لهذه السنة: الله يكلّمنا بابنه”.
وتناول غبطته “الأوضاع الراهنة التي تعيشونها ونعيشها جميعاً، صحيح الوضع أصعب بكثير من كلّ سنة، ونعيشه كلّنا بألم وبحرقة قلب، ونتساءل: أين أنتَ يا ربّنا كي نكون حقيقةً شعبك الذي يؤمن بك، والذي ينقل اسمك، وينقل كلمتك للعالم أنّك أنتَ تدير أمور العالم!”.
ولفت غبطته إلى أنّنا “للأسف نقولها ونكرّر بأنّ في لبنان هناك مسؤولون لعبوا بمصير هذا البلد، ولا يزالون لا يفكّرون حقيقةً بإيجاد حلول صحيحة وعادلة كي يستطيع هذا الشعب الذي ضحّى الكثير ولا يزال يضحّي، أن يعيش بكرامته، وليس هناك ما نخفيه أو نسكت عنه. صحيح أنّ كلّ السياسيين مسؤولون، لكن للأسف في الوقت الحاضر، بالأخص بالنسبة لانتخاب رئيس للجمهورية، فعلى المسيحيين تقع المسؤولية الكبرى لأنّهم ليسوا متّفقين. أحزاب، عائلات، قبائل وعشائر تتحكّم بنا، في الوقت الذي نريدهم نحن أن يفكّروا بمصلحة لبنان قبل كلّ شيء، وقبل مصلحة أحزابهم وقراهم وعائلاتهم وعشائرهم”.
وشدّد غبطته على أنّنا “نأتي اليوم في هذا الليل كي نعايد يسوع ونشكره، لأنّه جاء إلينا، ويكلّمنا بالخير والمحبّة والتواضع، ونرجوه أن يساعدنا كي نكمل مشوار حياتنا بما يرضي قلبه ومشيئته، مبشّرين بالخير والمحبّة والسلام”.
وأكّد غبطته على أنّنا “نتعلّم من مريم، وعلينا أن نلجأ إليها على الدوام كي تساعدنا حتّى نتمكّن من المحافظة على الرجاء في قلوبنا، وننقل هذا الرجاء إلى أولادنا وشبابنا، رغم كلّ التوتّرات والقلاقل والتحدّيات الكبيرة”.
وأشار غبطته إلى “ما يحصل اليوم في الجنوب اللبناني، حيث يتهجّر الأهالي من القرى الحدودية، وكذلك بعد الجنوب في الأراضي المقدسة، وفي غزّة بالتحديد، حيث الحرب لا تزال دائرة، فضلاً عن حروب وصراعات عدّة في المنطقة من حولنا، وتعدّيات على المدنيين”.
وختم غبطته موعظته ضارعاً “إلى الرب يسوع الذي جاء إلى عالمنا، أن يعطينا ملء السلام والرجاء الصالح في قلوبنا، ملتمساً شفاعة أمّنا مريم العذراء مع جميع القديسين والشهداء، حتّى نظلّ دائماً الشعب الأمين لرسالة الرب يسوع، فننشرها في كلّ مكان”.
وبعدما منح غبطة أبينا البطريرك البركة الختامية، تقبّل التهاني بالعيد من المؤمنين في جوّ من الفرح الروحي.