استقبل البابا فرنسيس صباح اليوم الجمعة في الفاتيكان أعضاء اللجنة المختلطة الدولية للحوار اللاهوتي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية الشرقية في الذكرى السنوية العشرين لتأسيسها ووجه لضيوفه خطابا سلط فيه الضوء على ثلاث طرق متكاملة للتقدّم في المسيرة المسكونية ألا وهي حوار المحبة، حوار الحقيقة وحوار الحياة.
استهل الحبر الأعظم كلمته مرحباً بالحاضرين وشكرهم على حضورهم وعلى التزامهم في السير معاً في دروب الوحدة التي هي أيضا دروب السلام. وأضاف أننا نصلي ونعمل بلا كلل في سبيل الشركة، ومن أجل مواجهة غياب السلام في مناطق عدة من الأرض.
بعدها توقف البابا عند حضور وفد من كهنة ورهبان الكنائس الشرقية الأرثوذكسية، مشيرا إلى أن هذا الحضور الشبابي يغذي الرجاء كما أن الصلاة توجّه المسيرة. وشاء فرنسيس، من خلال ضيوفه، أن يوصل تحياته الحارة إلى أخوته، قادة الكنائس الشرقية والذين قام بعضهم بزيارته العام الفائت. ولفت إلى أن تلك الزيارات ثمينة لأنها تسمح “لحوار المحبة” أن يسير يداً بيد مع “حوار الحقيقة” الذي تعمل عليه اللجنة والتي أصدرت وثيقة بعنوان “ممارسة الشركة في حياة الكنيسة الأولى وانعكاساتها على بحثنا عن الشركة اليوم”. وقال البابا إن هذه الخطوات التي تستمد جذورها من المعمودية الواحدة، ليست مجرد مجاملات إذ إنها تكتسب معنى كنسياً ولاهوتياً هاماً.
من هذا المنطلق أكد البابا أن حوار المحبة لا يمكن أن يُنظر إليه فقط على أنه تمهيد لحوار الحقيقة، لأنه “لاهوت يعمل”، وقادر على فتح إمكانات جديدة أمام مسيرة الكنائس. وفي هذا السياق لا بد من أن يُطوّر “لاهوت الحوار في المحبة”.
مضى الحبر الأعظم إلى القول إن اللجنة ومنذ لقائها الأول في القاهرة في يناير ٢٠٠٤، عقدت لقاءات سنوية تقريباً وتبنت ثلاث وثائق هامة تعكس غنى التقاليد المسيحية التي تمثلها اللجنة. كما أن هذا الحوار الغني اكتسب قيمة أثمن في إطار الوحدة في التنوع، كما تُظهر أول وثيقة أصدرتها اللجنة وتحدثت فيها عن تعابير لاهوتية مختلفة لكنيسة يجمعها إيمان واحد لكنها تتمتع بأشكال مختلفة من الطقوس الكنسية والتراث الروحي.
لم تخل كلمة البابا من الإشارة إلى الاهتمام الرعوي الذي ظهر في آخر وثيقة أصدرتها اللجنة حول “الأسرار في حياة الكنيسة”، وسلط الضوء على أهمية الاستمرار في تنظيم زيارات سنوية متبادلة للدراسة يقوم بها الكهنة والرهبان الشبان. واعتبر أن إشراك الشبان في عملية التقارب بين الكنائس هو علامة للروح القدس الذي يجعل الكنيسة فتية في إطار التناغم، ويُلهم دروباً للشركة ويمنح الحكمة للأجيال الفتية والنبوءات للمسنين. وأمل البابا أن يستمر حوار الحياة هذا بتوجيه من الروح القدس.
تابع الحبر الأعظم كلمته مشيرا إلى أن حوار المحبة وحوار الحقيقة وحوار الحياة هي ثلاث طرق متكاملة للتقدّم في المسيرة المسكونية التي تروج لها اللجنة منذ عشرين سنة. وقال البابا إن عشرين سنة هي عمر الشباب، وخلالها تنضج الخيارات المقرّرة. وتمنى في هذا السياق أن تشكل المناسبة فرصة لتسبيح الله على المسيرة المنجزة، متذكرين بعرفان الجميل جميع من ساهموا فيها من خلال الكفاءات اللاهوتية والصلاة، ولتجديد القناعة بأن الشركة التامة بين الكنائس ليست فقط ممكنة، إنما هي أيضا ملحة وضرورية كي يؤمن العالم.
ختاما شاء البابا أن يوكل أعمال اللجنة المختلطة الدولية للحوار اللاهوتي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية الشرقية إلى شفاعة العذراء مريم، متوجها إليها بكلمات صلاة قديمة تقول: في ظل حمايتك نلتجئ يا والدة الله القديسة، لا تردي تضرعاتنا نحن الممتحنين، لكن نجّنا من كل خطر أيتها العذراء الممجدة والمباركة.