استقبل البابا فرنسيس صباح الخميس في الفاتيكان أعضاء اللجنة اللاهوتية الدولية وسلمهم خطاباً توقف فيه عند مجمع نيقية متحدثا عن أسباب ثلاثة تجعل من إعادة اكتشافه أمراً واعدا، وهذه الأسباب هي روحية، سينودسية ومسكونية.
استهل الحبر الأعظم كلمته مرحبا بالحاضرين، خاصا بالذكر الكاردينال فرننديز ومعربا عن امتنانه لهذا اللقاء، وقال لضيوفه: إننا مدعوون اليوم للعمل بكل ما لدينا من طاقة في القلب والذهن من أجل ارتداد إرسالي للكنيسة، التي تستجيب لدعوة المسيح لها كي تبشر بالإنجيل، وهذا هو الالتزام الذي اتخذته في المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني الذي ما يزال يقود مسيرتها الكنسية، لافتا إلى أن الروح القدس أسمع صوته خلال المجمع متوجها إلى أزمنة اليوم. وتوقف فرنسيس في هذا السياق عند الوثيقة المجمعية “نور الأمم” التي أكدت أن الكنيسة ترغب في إعلان الإنجيل على كل خليقة، وفي إنارة جميع البشر بواسطة نور المسيح. وذكر أيضا بتأكيد اللجنة اللاهوتية الدولية على أن سينودسية الكنيسة هي شرط أساسي من أجل إطلاق دفع إرسالي متجدد يشمل شعب الله كله. وهذا الدفع ينبغي أن ينقل للآخرين جمال الإيمان.
بعدها ذكّر الحبر الأعظم بالرسالة التي وجهها إلى العميد الجديد لدائرة عقيدة الإيمان متحدثا فيها عن الحاجة إلى فكر يعرف كيف يصوّر بطريقة مقنعة الله الذي يُحب، ويغفر ويخلّص ويحرر، ويدعم الأشخاص ويدعوهم إلى الخدمة الأخوية. وقال إن ضيوفه مدعوون إلى تحمّل هذه المسؤولية من خلال اقتراح لاهوت يبشر بالإنجيل، ويعزز الحوار مع عالم الثقافة. وشدد في هذا السياق على ضرورة أن يفعل اللاهوتيون ذلك بالتناغم مع شعب الله، مع إيلاء اهتمام خاص بالفقراء والبسطاء بالتزامن مع السجود لعبادة الله.
تابع البابا كلمته لافتا إلى أن أعضاء اللجنة اللاهوتية الدولية يتعمقون اليوم في تحديين اثنين، ألا وهما: المسألة الأنتروبولوجية والموضوع الإيكولوجي. كما أن نشاطهم يتضمن اقتراح تأمل محدّث ومقرّر حول الإيمان بالثالوث والكريستولوجيا التي أعلنها مجمع نيقية الذي نستعد للاحتفال بالذكرى المئوية السابعة عشرة لانعقاده، وتتزامن مع الاحتفال بيوبيل العام ٢٠٢٥. وأشار فرنسيس إلى ثلاثة أسباب تجعل من إعادة اكتشاف هذا المجمع أمراً واعدا. السبب الأول هو روحي. ففي نيقية تم الاعتراف بالإيمان بيسوع ابن الله الوحيد والذي صار إنسانا من أجلنا ومن أجل خلاصنا “إله من إله، نور من نور”. وأكد البابا أن الرب يسوع هو النور الذي يضيء الوجود بمحبة الآب. وفي هذا السياق يدعونا الرب يسوع كلاهوتيين أيضا ألا نضيء سراجاً ونضعه تحت المكيال، بل على المنارة ليضيء لجميع الذين في البيت. ومن هذا المنطلق يتعين على اللاهوتيين أن ينشروا وهجاً جديداً متأتياً من نور المسيح الأبدي وسط الكنيسة ووسط عتمة العالم.
أما السبب الثاني، مضى البابا يقول، فهو سينودسي، ففي نيقية تم انعقاد المجمع المسكوني الأول، والذي عبرت خلاله الكنيسة عن طبيعتها وإيمانها ورسالتها لتكون علامة وأداة للاتحاد الحميم مع الله ولوحدة الجنس البشري كله. وأشار فرنسيس إلى أن السينودسية هي السبيل الذي يترجم الديناميكية التي يأتي من خلالها الله، بواسطة المسيحي وبنفحة الروح القدس، ليلتقي بالبشرية. وهناك تُلقى مسؤولية كبيرة على عاتق اللاهوتيين المدعوين إلى إطلاق العنان لغنى الطاقة المؤنسِنة.
وذكّر البابا بأن ضيوفه جاؤوا من مختلف أنحاء العالم ويحملون في جعبتهم مواهب وغنى وتساؤلات ومعاناة كنائسهم وشعوبهم. وهم يشهدون – من خلال عملهم الجماعي وتقاسم خصوصياتهم الكنسية والثقافية – لكنيسة تسير وفقاً لتناغم الروح القدس ومتجذرة في كلمة الله وفي التقليد الحيّ، وهي ترافق بمحبة وتمييز العمليات الثقافية والاجتماعية للبشرية خلال المرحلة الانتقالية المعقدة التي نعيشها. ودعا البابا الحاضرين إلى عدم الاكتفاء بما تم إنجازه مشددا على ضرورة إبقاء القلب والذهن منفتحَين دائماً أبداً تجاه الله.
أما السبب الثالث والأخير فهو مسكوني. ولفت فرنسيس في هذا السياق إلى أهمية الاحتفال بذكرى انعقاد مجمع نيقية في ضوء المسيرة التي تقود إلى الوحدة التامة بين المسيحيين، وذكّر بأن العناية الإلهية شاءت أن يتزامن عام ٢٠٢٥ احتفالُ جميع الطوائف المسيحية بعيد الفصح. في نهاية خطابه إلى أعضاء اللجنة اللاهوتية الدولية قال البابا: لنحمل هذا الحلم في القلب ولنبتهل إبداع الروح القدس كي يتألق أكثر نور الإنجيل والشركة.