البابا يستقبل أعضاء “الشبكة الوطنية لمدارس السلام” ويدعو للصلاة على نية أطفال أوكرانيا وغزة

استقبل البابا فرنسيس صباح اليوم الجمعة في قاعة بولس السادس بالفاتيكان التلامذة والأساتذة المنتمين إلى “الشبكة الوطنية لمدارس السلام” وهي عبارة عن شبكة تضم المدارس الإيطالية الملتزمة في التربية على السلام والمواطنة وحقوق الإنسان. وجه الحبر الأعظم لضيوفه خطاباً شدد فيه على أنه في العالم المعولم لا يسعنا المضي قدما كأفراد يعتنون فقط بشؤونهم الخاصة، بل من الضروري التواصل والعمل معا بتآزر وتناغم، والانتقال من مفهوم الـ”أنا” إلى مفهوم الـ”نحن”.
استهل البابا كلمته معربا عن سروره بهذا اللقاء وعبر عن امتنانه للحاضرين وقال لهم: شكراً لكم على هذه المسيرة المليئة بالأفكار والمبادرات والدورات التدريبية والأنشطة التي تهدف إلى تعزيز رؤية جديدة للعالم. أشكركم على كونكم مليئين بالحماس في السعي وراء أهداف الجمال والخير، في خضم المواقف المأساوية والظلم والعنف الذي يشوه كرامة الإنسان. شكرا لأنكم بشغف وكرم ملتزمون بالعمل في “ورشة بناء المستقبل”، متغلبين على إغراء الحياة التي تركز على الحاضر وحسب، والتي تواجه خطر فقدان القدرة على الحلم بأمور عظيمة. ولكن اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، هناك حاجة إلى العيش بمسؤولية وتوسيع الآفاق، والتطلع إلى الأمام وزرع بذور السلام يوما بعد يوم التي يمكن أن تنبت غداً وتأتي بثمارها.
تابع البابا فرنسيس يقول: ستعقد في نيويورك في شهر أيلول سبتمبر المقبل “قمة المستقبل” بدعوة من منظمة الأمم المتحدة لمواجهة التحديات العالمية الكبرى في هذه المرحلة التاريخية ولتوقيع “ميثاق من أجل المستقبل” و “إعلانٍ بشأن الأجيال القادمة”. ولفت الحبر الأعظم إلى أن هذا حدث مهم، وثمة حاجة أيضا إلى مساهمة الشبكة الوطنية لمدارس السلام كي لا تبقى القمة “حبرا على ورق”، بل لتصبح ملموسة ويتم تحقيقها من خلال مسارات وإجراءات التغيير. وأضاف البابا: أنتم تحملون هذا الحلم العظيم في قلبكم: “دعونا نغير المستقبل. من أجل السلام ومن خلال الرعاية”. أنتم مدعوون لأن تكونوا أبطالا وليس متفرجين على المستقبل. إن عقد القمة العالمية هذه يذكرنا بأننا جميعا مدعوون لبناء مستقبل أفضل وعلينا أن نبنيه معا.
مضى البابا إلى القول: لا يمكننا أن نترك القضايا والانشغالات المتعلقة بـ”العالم الآتي” وحل مشاكله للمؤسسات المسؤولة ولذوي المسؤوليات الاجتماعية والسياسية وحسب. صحيح أن هذه التحديات تتطلب مهارات محددة، ولكن من الصحيح أيضا أنها تعنينا عن كثب، وتمس حياة الجميع وتتطلب من كل واحد منا المشاركة بنشاط بالتزام شخصي. وأكد البابا أنه في العالم المعولم، حيث جميعا مترابطون، لا يمكن المضي قدما كأفراد يعتنون فقط بشؤونهم الخاصة، بل من الضروري التواصل والعمل معا بتآزر وتناغم. هذا يعني الانتقال من مفهوم الـ”أنا” إلى مفهوم الـ”نحن”: ما معناه أنه لا يسعني أن أقول “أنا أعمل من أجل مصلحتي”، ولكن يجب القول “نحن نعمل من أجل الخير العام، من أجل خير الجميع”.
هذا ثم أكد البابا أن التحديات المعاصرة، لا سيما المخاطر التي تتجمع وتهدد مستقبلنا، مثل الغيوم الداكنة، أصبحت عالمية أيضا. وقال: إنها تعنينا جميعا، وتسائل المجتمع البشري بأسره، وتتطلب شجاعة وإبداعَ حلم جماعي يحرّك التزاما دائما، لمواجهة الأزمات البيئية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يمر بها كوكبنا. إنه حلم يتطلب منكم أن تكونوا مستيقظين، لا نائمين، لأنه يتم عن طريق العمل، وليس عن طريق النوم. يتم من خلال استخدام تكنولوجيا المعلومات بشكل جيد، وعدم إضاعة الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي. كما أن هذا النوع من الحلم يتحقق بواسطة الصلاة، أي مع الله، وليس بفضل قوتنا الخاصة.
مضى البابا إلى القول إيها التلامذة والأساتذة الأعزاء، لقد وضعتم كلمتين رئيسيتين في صميم التزامكم: السلامُ والرعاية. وهذان الواقعان مرتبطان ببعضهما البعض: فالسلام ليس مجرد صمت السلاح وغياب الحرب، إنه مناخ من الخير والثقة والمحبة يمكن أن ينضج في مجتمع قائم على علاقات الرعاية، حيث تفسح الفردانية واللامبالاة المجال للقدرة على الاهتمام بالآخرين، والاستماع إلى احتياجاتهم الأساسية، وتضميد جراحهم، لنكون أدوات للتعاطف والشفاء بالنسبة لهم. هذه هي الرعاية التي يكنّها يسوع للبشرية، لا سيما للفئات الأكثر ضعفاً، والتي كثيراً ما يحدثنا عنها الإنجيل. إن المجتمع الاشتمالي القائم على السلام والحوار يولد من “الرعاية” المتبادلة.
في الختام قال البابا لضيوفه: في زماننا هذا الذي ما يزال مطبوعاً بالحروب، أطلب منكم أن تكونوا صانعي سلام. وفي مجتمع ما يزال أسيرا لثقافة الإقصاء، أطلب منكم أن تكونوا أبطال الإدماج. وفي عالم يشهد أزمات عالمية، أطلب منكم أن تكونوا بناة المستقبل ليصبح بيتنا المشترك مكانا للأخوة. ودعا فرنسيس الحاضرين إلى التفكير بالأطفال الذين يعيشون الحروب، لاسيما الأطفال الأوكرانيين الذين فقدوا بسمتهم، ودعا للصلاة على نية هؤلاء الصغار، وعلى نية أطفال غزة الذين يُقتلون ويجوعون. وطلب من الجميع أن يقفوا دقيقة صمت للتفكير بأطفال أوكرانيا وأطفال غزة. ثم منح البابا الكل بركته الرسولية.