فرح الإنجيل، الانتماء إلى الشعب والخدمة المولدة للحياة، كان هذا محور كلمة البابا فرنسيس خلال استقباله اليوم المشاركين في المؤتمر الدولي حول التنشئة المستمرة للكهنة.
التقى البابا فرنسيس صباح اليوم في قاعة بولس السادس في الفاتيكان المشاركين في المؤتمر الدولي حول التنشئة المستمرة للكهنة الذي بدأ أعماله في السادس من شباط فبراير ويستمر حتى العاشر من الشهر. وعقب ترحيبه بالجميع شكر الأب الأقدس الأعداد الكبيرة من الكهنة القادمين من مناطق العالم المختلفة للمشاركة في المؤتمر الذي تنظمه دائرة الإكليروس بالتعاون مع دائرتَي البشارة والكنائس الشرقية، كما وشكر الجميع على ما يقومون به من عمل في بلدانهم وأبرشياتهم، وأشار قداسته أيضا إلى إسهامهم في الاستطلاع الذي كان قد تم إرساله إلى مجالس الأساقفة في العالم والذي انطلق هذا المؤتمر من نتائجه.
تحدث قداسة البابا بعد ذلك عن أن المشاركين لديهم خلال أيام المؤتمر نعمة تقاسم الممارسات الجيدة ومناقشة التحديات والمشاكل والتأمل في مستقبل تنشئة الكهنة في تغير الحقبة الذي نعيشه. وتحدث الأب الأقدس عن السير قدما باحثين عن أدوات ولغات تساعد التنشئة الكهنوتية لا بالاعتقاد بامتلاك كل الإجابات، بل بالثقة في إمكانية العثور عليها خلال السير. ودعا البابا المشاركين إلى الإصغاء أحدهم إلى الآخر وإلى الاستلهام من الدعوة التي وجهها القديس بولس الرسول إلى طيموتاوس، والتي اختيرت محور المؤتمر، أي “أَن تُذَكِّيَ هِبَةَ اللهِ الَّتي فِيكَ”. تحدث قداسة البابا بالتالي عن أهمية تذكية الهبة وإعادة اكتشاف المسحة وإعادة إيقاد النار كي لا تنطفئ غيرة الخدمة الإرسالية.
ولتذكية الهبة التي نلناها هناك ثلاثة طرق أراد البابا فرنسيس أن يُحدِّث عنها الكهنة المشاركين في المؤتمر، وهي فرح الإنجيل، الانتماء إلى الشعب والخدمة المولدة للحياة. وبدأ قداسته بالحديث عن الطريق الأول، أي فرح الإنجيل، فأشار إلى أن في مركز الحياة المسيحية هناك عطية الصداقة مع الرب التي تحررنا من حزن الفردانية ومن خطر حياة بلا معنى وبلا محبة وبلا رجاء. وتابع الأب الأقدس أن فرح الإنجيل، النبأ السار الذي يرافقنا هو أن الله يحبنا بحنان ورحمة، ونحن مدعوون إلى جعل أصداء هذا الإعلان الفرِح تتردد في العالم وأن نشهد له بحياتنا كي يتمكن الجميع من اكتشاف جمال محبة الله المخلصة التي برزت في يسوع المسيح الذي مات وقام من بين الأموات. هذا وأراد البابا فرنسيس التذكير هنا بما قال البابا القديس بولس السادس أي “كونوا شهودا قبل أن تكونوا معلمين”، شهودا لمحبة الله، تابع الأب الأقدس. وواصل البابا فرنسيس مشيرا إلى أننا نجد هنا قوة التنشئة المستمرة لا فقط للكهنة بل لكل مسيحي، ففقط حين نكون ونظل تلاميذ يمكننا أن نصبح خدام الله ومرسلي ملكوته. وأكد الأب الأقدس بالتالي على أنه من الضروري بالنسبة للتنشئة المستمرة ألا ننسى كوننا دائما تلاميذ في سير وأن هذا هو أفضل ما حدث لنا بالنعمة. وأضاف البابا أننا في حاجة إلى تنشئة إنسانية متكاملة، فكوننا تلاميذ ليس تصرفا دينيا بل هو أسلوب حياة، ما يعني الاهتمام بإنسانيتنا. ودعا قداسته الجميع إلى تخصيص كل طاقاتهم ومواردهم لهذا الأمر، للتنشئة الإنسانية، وتحدث عن الحاجة إلى كهنة قادرين على إقامة علاقات جيدة ويتمتعون بالنضج أمام تحديات الخدمة، وذلك لأن عزاء الإنجيل يصل إلى الشعب من خلال إنسانيتهم التي حوَلها روح يسوع، ودعا البابا هنا إلى عدم نسيان قوة الإنجيل المؤنسِنة.
وفي حديثه عن الطريق الثاني، الانتماء إلى شعب الله، شدد البابا فرنسيس على أنه ليس بالإمكان أن نكون تلاميذ مرسلين إلا معا، وأضاف أن بإمكاننا أن نعيش بشكل جيد خدمتنا الكهنوتية فقط حين نكون منغمسين في الشعب الكهنوتي الذي نأتي نحن أيضا منه. وأضاف أن هذا الانتماء يعني عدم الشعور أبدا بأنفسنا منفصلين عن مسيرة شعب الله، وهذا الانتماء يحرسنا ويسندنا أمام المشقة ويرافقنا في مخاوفنا الرعوية ويحمينا من خطر الانفصال عن الواقع والشعور بكوننا قادرين على كل شيء. وللبقاء منغمسين في واقع الشعب يجب عدم النظر إلى التنشئة الكهنوتية وكأنها منفصلة بل أن بإمكانها الاستفادة من إسهام شعب الله، الكهنة والمؤمنين العلمانيين، الرجال والنساء، المتزوجين وغير المتزوجين، المسنين والشباب، دون نسيان الفقراء والمتألمين الذين لديهم الكثير مما يمكن أن يعلِّمونا. وتحدث الأب الأقدس هنا عن تبادلية ودائرية في الكنيسة بين مراحل الحياة والدعوات، الخدمات والمواهب، وأضاف أن هذا يتطلب منا تواضع تعلُّم السير معا جاعلين من السينودسية أسلوب الحياة المسيحية والحياة الكهنوتية.
ثم انتقل البابا فرنسيس إلى الحديث عن الطريق الثالث من أجل أن نذكي الهبة، أي الخدمة التي تولد الحياة، وتوقف في هذا السياق عند الخدمة باعتبارها ما يميِّز خدام المسيح وذكَّر هنا بغسل المسيح أقدام تلاميذه. وتابع الأب الأقدس أن التنشئة من وجهة النظر هذه لا تعني نقل التعليم بل تصبح القدرة على جعل الآخر في المركز لإبراز ما لديه من جمال وما يحمل في داخله من خير، وتسليط الضوء على مواهبه وأيضا ظلاله وجراحه وأمنياته. وهكذا فإن تنشئة الكهنة تعني خدمتهم وخدمة حياتهم، تشجيعهم في منسيرتهم ومساعدتهم على التمييز ومرافقتهم في الصعاب ودعمهم في التحديات الرعوية. وواصل البابا فرنسيس أن الكاهن حين تتم تنشئته بهذا الشكل سيضع نفسه بدوره في خدمة شعب الله ويكون قريبا من الناس ويحمل على عاتقه الجميع كما فعل يسوع على الصليب. لقد وَلد الله من خلال الصليب شعبا جديدا، ونحن أيضا حين نضع أنفسنا في خدمة الآخرين نولِّد حياة الله. هذه هو جوهر العمل الرعويّ الذي يولد الحياة، قال البابا، لا ذلك الذي نكون نحن في مركزه، إنه العمل الرعوي الذي يلد بنات وأبناء للحياة الجديدة.