استقبل البابا فرنسيس صباح اليوم الخميس في قاعة الكونسيستوار بالفاتيكان وفداً من جمعية الصحفيين الكاثوليك الألمان، ضم قرابة الثلاثين شخصا، وسلم ضيوفه خطاباً سلط فيه الضوء على الدور الواجب أن يلعبه اليوم الإعلاميون الكاثوليك المدعوون إلى تبديد سوء الفهم وتعزيز التفاهم المتبادل عوضا عن المواجهة والصدام.
استهل الحبر الأعظم كلمته معرباً عن امتنانه لضيوفه على قدومهم إلى روما للاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لنشأة جمعيتهم التي تضم محترفين كاثوليك عاملين في مجال الإعلام، وفي مختلف القطاعات، الكنسية والمدنية، لافتا إلى أهمية التواصل الذي يساعدنا على أن نكون أعضاء بعضنا البعض، كما يقول القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل أفسس، ومدعوين إلى العيش ضمن شبكة من العلاقات تتوسع باستمرار. وقال إنها مسألة جوهرية بالنسبة للكنيسة حيث ينمو الرباط مع البعد الكوني ويتجانس بنوع خاص من خلال خدمة خليفة بطرس.
بعدها ذكّر البابا بأن جمعية الصحفيين الكاثوليك الألمان ملتزمة في مجال المسكونية والحوار بين الأديان كما أيضا على صعيد الدفاع عن السلام والحرية والكرامة البشرية، مشيراً إلى أنها أهداف آنية للغاية. وقال: كم هي الصراعات الدائرة اليوم التي تُغذى بالأنباء المزيفة والتصريحات النارية عبر وسائل الإعلام عوضا عن العمل على إخمادها بواسطة الحوار! وشدد فرنسيس في هذا السياق على ضرورة أن يسعى ضيوفه، يحركهم إيمانهم المعاش يومياً وجذورهم المسيحية والإنجيل، إلى دعم نزع الخطاب من السلاح مشيرا إلى أهمية أن تُعزز نبرة السلام والتفاهم وأن تُبنى الجسور وأن يكون الأشخاص مستعدين للإصغاء ولممارسة تواصل يحترم الآخر ومبرراته. وقال: ثمة حاجة ملحة لهذا الأمر في المجتمع، كما أن الكنيسة تحتاج هي أيضا لتواصل لطيف ونبوي.
لم تخلُ كلمة البابا من الإشارة إلى المسيرة السينودسية التي قامت بها الكنيسة في ألمانيا، متمنياً أن تُعرف وتُطبق بشكل أفضل خصوصا وأنها تُسلط الضوء على موضوعين بالغي الأهمية: أولاً الاعتناء بالبعد الروحي، أي التأقلم الملموس والمستمر مع الإنجيل، لا مع نماذج العالم، واكتشاف الارتداد الشخصي والجماعي من خلال الأسرار والصلاة ووداعة الروح القدس، لا تماشياً مع روح هذا الزمن. ثانياً، هناك البعد الكوني، الكاثوليكي، كي لا يُنظر إلى الحياة الإيمانية كأمر نسبي يتلاءم مع البيئة الثقافية والوطنية. وشدد فرنسيس على الدور الذي ينبغي أن يلعبه الإعلاميون الكاثوليك على هذا الصعيد، المدعوون إلى نشر أنباء صحيحة فيساهمون بالتالي في تبديد سوء الفهم ويعززون التفاهم المتبادل عوضا عن المواجهة والصدام.
تابع البابا خطابه متوقفا عند أهمية عدم الانطواء على الذات، بل الخروج من أجل حمل الرسالة المسيحية إلى مختلف بيئات الحياة، مستخدمين الوسائل المتاحة لدينا اليوم. وحذّر من مغبة أن تعتني الكنيسة بذاتها فقط، لأنها رسالة، ويتعين على الإعلاميين الكاثوليك ألا يبقوا على حياد بشأن الرسالة التي ينقلونها. وذكّر هنا الحبر الأعظم بما كتبه في رسالته لمناسبة اليوم العالمي للتواصل الاجتماعي ٢٠٢٤ عندما أكد أن حيادية وسائل الإعلام هي مسألة ظاهرية وحسب ومن يمارس التواصل ويعرض نفسه يمكن أن يمثل نقطة مرجعية.
هذا ثم ذكّر الحبر الأعظم ضيوفه بأنهم قدموا من بلد مزدهر ومتطور، ومع ذلك توجد فيه مشاكل ليست بقليلة، مشيرا إلى أنه يفكر بالفقر الذي يعيشه الأطفال، وبالعائلات العاجزة عن دفع الفواتير، وبالأوضاع التي يعيشها العديد من المهاجرين واللاجئين والذين استقبلتهم ألمانيا بأعداد كبيرة. وقال إن إله المحبة ينتظر الخبر السار الناتج عن أعمالنا الخيرية، إنه ينتظر أن يخرج المسيحيون ويتوجهوا نحو الأشخاص المهمشين. وهذا الأمر يقتضي أيضا وجود إعلاميين يسلطون الضوء على بعض القصص وعلى وجوه من لا يعيرهم أحد أي انتباه. في هذا السياق طلب البابا فرنسيس من ضيوفه أن يفكروا دائماً في وجوه الأشخاص، لاسيما الفقراء والبسطاء، والانطلاق من هؤلاء، من واقعهم، من مآسيهم، ومن تطلعاتهم، حتى إذا كان هذا الأمر يتطلب السير عكس التيار، ويقتضي جهداً كبيرا.
في ختام كلمته إلى وفد الجمعية الألمانية للصحفيين الكاثوليك شكر البابا ضيوفه مجددا على حضورهم وعلى عملهم ومنحهم بركته الرسولية طالبا منهم أن يصلوا من أجله.